🔄 منقول: 🌎 كيف نتعايش حضاريا مع الآخر؟


مرتكزات ومبادئ التعايش الحضاري مع الآخر
التنوع يعني اجتماع عدد من الأغيار المتباينين في المكونات والخصائص والأهداف، بمعنى إنه ائتلاف لمكونات غير متجانسة، تحتاج إلى مبادئ وقوانين تنظم علاقتها ببعضها وبغيرها من خارجها، وتضمن تنظيمها في منظومة ومنطق فعل رابط يجمع مفرداتها في وحدة واحدة ذات إطار عام جامع يعيد رسمها وتوصيفها وتسميتها مجتمعة، وتوجيه بوصلتها نحو الوحدة والتكامل لتحقيق مصالح الجميع، والتي يمكن إيجازها في الاعتراف ـ وحدة النشأة – المساواة – العدل – البر ـ الاحترام – الانفتاح – الوفاء – التسامح – الردع.
⦁ الاعتراف القانوني والإيماني بالآخر
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) الإسراء 70
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات 13
(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) البقرة 285
تؤكد الآيات الكريمة على بعض الدلالات:
⦁ التكريم الإلهي للإنسان وتفضيله على بقية المخلوقات
⦁ المحافظة على الكرامة الإنسانية لكل الإنسان لمجرد أنه إنسان
⦁ فطرة التنوع البشري وتوجيه الإنسان إلى الانفتاح والتواصل والتعارف وبناء جسور التعاون والتكامل اللازم لبناء المجتمعات البشرية الحضارية المؤهلة لعمارة الكون.
⦁ اعتراف وإيمان المؤمنين بكافة الرسالات السماوية السابقة، الاعتراف والإيمان المؤسس لحسن الجوار والعشرة والتعايش
2. وحدة النشأة والخلق ورد الناس
جميعنا لآدم وآدم من تراب، والأصل هو تساوي البشر ووحدة مصدرهم ونشأتهم، فلم يميز الله تعالى فئة عن فئة ولم يمنح أيا من المكونات البشرية شهادات وصكوك تميز عن غيرهم، وإنما يأتي التمايز والتميز من خلال تعلم واكتساب أدوات الفعل والقوة في الحياة وحسن العمل.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) النساء1
3. المساواة والتماثل حتى وإن كان الحكم والغلبة والسيادة للمسلمين
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء. فالناس كلهم من نفس وأصل واحدة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ فَخْرَهُمْ بِرِجَالٍ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِدَّتِهِمْ مِنْ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتَنَ – رواه أحمد
وقوله صلى الله عليه وسلم: لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى ــ رواه أحمد
فالجميع سواسية أمام الله تعالى ثم الدستور والقانون ولا فضل لأحد على أحد بدينه ولا بعرقه ولا بجنسه ولا بلونه ولسانه… إلخ
4. العدل والقسط وحفظ الحقوق الذي قرره الله تعالى
ولو على حساب أنفسكم حتى مع تطور الاختلاف إلى أقصى درجات التدافع، وهي العداء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُواهُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة 8
وقوله تعالى ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ النحل 90
وقوله تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) النساء 58
بالتحرر من تداعيات أثرة الأنا والتي تحتر وتشتعل وتدفع البعض للطغيان عند العداء، من الأفكار الارتدادية الناتجة عن العداء والصراع التاريخي والتي تتحول بفعل تراكمها إلى أيديولوجيات صلبة تورث تاريخيا على أنها أحكام دينية.
5. البر بالآخر الذي يتضمن كل ما قبله من التواصل والتعاون وحسن العشرة
(لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الممتحنة 8. فالأصل في العلاقة مع الآخر هو البر والقسط، ويمنع هذا البر مع الآخر إلا أن يعتدي بالقتال مما يوحي بأن الاعتداء الناعم يمكن التحاور عليه وإنهاؤه عبر الاتصال الطبيعى المحصن بالبر والقسط.
6. الاحترام المتبادل وتجنب الاستفزاز
(وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام 108، باحترام خصوصية وعمل الآخر، والتعايش معه وتجنب الصدام، وتجنب تجريمه والتشهير به فيؤخذ على محمل السب الداعي لرد الفعل وتوتير العلاقة، والنهي عن استفزاز الآخر، ومراعاة الفارق الكبير بين الاعتراف والاحترام، والإقرار، والإيمان.
7. الانفتاح والتواصل والتعايش الطبيعي
يؤكد القرآن الكريم على أهمية الانفتاح والتواصل والتعايش الطبيعي بين مكونات المجتمع وصولا إلى أخص وأعمق العلاقات والروابط وهي التطاعم المتبادل، والتزاوج والمصاهرة.
(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) المائدة 5. حكمة التطاعم والتزاوج للمحافظة على جسور الانفتاح والتواصل والتعاون الاقتصادي والاجتماعى المؤسس للتعاون والتراحم، والتأكيد على التزاوج الرسمي مع وجود شرائع خاصة بكل نوع، بما يفتح الطريق لصناعة قوانين مدنية تنظم عملية الزواج بين المختلفين عقائديا، وفي الآية الكريمة إشارة إلى قيمة وكرامة وحصانة وقدسية المرأة محفوظة وموثقة إلهيا بغض النظر عن معتقدها، وذلك ما أكده صلى الله عليه وسلم في وثيقة المدينة: وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته، وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف، وأن ليهود بني الحارث ما ليهود بني عوف………. إلخ) ـ وثيقة المدينة.