e-Dewan.com
  • المشاركة مفتوحة للجميع .. لا تتردد في نشر مقالك في القسم المناسب في منتدى الديوان.

  • اللّٰهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ وَأَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَنِّكَ، وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ.

💢 حصري "رسائل العم ياسين"

  • ناشر الموضوعNahla El-naqa
  • تاريخ البدء
  • الردود 2
  • المشاهدات 76

العنوان:
💢 حصري "رسائل العم ياسين"

💢 الموضوع يحتوي على محتوى حصري.

مرحبا ً بك في الــديــوان الإلكتروني

أهلا وسهلا بك زائرنا العزيز في الــديــوان الإلكتروني.

انظم إلينا و تمتع بتجربة رائعة, ستجد كل ما تبحث عنه.

التسجيل مجاني بالكامل

تأليف: نهلة الناقة

في بلدتنا الريفية المتمدنة يمكنك رؤية شجرة الصفصاف خاصتنا من كل اتجاه، بل ويمكنك أن ترى الناس وهم يتوافدون عليها، لا للجلوس والاستمتاع بظلالها، ولكن لمقابلة "العم ياسين"!

"العم ياسين" رجل ستيني سرى الشيب في رأسه منذ عقد فائت، لا نتذكر على وجه التحديد متى بدأ يجلس تحت شجرة الصفصاف ولا متى جاء إلى بلدتنا من الأساس. وكأننا استيقظنا مرة فوجدناه هكذا ولم نتساءل ولم نعقب، فقط تقبلناه هنا بهيئته وشخصيته وروعة أسلوبه في الكتابة.

نعم، نسيت أن أخبركم أهم خبر عن "العم ياسين" إنه كاتب رسائل بلدتنا. نعم نعم أعلم أننا لسنا في عهد المماليك حتى نرسل لبعضنا رسائل ورقية، لكنكم لم تتذوقوا جمال كلمات وتعبيرات "العم ياسين"، لم تجربوا أن تتحول مشاعركم وذكرياتكم إلى كلمات تروى وقصائد تلقى فيتصدع منها جدار الزمن.

فمثلا ها هي "الأخت صفية" تزوجت من شاب فلسطيني وعاشت معه عامين في مصر، ومنذ عام مضى قررا أن يستقرا في غزة، خاصة بعد أن أنجبت طفلتهم الأولى، ولكن "الأخ عامر" زوجها – أراد أن يذهب أولا ليجهز لهما المنزل ويمهد لذهابهما هناك. ولا تريدون معرفة الباقي خاصة وأنه ذهب قبل أحداث 7 أكتوبر بأسبوع واحد، وانقطعت أخباره، وترك خلفه الأخت صفية ورضيعتها مثقلتان بأحزانهما. وكل أسبوع تأتي "الأخت صفية" إلى "العم ياسين" ليكتب لها رسالة لزوجها، ثم تأخذ منه الرسالة وتقرأها بضع مرات ثم تضعها في صندوق البريد على عنوانه في غزة لعلها تصله في يوم قريب.

**************​

  • - من؟ من يربت على كتفي؟ نعم يا عم، ماذا تريد مني؟
= مرحبا يا صديق، أنا غريب، كنت مارا من بلدتكم في طريقي لقضاء بعض حوائجي، وسمعت عن رسائل "العم ياسين".


  • - أهلا بك، هل تريد كتابة رسالة؟
= في الحقيقة أرغب في كتابة مجموعة من الرسائل لا رسالة واحدة إن لزم الأمر، ولكنني لا أقوى على قص حكايتي أمام الغرباء.

  • - لا تقلق "العم ياسين" مألوف للجميع يحتوي من لا مأوى لمشاعره، إنه يتلقى عشرات الطلبات يوميا لكتابة رسائل من أشخاص نادمون أو محبون، لا فرق لديه، لا تخجل منه أبدا.
= أجد صعوبة كبيرة حقا في الإفصاح عما بداخلي، فهل يمكنك مساعدتي؟


  • - بالطبع، كيف لي أن أساعدك؟
= يمكنني أن أحكي لك قصتي وأنت بدورك تنقلها إلى "العم ياسين" وتخبره عما أريد أن يكتبه في الرسالة، هل يمكنك فعل هذا من أجلي؟


  • - بكل سرور، أخبرني هيا.
= بدأت قصتي منذ ولادتي تماما، فوالدتي توفت عقب ولادتها بأسبوع واحد، ولكن المصيبة لم تقف عند هذا الحد، فقد كان أبي مسافرا خلال هذا الوقت في عمل مهم، وعندما عاد وعلم بما حدث أصابته نوبة اكتئاب شديدة وكان يلوم نفسه عما حدث لأمي.


  • - ماذا!! ولماذا يلوم نفسه على قضاء الله وقدره!
= لم تكن مشكلة أبي اعتراضا على قضاء الله، بل كان إحساسه بالذنب تجاه والدتي، لأنها طلبت منه الاعتذار عن هذه السفرية ويحضر ولادتها، لكنه كان متعسرا ماليا حينها، وكان سوف يجني من هذه السفرية مبلغا كبيرا يساعده على توفير احتياجات الطفل ومصاريف الولادة. ولكن حدثت مضاعفات لأمي بعد الولادة واحتاجت تدخلا طبيا سريعا ولكن لا أحد أسعفها ظنا منهم أنها فقط مدللة وهذه ولادتها الأولى.


  • - أحزنتني كثيرا، لا أعلم على من تحديدا أنا حزين الآن فثلاثتكم تضررتم.
= لا تفكر في الأمر هكذا، ما هي إلا أسباب لنفاذ قضاء الله. لنعود لحكياتي، بعد عودة أبي وإصابته بالاكتئاب، بدأت تظهر عليه علامات غريبة، كان يبكي ويضحك في الوقت نفسه، كان يمشي غير واعٍ بالطريق، والأخطر من هذا كله أنه بدأ ينسانا ويتوه عن هويته الحقيقية، وظلت حالته تتدهور هكذا حتى اختفى مرة واحدة ولم نعثر عليه حتى هذه اللحظة.


  • - معقول لم تعرضوه على طبيب؟
= بالطبع جدي لم يوفر جهدا في محاولة علاج أبي، لكنها الأقدار. وبقيت أنا في رعاية جدتي لأمي حتى كبرت وتزوجت.


  • - يا لها من مأساة! أنا آسف لك جدا، وأتمنى أن يعوضك الله ويجمعك بوالدك عما قريب.
= اللهم آمين. أريد منك أن تذهب للعم ياسين وتحكي له قصتي، وتخبره أن يكتب لي رسالة إلى والدي الحبيب، أن يخبره أن ابنه قد كبر وتزوج وأصبح لديه أحفاد يتوقون لملاقاته، وأن ابنه يحبه كثيرا ويرغب في عناقه ولو مرة واحدة في حياته، وأن زوجته رحلت وهي راضية عنه وتحبه، وأن أخر كلماتها كانت "أخبروه أنه حلو حياتي، وسعادتي الأبدية"، وأن الحياة بدونه صعبة، أخبره أن يكتب لوالدي أنني هنا، أنتظره إلى أن تتوقف أنفاسي ويبلى جسدي.


  • - ما هذا!! يا له من خطاب مؤثر، متأكد أن "العم ياسين" سوف يرغب في مقابلتك، فأسلوبك شبيه بأسلوبه. انتظرني هنا، سوف أذهب إليه أنقل له خبرك، وأعود برسالتك إن شاء الله.
= أنا بانتظارك هنا، ولعلك تأتيني بما هو أهم من رسالتي.

  • - عفوا! ماذا قلت؟
= لا شيء، لا شيء، اذهب إني ها هنا منتظر.

**************​

عندما تتوجه نحو "العم ياسين" ترى لوحة فنية متكاملة الأركان، فهو يجلس كعادته يخط بريشته على الأوراق العتيقة، وفوق رأسه تتمايل أغصان الصفصافة مع نسمات الهواء الرقيقة. فرقة من أوركسترا الطبيعة تعزف نغمات المشاعر التي يحيكها ببساطة.

  • - السلام عليكم يا عم ياسين.
  • = وعليكم السلام يا ولدي، لماذا تلهث هكذا؟ اجلس ثم أخبرني.

  • - إني رسول إليك من رجل غريب، أوصاني أن أقص عليك قصته وتكتب له رسالة.
  • = حسنا، التقط أنفاسك وأخبرني.

قصصت عليه كل ما أخبرني به عابر السبيل، ومعروف عن "العم ياسين" أنه يتفاعل مع أصحاب الرسائل ويشاركهم وجدانيا، لكن هذه المرة كانت مختلفة، خاصة عندما نقلت له الجملة التي قالتها الزوجة على فراش الموت "أخبروه أنه حلو حياتي، وسعادتي الأبدية". بدت عليه علامات الفجع، اغرورقت عيناه بالدموع، وتنهد تنهيدة طويلة وتاه في عالم موازٍ، لم أعلم حينها هل ما زال يسمعني أم أنه غادر الكوكب. وبعد أن انتهيت، جلست أنتظره يكتب الرسالة.

بدأ يكتب في صمت تام ويتمعن في كلماته، وأثناء فرار دمعة شقت طريقها في وجنته توقف عن الكتابة، وأطال النظر تجاه المكان الذي أشرت له عليه بأن الغريب يجلس فيه ينتظرني، ثم جفف دمعته وتحكم في نفسه وعاد للكتابة مرة ثانية، وبعد أن انتهى من الرسالة، ناولني إياها وقال: أخبر الغريب أنه ما عاد غريبا.

**************​
 
أحْمـَدِ جَمـَآلَ

أحْمـَدِ جَمـَآلَ

✵ مٌـراقـب ✵
المٌـراقـبة
الـتـطـويـر
النشاط: 100%
تعليق
Nahla El-naqa

Nahla El-naqa

عضو جديد
عـضـو
النشاط: 1%
تعليق
أعلى