- المشاهدات: 732
- الردود: 13
١ مارس ٢٠٢٤
قلتُ بصوت مُختنق بالبكاء:
أبي، لأنني لا أجد يدك، أُسلم عليكَ بقلبي، أُهدي إليكَ كتابي الأول.
جئت لأُريك هديتي، أنت أول من شجعني على الكتابة ومدحتني.
لطالما تمنيتُ أن أقول للعالم "هذا الرجل لولاه ما كنتُ شيئًا مذكورًا"، وأردفتُ بصوت مُرتعش:
"أبي، إنك لن تموت طالما إنني حية".
لقد مُت، منذ وفاة أبي ثلاث مرات تتزامن مع ذكرى رحيله. ذكرى رحيل أبي اليوم وستحين معها موتتي الرابعة التي أظنها الأخيرة، لذا أنا أكتب. لقد مات أبي فعلًا. لا توجد كلمة تُفسر موت أبي!
******
١ مارس ٢٠٢٣
ألقي الليل الظلام على كاهل الأرض، القيتُ بجسدي على الفراش في غرفة أبي ليس رغبة في النوم بل لأتخلص من أفكاري. سبحت عيناي في الكتب المرصوصة على رف مكتبته فأعترتني رعشة حافلة بالذكريات. تساقطت الدموع من عيني كأنها أمطار ليلية.
تذكرتُ آخر ما قاله أبي قبل موته:
"إبنتي ليل، أن أعيش في قلبك يعني إنني لم أمت". فجأة قررت أن أعيش. رفعت السكين بصعوبة بعد أن غرزته في يدي وساحت الكثير من الدماء فأصبحت يد غارقة بالدم. واليد الأخرى أخذت قلمًا وورقة وكتبتُ:
"أبي، إنني أُحدثك، أحتضنك، أجلس معك لتناول الفطور فتغضب لأنني لم آكل جيدًا، أنت أيضًا لم تأكل جيدًا. أغرف لك طبقًا كل يوم ولكنك لم تقربه، أُعد لك كوب الشاي ولم تشربه، أكوي ملابسك ولا ترتديها!
تقول صديقتي أن كرسيك فارغ ولكني أراك بوضوح."
فجأة سمعتُ صوت أبي مدو كالرعد يقول:
= اه ما أصعب يتمكن ياصغيرتي، هناك طريقة أكثر فعالية للهرب من صعوبات الحياة وهي التعامل مع الله يا ليل فهو يختلف كثيرًا عن التعامل مع البشر وقوانينهم. والمحبين لكِ أيضًا يمكنهم مساعدتك، استمدي قوتك منهم.
قفزت أفكاري إلى فمي وقلتُ: الحنان، الدعم، المشاركة، الدفء، السند، الاحتواء، الحب اللامشروط، الأمان والكثير من المشاعر من سيعطيني كل هذا؟! لا
لن يعوض مكانتك أحد أبدًا، لن يضمد كسر غيابك أحد يا أبي.
انتشر صوته قائلًا بحنو:
= حبيبة روحي ليل
لا تنقطع الصلة بيني وبينك أبدًا حتى وإن كنا في عالمين مختلفين، ارضي بقضاء الله يا صغيرتي ولا تنعزلي، لابد أن تنشغلي دائمًا واتصلي بالله حتى تنزل السكينة عليكِ.
لا تكتمي حزنك ولا تكتمي دموعك واشغلي وقتك.
الشعور بالمشاعر السلبية على نحو كامل هي الخطوة الأولى نحو الشفاء.
اقرئي كثيرًا في جميع الكتب وتابعي هدفك.
اكتبي مشاعرك السلبية واسردي كل ما تحبين لي.
تابعي دراستك بتفوق حتى أفخر بكِ.
لكي يصبح الهلال بدرًا يحتاج إلى وقت اصبري.
لا تنهاري يا إبنتي ستحفك رحمة الله استقبليها بيقين.
انوي يا حبيبتي من داخلك أنكِ تطلبين اللطف من الله.
يا مَنْ حُزِنْتُ عليه كمَنْ فَقَدَ العالمَ بأسره، وها أنا أبكي كَما لَوْ إنّي أبكي عمري بأكمله. كنتُ ألتهمُ ساعاتَ النومِ بجشع رغم ما أمرّ به في أحلامي لكنّها ستظلّ أهونُ من واقعي. كنتُ أبكي يتمي ووحدتي وجروحي المترنحة. عندما مات أبي صحتُ بكامل قوتي حتى ظننتُ إنّي قد انخلعتُ حنجرتي لكنّي لا أسمعُ صوتَك يا أبي.
لم أواجه موتَ أبي وحدي، فقد مكثّ معي أصدقائي لأطول فترة مُمكنة وأحاطوني برعايتهم وحبّهم. وعندما أتذكّرُ جنازةً أبي، أتساءلُ لماذا كانت مشاعري مُخدّرة في يوم دفنه ربّما لأنّني كنتُ قريبةً جدًا منه وهو يحتضر، لقد هيمنَ عليَّ الانكارُ أنّ أبي قد مات لا أستطيعُ أنْ أتحمّل فكرةَ أنْ أعيشَ في عالمٍ بدونِ أبي، أخذتُ هاتفي وتأمّلتُ صورةَ أبي التي كانت تستكينُ كخلفيةٍ للهاتف، تأمّلتُ ابتسامته الدافئة، وعينيه اللامعتين حُبًا، خُيّل لي أنّه يقول (أُحبّك كثيرًا) (أنا معك يا إبنتي).
حاولتُ أنْ أتغاضى عن الفكرة التي كانت تنخرُ رأسي فأسرعتُ إلى دولابي، أخرجتُ ملابسَ الصّلاة والسّجادة وقلتُ يارب يارب وكأنّ الله مسحَ على قلبي وهدأتُ.
مررتُ بعد وفاة أبي بثلاث مراحل متتالية:
١- الهواجس القوية التي لم أستطع كبحها
٢- الحزن العميق المحطم الذي يمكن اشعاله بسهولة إذا نظرت إلى صورة من صور أبي.
٣- الاكتئاب الشديد وعدم قدرتي على الحركة والاحساس بالخمول واليأس.
روادتني نوبات هلع شديدة، حاولت الانتحار ثلاث مرات كي أراه.
ولكني قررتُ أن أعيش عندما سمعت صوت أبي حولي قائلًا بقوة:
"إبنتي، أُريدك أن تتحلي بالرضا والصبر، لم أترك لكِ ميراثًا إلا ذكرى تلك السنوات وما علمتكِ فيها… ستتحملين وستنجحين وستعيشين لأني أؤمن أن لكِ شيئًا في هذه الحياة لم يتسن لي أن أفعل لكِ الكثير ولكنني فعلت ما بوسعي وأظن إنني علمتكِ شيئًا
سأظل معكِ إلى أخر رُمق ياصغيرتي ولن نفترق ابدًا يجب ألا تخافي من أي شيء، انا بداخلك. ..سنجتمع مُجددًا.. ستتجاوزي برحمة الله يكفي ألا تخافي……
لا تتجنبي ألم الحزن بل أستمري في التحرك من خلاله، تذكريني بحُب فقط ليس بحزن او أسف، لقد اختفي حضوري المادي فقط. كما أحببتيني وانا موجود عليكِ أن تُحبيني وانا غايب بأن تعيشي.
بعد مضي ثلاث سنوات من وفاة أبي، أمشي كل يوم لمدة ثلاثين دقيقة، في بعض الأحيان مع أصدقائي لكنني أمشي عادةً وحدي، وأمضي ساعات عدة يوميًا في الكتابة، أشعر بسعادة كبيرة عندما أكتب.
لقد تعلمتُ من الموت أنه ليس مُخيفًا،أنه حياة للحُب، أو أنه حياة لله في قلبي، إنما الحياة التي يحياها الإنسان دون حُب هي المُخيفة.
على الرغم من أنني بلغت الثلاثين، فلا تزال هناك أشياء كثيرة يجب أن أتعلمها عن الحياة، خصوصًا كيف أعيش بدون أبي؟ لقد فعلت أشياء كثيرة في حياتي، أصبحت أمًا وربيت طفلين محبين وكرماء، ألفتُ كتبًا عديدة، لكنني لم أستطع أن أعرف كيف أعيش بدون أبي؟!
بشكل عام، أنا مندهشة من نفسي لأنني لازلت على ما يرام رغم أنني فقدت من كان حياتي بأكملها.
ااه كم أُحبك يا أبي لا وجود لمثيلك بين الأباء في العالم.
قلتُ بصوت مُختنق بالبكاء:
أبي، لأنني لا أجد يدك، أُسلم عليكَ بقلبي، أُهدي إليكَ كتابي الأول.
جئت لأُريك هديتي، أنت أول من شجعني على الكتابة ومدحتني.
لطالما تمنيتُ أن أقول للعالم "هذا الرجل لولاه ما كنتُ شيئًا مذكورًا"، وأردفتُ بصوت مُرتعش:
"أبي، إنك لن تموت طالما إنني حية".
لقد مُت، منذ وفاة أبي ثلاث مرات تتزامن مع ذكرى رحيله. ذكرى رحيل أبي اليوم وستحين معها موتتي الرابعة التي أظنها الأخيرة، لذا أنا أكتب. لقد مات أبي فعلًا. لا توجد كلمة تُفسر موت أبي!
******
١ مارس ٢٠٢٣
ألقي الليل الظلام على كاهل الأرض، القيتُ بجسدي على الفراش في غرفة أبي ليس رغبة في النوم بل لأتخلص من أفكاري. سبحت عيناي في الكتب المرصوصة على رف مكتبته فأعترتني رعشة حافلة بالذكريات. تساقطت الدموع من عيني كأنها أمطار ليلية.
تذكرتُ آخر ما قاله أبي قبل موته:
"إبنتي ليل، أن أعيش في قلبك يعني إنني لم أمت". فجأة قررت أن أعيش. رفعت السكين بصعوبة بعد أن غرزته في يدي وساحت الكثير من الدماء فأصبحت يد غارقة بالدم. واليد الأخرى أخذت قلمًا وورقة وكتبتُ:
"أبي، إنني أُحدثك، أحتضنك، أجلس معك لتناول الفطور فتغضب لأنني لم آكل جيدًا، أنت أيضًا لم تأكل جيدًا. أغرف لك طبقًا كل يوم ولكنك لم تقربه، أُعد لك كوب الشاي ولم تشربه، أكوي ملابسك ولا ترتديها!
تقول صديقتي أن كرسيك فارغ ولكني أراك بوضوح."
فجأة سمعتُ صوت أبي مدو كالرعد يقول:
= اه ما أصعب يتمكن ياصغيرتي، هناك طريقة أكثر فعالية للهرب من صعوبات الحياة وهي التعامل مع الله يا ليل فهو يختلف كثيرًا عن التعامل مع البشر وقوانينهم. والمحبين لكِ أيضًا يمكنهم مساعدتك، استمدي قوتك منهم.
قفزت أفكاري إلى فمي وقلتُ: الحنان، الدعم، المشاركة، الدفء، السند، الاحتواء، الحب اللامشروط، الأمان والكثير من المشاعر من سيعطيني كل هذا؟! لا
لن يعوض مكانتك أحد أبدًا، لن يضمد كسر غيابك أحد يا أبي.
انتشر صوته قائلًا بحنو:
= حبيبة روحي ليل
لا تنقطع الصلة بيني وبينك أبدًا حتى وإن كنا في عالمين مختلفين، ارضي بقضاء الله يا صغيرتي ولا تنعزلي، لابد أن تنشغلي دائمًا واتصلي بالله حتى تنزل السكينة عليكِ.
لا تكتمي حزنك ولا تكتمي دموعك واشغلي وقتك.
الشعور بالمشاعر السلبية على نحو كامل هي الخطوة الأولى نحو الشفاء.
اقرئي كثيرًا في جميع الكتب وتابعي هدفك.
اكتبي مشاعرك السلبية واسردي كل ما تحبين لي.
تابعي دراستك بتفوق حتى أفخر بكِ.
لكي يصبح الهلال بدرًا يحتاج إلى وقت اصبري.
لا تنهاري يا إبنتي ستحفك رحمة الله استقبليها بيقين.
انوي يا حبيبتي من داخلك أنكِ تطلبين اللطف من الله.
يا مَنْ حُزِنْتُ عليه كمَنْ فَقَدَ العالمَ بأسره، وها أنا أبكي كَما لَوْ إنّي أبكي عمري بأكمله. كنتُ ألتهمُ ساعاتَ النومِ بجشع رغم ما أمرّ به في أحلامي لكنّها ستظلّ أهونُ من واقعي. كنتُ أبكي يتمي ووحدتي وجروحي المترنحة. عندما مات أبي صحتُ بكامل قوتي حتى ظننتُ إنّي قد انخلعتُ حنجرتي لكنّي لا أسمعُ صوتَك يا أبي.
لم أواجه موتَ أبي وحدي، فقد مكثّ معي أصدقائي لأطول فترة مُمكنة وأحاطوني برعايتهم وحبّهم. وعندما أتذكّرُ جنازةً أبي، أتساءلُ لماذا كانت مشاعري مُخدّرة في يوم دفنه ربّما لأنّني كنتُ قريبةً جدًا منه وهو يحتضر، لقد هيمنَ عليَّ الانكارُ أنّ أبي قد مات لا أستطيعُ أنْ أتحمّل فكرةَ أنْ أعيشَ في عالمٍ بدونِ أبي، أخذتُ هاتفي وتأمّلتُ صورةَ أبي التي كانت تستكينُ كخلفيةٍ للهاتف، تأمّلتُ ابتسامته الدافئة، وعينيه اللامعتين حُبًا، خُيّل لي أنّه يقول (أُحبّك كثيرًا) (أنا معك يا إبنتي).
حاولتُ أنْ أتغاضى عن الفكرة التي كانت تنخرُ رأسي فأسرعتُ إلى دولابي، أخرجتُ ملابسَ الصّلاة والسّجادة وقلتُ يارب يارب وكأنّ الله مسحَ على قلبي وهدأتُ.
مررتُ بعد وفاة أبي بثلاث مراحل متتالية:
١- الهواجس القوية التي لم أستطع كبحها
٢- الحزن العميق المحطم الذي يمكن اشعاله بسهولة إذا نظرت إلى صورة من صور أبي.
٣- الاكتئاب الشديد وعدم قدرتي على الحركة والاحساس بالخمول واليأس.
روادتني نوبات هلع شديدة، حاولت الانتحار ثلاث مرات كي أراه.
ولكني قررتُ أن أعيش عندما سمعت صوت أبي حولي قائلًا بقوة:
"إبنتي، أُريدك أن تتحلي بالرضا والصبر، لم أترك لكِ ميراثًا إلا ذكرى تلك السنوات وما علمتكِ فيها… ستتحملين وستنجحين وستعيشين لأني أؤمن أن لكِ شيئًا في هذه الحياة لم يتسن لي أن أفعل لكِ الكثير ولكنني فعلت ما بوسعي وأظن إنني علمتكِ شيئًا
سأظل معكِ إلى أخر رُمق ياصغيرتي ولن نفترق ابدًا يجب ألا تخافي من أي شيء، انا بداخلك. ..سنجتمع مُجددًا.. ستتجاوزي برحمة الله يكفي ألا تخافي……
لا تتجنبي ألم الحزن بل أستمري في التحرك من خلاله، تذكريني بحُب فقط ليس بحزن او أسف، لقد اختفي حضوري المادي فقط. كما أحببتيني وانا موجود عليكِ أن تُحبيني وانا غايب بأن تعيشي.
بعد مضي ثلاث سنوات من وفاة أبي، أمشي كل يوم لمدة ثلاثين دقيقة، في بعض الأحيان مع أصدقائي لكنني أمشي عادةً وحدي، وأمضي ساعات عدة يوميًا في الكتابة، أشعر بسعادة كبيرة عندما أكتب.
لقد تعلمتُ من الموت أنه ليس مُخيفًا،أنه حياة للحُب، أو أنه حياة لله في قلبي، إنما الحياة التي يحياها الإنسان دون حُب هي المُخيفة.
على الرغم من أنني بلغت الثلاثين، فلا تزال هناك أشياء كثيرة يجب أن أتعلمها عن الحياة، خصوصًا كيف أعيش بدون أبي؟ لقد فعلت أشياء كثيرة في حياتي، أصبحت أمًا وربيت طفلين محبين وكرماء، ألفتُ كتبًا عديدة، لكنني لم أستطع أن أعرف كيف أعيش بدون أبي؟!
بشكل عام، أنا مندهشة من نفسي لأنني لازلت على ما يرام رغم أنني فقدت من كان حياتي بأكملها.
ااه كم أُحبك يا أبي لا وجود لمثيلك بين الأباء في العالم.