- المشاهدات: 389
- الردود: 6
للاستماع للنسخة الصوتية.
من الأفلام والمسلسلات مرورا بالكتب والروايات ووصولا لألعاب الفيديو، كان الغرب الأمريكي دائما مصدر إلهام للكتاب والمنتجين على اختلاف توجهاتهم، واستطاعت الأعمال السينمائية التي وقعت أحداثها في الغرب المتوحش أن تأسر قلوب الملايين وأن تظل خالدة حتى اليوم بفضل الجو الدرامي العام وقصص اللصوص ورجال القانون. لكن واقع سكان الحدود كان مغايرا لحد كبير لما تم الترويج له، إذ انتشرت الأمراض والأوبئة ووجد الدجالون والمخادعون موطئ قدم لهم هناك، ولم يسلم أحد من اللصوص والمجرمين وقطاع الطرق دون ذكر مختلف الأخطار الأخرى. في هذا المقال سنحاول تسليط الضوء على شيء من الحياة اليومية لسكان الغرب الأمريكي.
الأمراض والأوبئة:
عندما نشر الدكتور جيم كورنبرج مقالا بعنوان "أسرع قاتل في الغرب القديم" بين صفحات مجلة "ترو ويست"، افترض عدد لا بأس به من الأشخاص أنه سيتحدث عن مجرم بارد الدم أو صائد جوائز صاحب يد سريعة على الزناد، لكن المفاجأة كانت أن أسرع قاتل في الغرب القديم كان مرض الكوليرا الذي كان يخطف الحياة خطفا فلا يفرق بين شيخ أو طفل، امرأة أو رجل. شاب أم عجوز. ومن القصص الغريبة في تلك الفترة ما حدث عام 1873 حين تعرض الغرب الأمريكي لجائحة كوليرا مميتة، وكان الأطباء رغم بساطة معارفهم يدرون أن الوباء كان ينتقل عن طريق سوائل الجسم، ومن هذا المنطلق قدم الدكتور جون.م. وودورث تقريرا من 144 صفحة للكونجرس الأمريكي يشرح فيه بتفصيل طريقة التخلص من الوباء وطالب بتطهير شامل للمناطق الموبوءة لاحتواء المرض ومنع انتشاره، لكن لسوء حظ سكان تلك المناطق كان الحصول على مطهر في تلك الفترة أمرا صعبا جدا نظرا لندرته وعدم توفره بكميات ضخمة ما أدى لارتفاع مهول في حصيلة الوفيات. ووفقا لهيئة المتنزهات الوطنية الأمريكية فقد عانى سكان الغرب الأمريكي أيضا من الحصبة والالتهاب الرئوي والإسقربوط والجدري.
العنف باستعمال السلاح:
ليس سرا أن الغرب المتوحش اشتهر بشكل كبير خاصة عبر الفن السابع بسبب مشاهد إطلاق النار الدرامية والمواجهات الثنائية (duels) بين البطل والشرير. ورغم أن هوليوود ربما بالغت قليلا في تصوير هذه الزاوية تحديدا إلا أن العنف بالسلاح وانتشار العصابات والقتلة والمغتصبين وقطاع الطرق واللصوص كانت مشاكل حقيقية عانى منها سكان الحدود بشكل كبير. وفقا لمركز أبحاث العدالة الجنائية بجامعة أوهايو فإن سكان مدينة دودج (Dodge city) كانوا عرضة للقتل بمعدل 1 في كل 61 شخصا بين عامي 1876 و1885، وجد مركز الأبحاث أيضا أن معدل الجرائم كان حوالي 165 لكل 100.000 شخص، ما يعني أن الموت بطريقة مروعة على يد عصابة أو مجموعة لصوص كان أمرا شائعا جدا. ولا ننسى أيضا أن هذه الأرقام مأخوذة من مدينة مأهولة فلا ندري حال سكان المزارع النائية والمسافرين وغيرهم.
"راعي البقر"، من تصوير جون سي إتش جرابيل
الوصول للغرب الأمريكي كان معجزة:
قبل التفكير في العيش بين براثن الغرب المتوحش كان على المسافر أولا أن يجد الطريق الأكثر أمانا للوصول والقول أسهل من الفعل إذ تشير الموسوعة البريطانية إلا أن ما بين 300.000 و400.000 شخص استخدموا طريق أوريغون* بين أربعينيات وستينيات القرن التاسع عشر للوصول للغرب الأمريكي، ومن بين هذه الأعداد الضخمة توفي 1 من كل 10 أشخاص قبل الوصول لأسباب شائعة كالحوادث والطلقات النارية وظروف الطقس القاسية، وأسباب أخرى أقل شيوعا مثل لدغات الأفاعي المجلجلة والتدافع لركوب القطار والموت تحت عجلات العربات أو أقدام الخيول والعجول وحتى الغرق بحكم أن تعلم السباحة لم يكن أولوية في تلك الفترة.
العلاج كان أكثر فتكا من المرض:
في كتابه "طب الحدود"، بحث المؤرخ ديفيد داري بعمق في الوضع الصعب الذي كان يعيشه الأطباء في الغرب المتوحش. واكتشف أن الأطباء كانوا يختلقون أشياء ويقدمون وصفات طبية تسبب أضرارًا أكبر من المرض أو الإصابة إذ انتشر في تلك الفترة العلاج العشوائي بسم الأفاعي والعقارب إضافة للعلاج بزيوت مجهولة المصدر كانت تستخرج غالبا من النباتات المتوحشة في الصحراء إضافة لظهور دجالين يدعون أنهم أطباء وعلماء لبيع عقاقير ومنتجات غير مجدية وأحيانا قد تكون مميتة. هذا الوضع السيئ ترك العديد من المرضى مع خيارات قليلة: علاج مشاكلهم، أو الاعتماد على الأطباء، أو الاستسلام. وإذا جاء الطبيب، فقد يزيد الأمر سوءًا. ونتيجة لهذا، لجأ العديد من الأشخاص إلى العلاج الذاتي لعلاج الأمراض المزمنة.
التصفية العرقية للهنود الحمر:
عند مناقشة الموت في الغرب المتوحش يجب ألا ننسى ذكر الأشخاص الأكثر تأثرا وهم الهنود الحمر وتحديدا قبائل الأباتشي التي كانت مستقرة في منطقة الغرب والجنوب الغربي والتي تملك تاريخا طويلا ومعقدا من الصراع مع المستوطنين الذين كانوا أكثر وحشية وعنفا والأرقام تؤكد ذلك فأمريكا الشمالية كانت موطنا لما يقدر بنحو 5 إلى 15 مليون نسمة من السكان الأصليين لكن ذلك العدد انخفض نهاية القرن 19 إلى 238000. لا ننكر أن الأمراض كان لها دور في خفض ذلك العدد لكن الإبادة الجماعية لعبت دورا أكبر كما أن الأمراض جاءت أساسا من المستوطنين الذين نقلوها من أوروبا. الجدير بالذكر أن المستوطنين كانوا يرون في قتل الهنود الحمر شرفا كبيرا يعادل شرف الحصول على وسام في وقتنا الحالي.
من أسباب الوفاة الأخرى عمليات التهجير القسري التي انتشرت في ثلاثينيات القرن التاسع عشر إذ قُتل العديد من الأمريكيين الأصليين خلال هذه العمليات والتي اشتهرت باسم "درب الدموع". اختارت حكومة الولايات المتحدة أرضًا أجبرت العديد من الناس على الانتقال إليها. ونتيجة لذلك، أُجبر الناس على السفر آلاف الأميال بعيدًا عن منازلهم. وبالطبع، فقد العديد منهم حياتهم على طول الطريق. في النهاية، كان الأمريكيون الأصليون الاستثنائيون فقط هم الذين نجوا من الغرب القديم ولم يكونوا القاعدة.
ختاما:
سكان الحدود ورغم التأخر إلا أنهم اكتشفوا أن الحياة في الصحراء القاحلة بنظام قديم وتقليدي يعتمد على الحظ أكثر من العلم ليست الخطوة المثالية فبدأت الهجرة نحو المدن والتوجه لنظام صناعي رأسمالي يسمح بالتطور. مدن الغرب الأمريكي اليوم وأسلوب حياتهم بشكل عام تبقى مجرد قصص بعد اندثارها بشكل شبه كامل مع بقاء بعض المناطق التي لازالت تعتمد على الرعي كأسلوب عيش.
هوامش:
*طريق أوريغون: هو مسار تاريخي استخدمه المستوطنون الأوائل للوصول للغرب الأمريكي. يمتد الطريق من ولاية ميسوري إلى ولاية أوريغون ويمر عبر عدة ولايات مثل كنساس ونبراسكا ووايومينغ.
المصادر:
يجب تسجيل الدخول لمشاهدة الروابط