- المشاهدات: 195
- الردود: 2
نفر من الناس يقفون وسط ساحة واسعة و قد تلاصقت أجسادهم، أبصارهم شاخصة لحلبة ليست صغيرة و لا كبيرة توسطتها حفرة بعمق ضئيل. من اليسار يتقدم رجل هزيل يمشي بخطوات متثاقلة صوب الحلبة و يناوله قبل دخوله بين زواياها فارس ضخم البنية سيفا حادا يبدو أثقل منه. يلج الرجل الحلبة و يدخل وسط الحفرة بهدوء ثم يجعل يده اليسري خلف ظهره كأنه سيصفد و ينساها على حالتها تلك. و من اليمين تتقدم إمرأة قالت الحشود أنها زوجته فيناولها الفارس قبل دخولها أكياسل ثقيلة ملأها صخورا قبل لحظات من وصولها، فتدخل الحلبة و ما هي إلا لحظات حتى يبدأ النزال، الرجل قابع وسط الحفرة يلوح بسيف يزن نصف وزنه و يده خلف ظهره و المرأة تتحرك بحرية حول الحلبة و في يدها كيس تحاول ضرب زوجها به، ترتفع الصرخات و تختلط الأصوات هنيهة لكن الأفواه تتلثم بالصمت و يسقط السيف من يد الرجل و قد خارت قواه و سال الدم من رأسه فتتثاقل أنفاسه و يغمى عليه لتعلن المرأة فائزة و ينتهى ذلك العرس الدموي، أو بالأحرى الطلاق الدموي.
رسمة توضح ضوابط النزال (المصدر: medium.com)
مبارزات الأزواج:
في المنطقة الجرمانية (ألمانيا حاليا) و في فترة العصور الوسطى لم تكن هذه المشاهد غريبة على المواطنين إذ أخذ الأزواج عبارة "حتى يفرقنا الموت" على محمل الجد فكانوا إذا قرروا الطلاق دخلوا الحلبة و تصارعوا حتى الموت كجزء من "الأحداث العلنية" التي كانت منتشرة في تلك الفترة في أوروبا مثلها مثل الإعدامات العلنية و مزادات بيع الزوجات و غيرها من الممارسات و كان الطلاق الدموي تحديدا شكلاً من أشكال المحاكمات القتالية و التي كانت جزءًا من القانون الجرماني الذي كان يتعامل مع الاتهامات التي لا يوجد فيها شهود أو اعتراف بهذه الطريقة. من فاز في المبارزة اعتبر أنه على حق. و قد كانت هذه الطريقة في الأساس قانونية.
تأتي قواعد الطلاق عن طريق القتال من كتاب هانز تالهوفر المعنون "Fechtbuch"، الذي كتبه عام 1467. ويعد الكتاب بمثابة دليل تعليمات لكيفية خوض المبارزات. يتناول الكتاب العديد من أنواع المبارزات المختلفة التي يتم خوضها بأسلحة مختلفة.
يصف الكتاب قواعد القتال بين الرجل و المرأة بحيث يتم وضع الرجل في حفرة بعمق 3 أقدام (متر واحد) بارتفاع الخصر، مع ربط إحدى يديه خلف ظهره بينما يُسمح للمرأة بالتحرك بحرية. يرتدي كلا الطرفين ملابس عملية، عبارة عن بدلة من قطعة واحدة ذات أرجل مبطنة في منطقة الركبة.
وكانت المرأة مسلحة بثلاثة صخور، كل منها ملفوف بقطعة قماش طويلة لتشكل ما يشبه الهراوة المتأرجحة. تم منح الرجل ثلاثة سيوف و أحيانا هراوات عادية. تتطابق مع طول قماش الصخور الممنوح للمرأة للتأكد من تساوي الطرفين في القتال.
ولم يُسمح للرجل بمغادرة الحفرة لتقييده بشكل أكبر، إذا لمس حافة الحفرة بيده أو ذراعه، كان عليه أن يسلم أحد سيوفه أو هراواته. وإذا هاجمته المرأة أثناء قيامه بتسليم هراوته، تخسر بدورها إحدى صخورها.
عند النظر للقواعد يمكننا أن نلاحظ أنها وضعت الرجل في وضعية غير جيدة لكن علينا أن نعرف أيضا أن المرأة لم تتلقى أي تدريب على القتال عكس معظم الرجال في تلك الفترة، كما أن السمات الموروفولوجية كانت في صالح الرجل بشكل واضح، لذا فإن العوائق كانت موضوعة لجعل القتال عادلا قدر الإمكان.
شروط الفوز رغم أن المبارزات الأخرى عموما كانت غالبا تنتهي بالموت لم تكن واضحة. يعتقد بعض المؤرخين أنه من غير المرجح أن تكون المعارك قد انتهت بالموت. وبدلاً من ذلك، ربما كان الأمر متروكًا للقضاة ليقرروا متى يصبح أحد المقاتلين عاجزًا. وبما أن كلا الطرفين كانا يضربان بعضهما البعض بأشياء حادة كبيرة، فمن المرجح أن العديد من المحاكمات انتهت بفقد أحد الطرفين وعيه.
كما أشار المؤرخون من رسومات تالهوفر إلى وجود طرق بديلة للفوز، مثل أن تتمكن المرأة من جر الرجل من جحره، أو إذا تمكن من جر المرأة إلى الداخل. كما أن هناك احتمال أن العديد من هذه المبارزات في نهاية المطاف ينحدر إلى مباريات المصارعة، حيث يمكن الفوز بالمبارزات من خلال التمكن من تثبيت الطرف الآخر لكن هذا لاينفي بأي شكل احتمالية إنتهاء بعض المبارزات بالموت أو أسوأ، إذ تذكر بعض المصادر أن الرجل إذا خسر كان يأخذ للساحة العامة و يعدم أمام الملأ، أما في حالة خسرت المرأة فإنها تدفن حية!.
عموما، كانت المحاكمات القتالية في العصور الوسطى تُستخدم في الغالب للأغراض القضائية الجنائية، وليس المدنية. وكانت المحاكمة القتالية مخصصة عادة للقضايا الجنائية التي لا توجد فيها أدلة كافية، ولكن إذا ثبتت الإدانة، فإن الحكم سيكون الإعدام.
تم اقتراح هذا الشكل من المحاكمة عن طريق القتال بين المرأة والرجل في الحالات التي تتهم فيها امرأة رجلاً بالاغتصاب، ولكن ليس لديها أدلة أو شهود، فمن الممكن أن يتم استخدام المحاكمة القتالية لتقرير الذنب.
اعتقد المسيحيون في تلك الفترة أن المنتصر في المحاكمة عن طريق القتال قد تم تعيينه من قبل الله، الذي كان من الواضح أنه يفضل الأبرياء. إذا خسر الرجل أمام امرأة، فلا بد أنه مذنب ويستحق الموت. إذا خسرت المرأة فهي كاذبة وتستحق الموت.
كانت المبارزة بين الرجال والنساء في المحاكمة بالقتال نادرة أيضًا لأن المدعية كانت حرة في اختيار بطلة للقتال بدلاً منها. و يذكر المؤرخون بأن محاكمة الطلاق عن طريق القتال (غير محددة بضوابط قانونية) ربما كانت أكثر شيوعًا من المحاكمة القضائية عن طريق القتال بين رجل وامرأة (محددة بضوابط قانونية) حيث أن المرأة المتزوجة كانت أقل احتمالاً أن يكون لديها شخص مستعد للقتال نيابة عنها.
ختاما:
القوانين الغريبة التي كانت تسن تلك الفترة تعطينا فكرة عن طريقة العيش في أوروبا في العصور الوسطى والأفكار المختلفة التي كانت منتشرة تلك الفترة بسبب طغيان النظام الحاكم و تعنته التام الذي استمر عقودا طويلة.
المصادر:
رسمة توضح ضوابط النزال (المصدر: medium.com)
في المنطقة الجرمانية (ألمانيا حاليا) و في فترة العصور الوسطى لم تكن هذه المشاهد غريبة على المواطنين إذ أخذ الأزواج عبارة "حتى يفرقنا الموت" على محمل الجد فكانوا إذا قرروا الطلاق دخلوا الحلبة و تصارعوا حتى الموت كجزء من "الأحداث العلنية" التي كانت منتشرة في تلك الفترة في أوروبا مثلها مثل الإعدامات العلنية و مزادات بيع الزوجات و غيرها من الممارسات و كان الطلاق الدموي تحديدا شكلاً من أشكال المحاكمات القتالية و التي كانت جزءًا من القانون الجرماني الذي كان يتعامل مع الاتهامات التي لا يوجد فيها شهود أو اعتراف بهذه الطريقة. من فاز في المبارزة اعتبر أنه على حق. و قد كانت هذه الطريقة في الأساس قانونية.
تأتي قواعد الطلاق عن طريق القتال من كتاب هانز تالهوفر المعنون "Fechtbuch"، الذي كتبه عام 1467. ويعد الكتاب بمثابة دليل تعليمات لكيفية خوض المبارزات. يتناول الكتاب العديد من أنواع المبارزات المختلفة التي يتم خوضها بأسلحة مختلفة.
يصف الكتاب قواعد القتال بين الرجل و المرأة بحيث يتم وضع الرجل في حفرة بعمق 3 أقدام (متر واحد) بارتفاع الخصر، مع ربط إحدى يديه خلف ظهره بينما يُسمح للمرأة بالتحرك بحرية. يرتدي كلا الطرفين ملابس عملية، عبارة عن بدلة من قطعة واحدة ذات أرجل مبطنة في منطقة الركبة.
وكانت المرأة مسلحة بثلاثة صخور، كل منها ملفوف بقطعة قماش طويلة لتشكل ما يشبه الهراوة المتأرجحة. تم منح الرجل ثلاثة سيوف و أحيانا هراوات عادية. تتطابق مع طول قماش الصخور الممنوح للمرأة للتأكد من تساوي الطرفين في القتال.
ولم يُسمح للرجل بمغادرة الحفرة لتقييده بشكل أكبر، إذا لمس حافة الحفرة بيده أو ذراعه، كان عليه أن يسلم أحد سيوفه أو هراواته. وإذا هاجمته المرأة أثناء قيامه بتسليم هراوته، تخسر بدورها إحدى صخورها.
عند النظر للقواعد يمكننا أن نلاحظ أنها وضعت الرجل في وضعية غير جيدة لكن علينا أن نعرف أيضا أن المرأة لم تتلقى أي تدريب على القتال عكس معظم الرجال في تلك الفترة، كما أن السمات الموروفولوجية كانت في صالح الرجل بشكل واضح، لذا فإن العوائق كانت موضوعة لجعل القتال عادلا قدر الإمكان.
شروط الفوز رغم أن المبارزات الأخرى عموما كانت غالبا تنتهي بالموت لم تكن واضحة. يعتقد بعض المؤرخين أنه من غير المرجح أن تكون المعارك قد انتهت بالموت. وبدلاً من ذلك، ربما كان الأمر متروكًا للقضاة ليقرروا متى يصبح أحد المقاتلين عاجزًا. وبما أن كلا الطرفين كانا يضربان بعضهما البعض بأشياء حادة كبيرة، فمن المرجح أن العديد من المحاكمات انتهت بفقد أحد الطرفين وعيه.
كما أشار المؤرخون من رسومات تالهوفر إلى وجود طرق بديلة للفوز، مثل أن تتمكن المرأة من جر الرجل من جحره، أو إذا تمكن من جر المرأة إلى الداخل. كما أن هناك احتمال أن العديد من هذه المبارزات في نهاية المطاف ينحدر إلى مباريات المصارعة، حيث يمكن الفوز بالمبارزات من خلال التمكن من تثبيت الطرف الآخر لكن هذا لاينفي بأي شكل احتمالية إنتهاء بعض المبارزات بالموت أو أسوأ، إذ تذكر بعض المصادر أن الرجل إذا خسر كان يأخذ للساحة العامة و يعدم أمام الملأ، أما في حالة خسرت المرأة فإنها تدفن حية!.
عموما، كانت المحاكمات القتالية في العصور الوسطى تُستخدم في الغالب للأغراض القضائية الجنائية، وليس المدنية. وكانت المحاكمة القتالية مخصصة عادة للقضايا الجنائية التي لا توجد فيها أدلة كافية، ولكن إذا ثبتت الإدانة، فإن الحكم سيكون الإعدام.
تم اقتراح هذا الشكل من المحاكمة عن طريق القتال بين المرأة والرجل في الحالات التي تتهم فيها امرأة رجلاً بالاغتصاب، ولكن ليس لديها أدلة أو شهود، فمن الممكن أن يتم استخدام المحاكمة القتالية لتقرير الذنب.
اعتقد المسيحيون في تلك الفترة أن المنتصر في المحاكمة عن طريق القتال قد تم تعيينه من قبل الله، الذي كان من الواضح أنه يفضل الأبرياء. إذا خسر الرجل أمام امرأة، فلا بد أنه مذنب ويستحق الموت. إذا خسرت المرأة فهي كاذبة وتستحق الموت.
كانت المبارزة بين الرجال والنساء في المحاكمة بالقتال نادرة أيضًا لأن المدعية كانت حرة في اختيار بطلة للقتال بدلاً منها. و يذكر المؤرخون بأن محاكمة الطلاق عن طريق القتال (غير محددة بضوابط قانونية) ربما كانت أكثر شيوعًا من المحاكمة القضائية عن طريق القتال بين رجل وامرأة (محددة بضوابط قانونية) حيث أن المرأة المتزوجة كانت أقل احتمالاً أن يكون لديها شخص مستعد للقتال نيابة عنها.
ختاما:
القوانين الغريبة التي كانت تسن تلك الفترة تعطينا فكرة عن طريقة العيش في أوروبا في العصور الوسطى والأفكار المختلفة التي كانت منتشرة تلك الفترة بسبب طغيان النظام الحاكم و تعنته التام الذي استمر عقودا طويلة.
المصادر:
يجب تسجيل الدخول لمشاهدة الوسائط
.