- المشاهدات: 482
- الردود: 2
شهد شهر سبتمبر عام 2016 ولادة أحد أكثر تطبيقات الوسائط الاجتماعية تأثيرًا. TikTok وسط شك طفيف بين الجمهور العام حول دخول تطبيق صيني إلى مجال تهيمن عليه الولايات المتحدة، قدم التطبيق فكرة مقاطع الفيديو القصيرة و التي كانت ثورية في ذلك الوقت ثم قرنها بشكل مباشر مع تحديات المرح والرقص الخاصة بالمراهقين، كانت خلطة غير مألوفة لكنها أثبتت نجاحها بشكل ساحق إذ أصبح TikTok واحدا من أكثر التطبيقات تنزيلًا واستخدامًا بحلول عام 2018 مع 3 مليارات عملية تنزيل ومليار مستخدم نشط كل شهر، هذه الأرقام على الرغم من كونها مفيدة للشركة إلا أن تأثيرها كان عكسيا على المجتمع، إذ رسمت بداية حقبة "مظلمة" جديدة، حقبة "البحث عن القبول".
على عكس الاعتقاد الشائع اليوم، كان البحث عن القبول الإجتماعي دائمًا حاجة أساسية للإنسان، و لكن على نطاق واسع بين المشاهير و أصحاب النفوذ كان هذا السعي دائمًا مرتبطًا بالفائدة أو نشر الفن و العلم، أو السعي إلى السلطة، فالممثلون أو الكتاب، أو الساسة لم يسعوا للحصول على القبول من أجل القبول في حد ذاته، و لكنهم سعوا لذلك من أجل المنفعة الجيدة التي تأتي منه. ناشد الكتاب الجمهور في حفلات التوقيع كمحاولة لكسب المزيد من القراء وبالتالي إيصال فكرة ما لأكبر عدد ممكن و قام الممثلون بالشيء نفسه في الإحتفالات أو على السجادة الحمراء، نفس الشيئ بالنسبة للسياسيين في نقاشاتهم، الرسامون ، الشعراء ... والقائمة تطول ، كلهم سعوا للموافقة أو القبول من أجل منفعة تخدم الناس و حتى إن لم تكن فيها خدمة لمصالح البشر فإنها لن تحدث ضررا عظيما على المجتمع، وعلى مدى سنين عديدة تعامل العموم من الناس مع هذه الفكرة و تصالحوا معها حتى ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ولكي نكون أكثر تحديدًا ، وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ممثلة في TikTok و Instagram reels و YouTube shorts وغير ذلك، مما أدى إلى تغيير المفهوم الكلي لفكرة القبول الإجتماعي و كذا تغيير مفهوم وسائل التواصل "الاجتماعية" التي بدأت مع Facebook في عام 2004 كوسيلة لمقابلة أشخاص جدد، والتحضير للقاءات و الإجتماعات والتواصل الاجتماعي بشكل عام.
محتوى وسائل التواصل عامة و TikTok خاصة يزداد غرابة يوما بعد يوم.
اليوم، أعطت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة شهرة للجميع و أضحى كل مستخدم يملك عددا ضخما من المتابعين بدوره مشهورا و صاحب نفوذ ما يعني بالضرورة أنه إعتلى منصة الحكم و أصبح يملك صوتا مسموعا، فالمصارعون الذين كانوا يوما ما يتقاتلون في ساحات روما هم يتقاتلون اليوم خلف شاشاتهم للحصول على المزيد من المشاهدات، و المزيد من الإعجابات ما يعني بالضرورة المزيد من الموافقة الإجتماعية، من خلال هذا القتال الذي لا يرحم سيظهر على السطح بطريقة لا مفر منها محتوى جديد يزداد سخفا كل مرة و يستهلكه الناس دون توقف طمعا في المواكبة بحكم أن المحتوى في مجتمع متسارع يتلف بسرعة و يصبح تقليديا و عتيقا في رمشة عين، وهنا نجد أنفسنا نحن كمستهلكين نقف في منتصف صراع بين صناع هذا المحتوى، صراع لا هدف خلفه سوى البحث عن القبول الإجتماعي فقط من أجل القبول دون فائدة واضحة، إذ نرى اليوم مقاطع الفيديو على tiktok يرقص فيها الناس رقصات غريبة و جنسية في أغلب الأحيان، يقطعون الطرق و يعطلون مصالح الناس، يحرجون الرياضيين في قاعات الرياضة، يأكلون آيس كريم خياليا ويختارون أزهارًا خيالية بطريقة تجعلهم أشبه بالروبوتات بحثا عن التقبل الإجتماعي و الإنتباه دون أن يخدموا أي غرض أو يعودوا بالنفع على المجتمع، وعلى الجانب الآخر فإن هذه السلوكيات تغذي غرور هؤلاء "المؤثرين" أو "صانعي المحتوى" مما يدفعهم للإعتقاد بأنهم يقدمون خدمة للمجتمع، و هذا الإعتقاد رغم زيفه سيؤدي لا محالة بهذا الأخير للتفكير بأن له "صوت منطق" يتواصل به مع الجمهور، ومثال رائع على ذلك هو فيديو فيروسي إنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام قليلة تعطي فيه نجمة إباحية لن نذكر إسمها تجنبا للإشهار غير المباشر "نصائح زواج" للفتيات المراهقات و تصرح أن الزواج ليس عقدا مقدسا إنما عقد تافه ورقي يمكن أن تتملص منه في أي وقت و دون ندم في مشهد سخيف جدًا ولكن خطير جدًا أيضا لأن أفعالًا كهذه ستفتح المزيد من الأبواب أمام الناس للتحدث عن كل شيء، مما يؤدي في النهاية إلى فوضى تامة، خاصةً بين المراهقين الذين يستخدمون تطبيقات التواصل الاجتماعي أكثر من غيرهم.
قد يبدو البحث عن الموافقة الإجتماعية و الإنتباه فكرة بريئة إذا نظرنا للأمر من منظور صانع المحتوى الذي يريد فقط "الإستمتاع بوقته" لكنها في الواقع صيغة رائعة لتدمير أي مجتمع، والغرب اليوم يخاف من منصة TikTok أكثر من خوفه من هجوم نووي ولسبب وجيه فإذا قمت بتدمير الجيل الناشئ الذي هو أساس أي حضارة فقد أنهيت تلك الحضارة بشكل أساسي بضربة واحدة، و نحن هنا في مثالنا هذا نتحدث عن البلدان التي بنت بالفعل أساسًا وأنشأت حضارة متقدمة، لذا تخيل ما يمكن أن يفعله هجوم من هذا القبيل لدولة عالم ثالث لازالت في طور البناء في جميع المجالات و خاصة المجال الثقافي و الفكري.
المجتمع الغربي رغم الحرية المطلقة فيه إلا أنه يخشى منصة TikTok. صورة لجلسة إستماع بين الكونغرس الأمريكي و مؤسس التطبيق.
إن الحديث عن العلاج يعني بالضرورة الحديث عن المرض، و مرض البحث عن الموافقة لا يمكن أن ينتهي إلا إذا تجاهلناه تمامًا، فالناس هم الذين يغذون غرور هؤلاء "الصيادين" ولا يمكن للأشخاص إلا التوقف عن تأجيج هذا الهوس. يجب علينا اليوم أن نلقي نظرة فاحصة على أنفسنا وأن ندرك أننا لم نعد جمهورًا بعد الآن، فنحن الآن مستهلكون يساعدون في جعل هذا "الصيد" ينمو كل يوم من خلال دعمه عن قصد أو عن غير قصد، يجب على كل مستهلك أن يجد الثقة في نفسه للإرتقاء فوق السخافة و العمل على نفسه بدلاً من مشاهدة أشخاص آخرين يفعلون ذلك، يجب أن يصل كل شخص إلى مستوى النجاح الذي كان يحلم به دائمًا بدلاً من مساعدة الأشخاص الذين لا يستحقون ذلك على الوصول للنجاح بدلا منه، الأمر متروك لنا ولنا فقط لإنهاء هذه المجزرة التي تفتك بهذا الجيل وخلق بيئة يتم فيها الإعتزاز بالعقول والأفكار لا بالأجساد والترفيه الزائف.
إنتهى.
على عكس الاعتقاد الشائع اليوم، كان البحث عن القبول الإجتماعي دائمًا حاجة أساسية للإنسان، و لكن على نطاق واسع بين المشاهير و أصحاب النفوذ كان هذا السعي دائمًا مرتبطًا بالفائدة أو نشر الفن و العلم، أو السعي إلى السلطة، فالممثلون أو الكتاب، أو الساسة لم يسعوا للحصول على القبول من أجل القبول في حد ذاته، و لكنهم سعوا لذلك من أجل المنفعة الجيدة التي تأتي منه. ناشد الكتاب الجمهور في حفلات التوقيع كمحاولة لكسب المزيد من القراء وبالتالي إيصال فكرة ما لأكبر عدد ممكن و قام الممثلون بالشيء نفسه في الإحتفالات أو على السجادة الحمراء، نفس الشيئ بالنسبة للسياسيين في نقاشاتهم، الرسامون ، الشعراء ... والقائمة تطول ، كلهم سعوا للموافقة أو القبول من أجل منفعة تخدم الناس و حتى إن لم تكن فيها خدمة لمصالح البشر فإنها لن تحدث ضررا عظيما على المجتمع، وعلى مدى سنين عديدة تعامل العموم من الناس مع هذه الفكرة و تصالحوا معها حتى ظهور وسائل التواصل الاجتماعي ولكي نكون أكثر تحديدًا ، وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ممثلة في TikTok و Instagram reels و YouTube shorts وغير ذلك، مما أدى إلى تغيير المفهوم الكلي لفكرة القبول الإجتماعي و كذا تغيير مفهوم وسائل التواصل "الاجتماعية" التي بدأت مع Facebook في عام 2004 كوسيلة لمقابلة أشخاص جدد، والتحضير للقاءات و الإجتماعات والتواصل الاجتماعي بشكل عام.
محتوى وسائل التواصل عامة و TikTok خاصة يزداد غرابة يوما بعد يوم.
اليوم، أعطت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة شهرة للجميع و أضحى كل مستخدم يملك عددا ضخما من المتابعين بدوره مشهورا و صاحب نفوذ ما يعني بالضرورة أنه إعتلى منصة الحكم و أصبح يملك صوتا مسموعا، فالمصارعون الذين كانوا يوما ما يتقاتلون في ساحات روما هم يتقاتلون اليوم خلف شاشاتهم للحصول على المزيد من المشاهدات، و المزيد من الإعجابات ما يعني بالضرورة المزيد من الموافقة الإجتماعية، من خلال هذا القتال الذي لا يرحم سيظهر على السطح بطريقة لا مفر منها محتوى جديد يزداد سخفا كل مرة و يستهلكه الناس دون توقف طمعا في المواكبة بحكم أن المحتوى في مجتمع متسارع يتلف بسرعة و يصبح تقليديا و عتيقا في رمشة عين، وهنا نجد أنفسنا نحن كمستهلكين نقف في منتصف صراع بين صناع هذا المحتوى، صراع لا هدف خلفه سوى البحث عن القبول الإجتماعي فقط من أجل القبول دون فائدة واضحة، إذ نرى اليوم مقاطع الفيديو على tiktok يرقص فيها الناس رقصات غريبة و جنسية في أغلب الأحيان، يقطعون الطرق و يعطلون مصالح الناس، يحرجون الرياضيين في قاعات الرياضة، يأكلون آيس كريم خياليا ويختارون أزهارًا خيالية بطريقة تجعلهم أشبه بالروبوتات بحثا عن التقبل الإجتماعي و الإنتباه دون أن يخدموا أي غرض أو يعودوا بالنفع على المجتمع، وعلى الجانب الآخر فإن هذه السلوكيات تغذي غرور هؤلاء "المؤثرين" أو "صانعي المحتوى" مما يدفعهم للإعتقاد بأنهم يقدمون خدمة للمجتمع، و هذا الإعتقاد رغم زيفه سيؤدي لا محالة بهذا الأخير للتفكير بأن له "صوت منطق" يتواصل به مع الجمهور، ومثال رائع على ذلك هو فيديو فيروسي إنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام قليلة تعطي فيه نجمة إباحية لن نذكر إسمها تجنبا للإشهار غير المباشر "نصائح زواج" للفتيات المراهقات و تصرح أن الزواج ليس عقدا مقدسا إنما عقد تافه ورقي يمكن أن تتملص منه في أي وقت و دون ندم في مشهد سخيف جدًا ولكن خطير جدًا أيضا لأن أفعالًا كهذه ستفتح المزيد من الأبواب أمام الناس للتحدث عن كل شيء، مما يؤدي في النهاية إلى فوضى تامة، خاصةً بين المراهقين الذين يستخدمون تطبيقات التواصل الاجتماعي أكثر من غيرهم.
قد يبدو البحث عن الموافقة الإجتماعية و الإنتباه فكرة بريئة إذا نظرنا للأمر من منظور صانع المحتوى الذي يريد فقط "الإستمتاع بوقته" لكنها في الواقع صيغة رائعة لتدمير أي مجتمع، والغرب اليوم يخاف من منصة TikTok أكثر من خوفه من هجوم نووي ولسبب وجيه فإذا قمت بتدمير الجيل الناشئ الذي هو أساس أي حضارة فقد أنهيت تلك الحضارة بشكل أساسي بضربة واحدة، و نحن هنا في مثالنا هذا نتحدث عن البلدان التي بنت بالفعل أساسًا وأنشأت حضارة متقدمة، لذا تخيل ما يمكن أن يفعله هجوم من هذا القبيل لدولة عالم ثالث لازالت في طور البناء في جميع المجالات و خاصة المجال الثقافي و الفكري.
المجتمع الغربي رغم الحرية المطلقة فيه إلا أنه يخشى منصة TikTok. صورة لجلسة إستماع بين الكونغرس الأمريكي و مؤسس التطبيق.
إن الحديث عن العلاج يعني بالضرورة الحديث عن المرض، و مرض البحث عن الموافقة لا يمكن أن ينتهي إلا إذا تجاهلناه تمامًا، فالناس هم الذين يغذون غرور هؤلاء "الصيادين" ولا يمكن للأشخاص إلا التوقف عن تأجيج هذا الهوس. يجب علينا اليوم أن نلقي نظرة فاحصة على أنفسنا وأن ندرك أننا لم نعد جمهورًا بعد الآن، فنحن الآن مستهلكون يساعدون في جعل هذا "الصيد" ينمو كل يوم من خلال دعمه عن قصد أو عن غير قصد، يجب على كل مستهلك أن يجد الثقة في نفسه للإرتقاء فوق السخافة و العمل على نفسه بدلاً من مشاهدة أشخاص آخرين يفعلون ذلك، يجب أن يصل كل شخص إلى مستوى النجاح الذي كان يحلم به دائمًا بدلاً من مساعدة الأشخاص الذين لا يستحقون ذلك على الوصول للنجاح بدلا منه، الأمر متروك لنا ولنا فقط لإنهاء هذه المجزرة التي تفتك بهذا الجيل وخلق بيئة يتم فيها الإعتزاز بالعقول والأفكار لا بالأجساد والترفيه الزائف.
إنتهى.