- المشاهدات: 515
- الردود: 6
هذه القصة يرويها يوراياه ستيفهاجن/ المارينز الأمريكي/ أفغانستان.
العام كان 2011، كنت قد فقدت طريقي في الحياة بعد تخرجي من الثانوية فقررت الإنضمام للمارينز و أنا في سن العشرين، أقنعت نفسي بطريقة ما أن الجيش أفضل من الشارع و وجدت نفسي دون أن أشعر في أحد المدارس العسكرية. بعد التدريب تم تحويلي مباشرة رفقة الدفعة للخدمة في أفغانستان. كان أمرا متوقعا بالنسبة لي خاصة و أن الصراع في تلك الفترة كان محتدما، كنت أنتظر أن يتم رميي في أحد ساحات المعركة وسط الصحراء أين سأموت على الأرجح و أدفن هناك في قبر مجهول أو أترك جثة هامدة لتأكلني الضباع لكن الحظ لعب أوراقه ببراعة و وجدت نفسي في ثكنة عسكرية في محافظة هلماند أعمل كحارس ليلي إن صح القول، كنت متمركزا في نقطة المراقبة دلتا و في الجانب الآخر أمكنني أن أرى نقطة المراقبة الثانية المسماة هوتل، و التي كانت ملتصقة بثكنة تابعة للجيش الأفغاني. قرب باب الثكنة إنتصب ما نطلق عليه جدار "هيسكو" و هو عبارة عن براميل حديدية ضخمة يتم ملئها من الداخل بكل أنواع الخردة لتشكل سدا منيعا ضد الرصاص و المدافع.
تم تحويلي لنقطة المراقبة هوتل بعد تغيير دوري من قبل القيادة و لاحظت في ليلتي الأولى شقا ضخما في أحد البراميل الحديدية الخاصة بجدار هيسكو فسألت زميلي الذي أخبرني أن شاحنة تابعة للجيش الأفغاني قد إصطدمت بالجدار مخلفة قتيلين، و لم يتوقف الزميل عند ذلك الحد، بل إسترسل في الحديث عن سماعه لصوت خطوات أقدام تصعد السلالم الحديدية لنقطة المراقبة، و ظلال سوداء تتحرك في الأفق لكنني لم أعر الأمر إهتماما كبيرا و آثرت إبقاء تركيزي على مهمتي المتمثلة في المراقبة. كانت الأمور في تلك الليلة تسير بشكل عادي و قررت بعد الحديث قليلا مع الزملاء عبر الراديو أن أمسح المنطقة بإستعمال الضوء الذي كان ملتصقا بسلاحي، مسحت أولا المنطقة خارج الثكنة و إستدرت يسارا لأمسح منطقة جدار هيسكو أسفلي و هناك لمحت ظلين أسودين قاتمين يقفان دون حراك، إفترضت للوهلة الأولى أن الظل يعود لجنود الجيش الأفغاني خاصة و أن مدخل ثكنتهم كان قرب الجدار مباشرة لكن الظل و بعد تدقيق مني لم يكن ثنائي الأبعاد، بل كان ثلاثي الأبعاد، و كأنني أرى شخصين واقفين لا ظلين، الوقت كان متأخرا أيضا و جنود الجيش الأفغاني لم يكونو ليقفوا مباشرة عند البوابة في ذلك الوقت بالتحديد خوفا على سلامتهم، على عجل إستدعيت زميلي و دون أن أقول كلمة أشرت بإصبعي صوب الظلين. معتقدا أنه تهديد فوري أشهر زميلي ضوء بندقيته صوب الظل مباشرة لكنه لم يختفي كما يجدر بظل عادي أن يفعل، و تحول إحساسنا بالخوف مباشرة لإحساس بالإرتباك خاصة بعد تحرك الظلين على طول الجدار بطريقة سلسة و إندماجهما معا ليشكلا ظلا واحدا ضخما، أخلى زميلي المنطقة كإجراء إحترازي و نزل لتفقد منطقة جدار هيسكو لكن المكان كان خاليا تماما، تسلق السلالم ليعود لنقطة المراقبة بجانبي و ما هي إلا دقائق حتى عاد الظلان للظهور مجددا بل و إندمجا بنفس الطريقة المريبة التي شهدناها في المرة الأولى، أفكار غريبة مرت على أدمغتنا لوهلة لكننا مسحنا عينينا و إفترضنا أننا نهلوس بسبب التعب، أقنعنا بعضنا بهذه الفكرة بعد حديث دام بضع دقائق لكن ذلك الشعور الدائم بالريبة لم يغادر أجسادنا، لنشعر بالتحسن قمنا بالتواصل مع زملائنا عبر الراديو على أمل إعطائنا رأيا مختلفا لكننا تفاجئنا بأحد الزملاء و الذي كان متدينا لحد ما يسأل بصوت قلق:
- هل قلت أن الأمر حدث قبل حوالي 15 دقيقة.
- نعم، أجبت.
- تفقد ساعتك. قال بنبرة حازمة.
بسرعة أخذت نظرة على ساعتي فوجدت أنها تشير لتمام الثالثة و خمسة عشر دقيقة صباحا، بشعور من الخوف و الحماس قلت لنفسي أنني شهدت شبحا على الساعة الثالثة و هذا ما رددته في اليوم الموالي لزميلي "ويليامز" الذي رفض تصديقي، قائلا أنها مجرد هلوسات فلم يكن لدي حل غير أن أضعه معي في نقطة المراقبة دلتا في الليلة الموالية حتى يرى بأم عينه.
بدأت مناوبتي مع ويليامز بطريقة عادية، كانت ليلة هادئة حتى تمام الساعة الثالثة صباحا أين برز الظلان مجددا، ويليامز رفض تصديق الأمر رغم أنه رآه يحدث أمامه و قال لي أنه يوجد تفسير طبيعي حتما، مضيفا أنه سيأخذ غفوة قصيرة، بينما إستلقى ويليامز على أرضية مركز المراقبة الباردة وقفت أنا خلف الرشاش أنظر للصحراء المعتمة و ما إن ثقل جفني زميلي حتى سمعنا صوت طرق قوي على الحديد و كأن أحدا ما قد ضرب جدار هيكسو أسفلنا بمطرقة ضخمة، أمسك ويليامز بندقيته و نزل بسرعة ظنا منه أن أحدا ما قد إخترق الثكنة لكنه عاد بعد دقائق خالي الوفاض، أخبرنا أنفسنا أن الأمر طبيعي بحكم أنها ثكنة حية، قد يكون عملا في الورشة أو برغيا سقط من مكان عال، ويليامز عاد ليأخذ غفوته مرة أخرى لكن الصوت تكرر بنفس الحدة و من نفس المكان، شخص ما يضرب على الجدار بمطرقة ضخمة، نظرنا لبعضنا بحيرة و أبلغنا عن الأمر في الراديو للقيادة. خوفا من كون الثكنة قد تعرضت لإختراق، طلبنا من قائد الكتيبة أن يحضر لنا بطاريات إضافية للراديو لنبقيها للحالات المستعجلة.
بينما وقفت أنا خلف الرشاش كان ويليامز ينتظر قائد الكتيبة أعلى السلالم، بعد دقائق وصل القائد و صعد مركز المراقبة فسأله ويليامز بعفوية:
- هل أحضرت الرقيب معك؟.
رد قائد الكتيبة:
- لا، جئت وحدي.
ويليامز و الذي كان رجلا ضخما صلبا أسود البشرة تحول فجأة للأبيض و تراجع بهدوء قبل أن يسقط على الأرض، سألته إن كان بخير فأجاب بعيون جاحظة:
- لقد رأيت شخصا ما يصعد خلف قائد الكتيبة.
و في تلك اللحظة صدق ويليامز مزاعمنا، و آمن فعلا أن هناك كائنات تتحرك في الظلام، جن، أشباح، شياطين، لا يهم، كل ما يهم أنها موجودة و أنها كانت تهدد حياتنا.
إن هذه القصة تأخذ النصيب الأكبر من الكعكة، لكن هذا لا يعني بتاتا أنها الحالة الوحيدة التي نصطدم فيها مع التجارب الماورائية، كنا دائما نسمع صوت قرع في الحمامات، و نرى بأم أعيننا الرشاشات تتحرك لوحدها، قيل لنا أن جنود الإتحاد السوفياتي في فترة غزوهم للبلد قد إتركبوا عدة مجازر في المنطقة، لذا فإن رؤيتنا لهذه الأحداث الغريبة كان أمرا أكثر من طبيعي في حالتنا.
إستقلت من الجيش بعد مدة خدمة طويلة و أنا أعمل الآن كضابط شرطة، قصصي عن الحرب لم تكن حول قتالنا مع قوات طالبان بل كانت حول قتالي الشخصي مع صحتي العقلية، فأنا لحد اليوم لا أعرف هل ما شهدناه كان حقيقة أم مجرد أوهام سببها سراب الليل و التعب المفرط.
إنتهت.
العام كان 2011، كنت قد فقدت طريقي في الحياة بعد تخرجي من الثانوية فقررت الإنضمام للمارينز و أنا في سن العشرين، أقنعت نفسي بطريقة ما أن الجيش أفضل من الشارع و وجدت نفسي دون أن أشعر في أحد المدارس العسكرية. بعد التدريب تم تحويلي مباشرة رفقة الدفعة للخدمة في أفغانستان. كان أمرا متوقعا بالنسبة لي خاصة و أن الصراع في تلك الفترة كان محتدما، كنت أنتظر أن يتم رميي في أحد ساحات المعركة وسط الصحراء أين سأموت على الأرجح و أدفن هناك في قبر مجهول أو أترك جثة هامدة لتأكلني الضباع لكن الحظ لعب أوراقه ببراعة و وجدت نفسي في ثكنة عسكرية في محافظة هلماند أعمل كحارس ليلي إن صح القول، كنت متمركزا في نقطة المراقبة دلتا و في الجانب الآخر أمكنني أن أرى نقطة المراقبة الثانية المسماة هوتل، و التي كانت ملتصقة بثكنة تابعة للجيش الأفغاني. قرب باب الثكنة إنتصب ما نطلق عليه جدار "هيسكو" و هو عبارة عن براميل حديدية ضخمة يتم ملئها من الداخل بكل أنواع الخردة لتشكل سدا منيعا ضد الرصاص و المدافع.
تم تحويلي لنقطة المراقبة هوتل بعد تغيير دوري من قبل القيادة و لاحظت في ليلتي الأولى شقا ضخما في أحد البراميل الحديدية الخاصة بجدار هيسكو فسألت زميلي الذي أخبرني أن شاحنة تابعة للجيش الأفغاني قد إصطدمت بالجدار مخلفة قتيلين، و لم يتوقف الزميل عند ذلك الحد، بل إسترسل في الحديث عن سماعه لصوت خطوات أقدام تصعد السلالم الحديدية لنقطة المراقبة، و ظلال سوداء تتحرك في الأفق لكنني لم أعر الأمر إهتماما كبيرا و آثرت إبقاء تركيزي على مهمتي المتمثلة في المراقبة. كانت الأمور في تلك الليلة تسير بشكل عادي و قررت بعد الحديث قليلا مع الزملاء عبر الراديو أن أمسح المنطقة بإستعمال الضوء الذي كان ملتصقا بسلاحي، مسحت أولا المنطقة خارج الثكنة و إستدرت يسارا لأمسح منطقة جدار هيسكو أسفلي و هناك لمحت ظلين أسودين قاتمين يقفان دون حراك، إفترضت للوهلة الأولى أن الظل يعود لجنود الجيش الأفغاني خاصة و أن مدخل ثكنتهم كان قرب الجدار مباشرة لكن الظل و بعد تدقيق مني لم يكن ثنائي الأبعاد، بل كان ثلاثي الأبعاد، و كأنني أرى شخصين واقفين لا ظلين، الوقت كان متأخرا أيضا و جنود الجيش الأفغاني لم يكونو ليقفوا مباشرة عند البوابة في ذلك الوقت بالتحديد خوفا على سلامتهم، على عجل إستدعيت زميلي و دون أن أقول كلمة أشرت بإصبعي صوب الظلين. معتقدا أنه تهديد فوري أشهر زميلي ضوء بندقيته صوب الظل مباشرة لكنه لم يختفي كما يجدر بظل عادي أن يفعل، و تحول إحساسنا بالخوف مباشرة لإحساس بالإرتباك خاصة بعد تحرك الظلين على طول الجدار بطريقة سلسة و إندماجهما معا ليشكلا ظلا واحدا ضخما، أخلى زميلي المنطقة كإجراء إحترازي و نزل لتفقد منطقة جدار هيسكو لكن المكان كان خاليا تماما، تسلق السلالم ليعود لنقطة المراقبة بجانبي و ما هي إلا دقائق حتى عاد الظلان للظهور مجددا بل و إندمجا بنفس الطريقة المريبة التي شهدناها في المرة الأولى، أفكار غريبة مرت على أدمغتنا لوهلة لكننا مسحنا عينينا و إفترضنا أننا نهلوس بسبب التعب، أقنعنا بعضنا بهذه الفكرة بعد حديث دام بضع دقائق لكن ذلك الشعور الدائم بالريبة لم يغادر أجسادنا، لنشعر بالتحسن قمنا بالتواصل مع زملائنا عبر الراديو على أمل إعطائنا رأيا مختلفا لكننا تفاجئنا بأحد الزملاء و الذي كان متدينا لحد ما يسأل بصوت قلق:
- هل قلت أن الأمر حدث قبل حوالي 15 دقيقة.
- نعم، أجبت.
- تفقد ساعتك. قال بنبرة حازمة.
بسرعة أخذت نظرة على ساعتي فوجدت أنها تشير لتمام الثالثة و خمسة عشر دقيقة صباحا، بشعور من الخوف و الحماس قلت لنفسي أنني شهدت شبحا على الساعة الثالثة و هذا ما رددته في اليوم الموالي لزميلي "ويليامز" الذي رفض تصديقي، قائلا أنها مجرد هلوسات فلم يكن لدي حل غير أن أضعه معي في نقطة المراقبة دلتا في الليلة الموالية حتى يرى بأم عينه.
بدأت مناوبتي مع ويليامز بطريقة عادية، كانت ليلة هادئة حتى تمام الساعة الثالثة صباحا أين برز الظلان مجددا، ويليامز رفض تصديق الأمر رغم أنه رآه يحدث أمامه و قال لي أنه يوجد تفسير طبيعي حتما، مضيفا أنه سيأخذ غفوة قصيرة، بينما إستلقى ويليامز على أرضية مركز المراقبة الباردة وقفت أنا خلف الرشاش أنظر للصحراء المعتمة و ما إن ثقل جفني زميلي حتى سمعنا صوت طرق قوي على الحديد و كأن أحدا ما قد ضرب جدار هيكسو أسفلنا بمطرقة ضخمة، أمسك ويليامز بندقيته و نزل بسرعة ظنا منه أن أحدا ما قد إخترق الثكنة لكنه عاد بعد دقائق خالي الوفاض، أخبرنا أنفسنا أن الأمر طبيعي بحكم أنها ثكنة حية، قد يكون عملا في الورشة أو برغيا سقط من مكان عال، ويليامز عاد ليأخذ غفوته مرة أخرى لكن الصوت تكرر بنفس الحدة و من نفس المكان، شخص ما يضرب على الجدار بمطرقة ضخمة، نظرنا لبعضنا بحيرة و أبلغنا عن الأمر في الراديو للقيادة. خوفا من كون الثكنة قد تعرضت لإختراق، طلبنا من قائد الكتيبة أن يحضر لنا بطاريات إضافية للراديو لنبقيها للحالات المستعجلة.
بينما وقفت أنا خلف الرشاش كان ويليامز ينتظر قائد الكتيبة أعلى السلالم، بعد دقائق وصل القائد و صعد مركز المراقبة فسأله ويليامز بعفوية:
- هل أحضرت الرقيب معك؟.
رد قائد الكتيبة:
- لا، جئت وحدي.
ويليامز و الذي كان رجلا ضخما صلبا أسود البشرة تحول فجأة للأبيض و تراجع بهدوء قبل أن يسقط على الأرض، سألته إن كان بخير فأجاب بعيون جاحظة:
- لقد رأيت شخصا ما يصعد خلف قائد الكتيبة.
و في تلك اللحظة صدق ويليامز مزاعمنا، و آمن فعلا أن هناك كائنات تتحرك في الظلام، جن، أشباح، شياطين، لا يهم، كل ما يهم أنها موجودة و أنها كانت تهدد حياتنا.
إن هذه القصة تأخذ النصيب الأكبر من الكعكة، لكن هذا لا يعني بتاتا أنها الحالة الوحيدة التي نصطدم فيها مع التجارب الماورائية، كنا دائما نسمع صوت قرع في الحمامات، و نرى بأم أعيننا الرشاشات تتحرك لوحدها، قيل لنا أن جنود الإتحاد السوفياتي في فترة غزوهم للبلد قد إتركبوا عدة مجازر في المنطقة، لذا فإن رؤيتنا لهذه الأحداث الغريبة كان أمرا أكثر من طبيعي في حالتنا.
إستقلت من الجيش بعد مدة خدمة طويلة و أنا أعمل الآن كضابط شرطة، قصصي عن الحرب لم تكن حول قتالنا مع قوات طالبان بل كانت حول قتالي الشخصي مع صحتي العقلية، فأنا لحد اليوم لا أعرف هل ما شهدناه كان حقيقة أم مجرد أوهام سببها سراب الليل و التعب المفرط.
إنتهت.