- التعديل الأخير:
- المشاهدات: 1,401
- الردود: 3
التعديل الأخير:
كثيراً ما أقرأ روايات و أعمال أدبية وبمجرد وصولي لغلاف الكتاب الخلفي يبدأ ما تراكم في زوايا نفسي من مشاعر ينكمش ويتضاءل ويباشر ما تجمّع في ثنايا عقلي من أفكار و تساؤلات يتلاشى تدريجياً ، حتى أنه بعد عدة ساعات لا أعود أشعر بأي أثر تركته الأحداث فيي و ويصبح استحضار العواطف التي رافقتني مع قراءة العمل أمراً صعباً للغاية
لكن...
عائد إلى حيفا إحدى التجارب القليلة المختلفة ...
أسلوب غسان كنفاني الس؟احر بكل ما تعني الكلمة من معنى يجعل صدى معاني هذا العمل العظيم وأفكاره يتردد في داخلك دائماً و كلما ذُكِر اسم الرواية أمامك أو حتى نطقته بينك وبين نفسك ستجد فيض من المشاعر يتدفق ليحيي ذكرى قراءة هذا النص الذي ستقوم بإعادة قراءته مجدداً ولو لمرة واحدة أخرى على الأقل .
أنت لست أمام عمل أدبي ضخم .. رواية صغيرة الحجم حوالي 75 صفحة فقط وتنتهي منها خلال جلسة واحدة ومع ذلك ستبقى قابعة في ذهنك و ستجد الكثير لتقوله بعدها
بعد سنوات تتيح الظروف لسعيد وزوجته صفية أن يعودا إلى حيفا ؛ المدينة التي غابت عن ناظريهما لمدة عشرين عاماً .. و بمجرد وطأتهما تلك الأرض العزيزة عليهما تنفتح أبواب الذاكرة على مصراعيها و تطفو على السطح ذكريات الفاجعة المتمثلة بتهجيرهم أيام النكبة وإبعادهم عن ديارهم وشوارع مدينتهم و قبل كل شيء عن خلدون !... طفلهما الصغير الذي غادرا حيفا بدونه .. غادراها كما باقي العائلات تحت زخات الرصاص و دوي القنابل والقصف ليدفعهم زحف المغادرين نحو الميناء وتتقاذف الأمواج من بعدها سطوح مراكبهم ليلقوا نظرة الوداع على حيفا من عرض البحر .
سعيد وصفية يصلان إلى مدينتهما المسلوبة ويحملان في قلبهما جراح سلب ابنهما وفي أعماقهما يحملان أيضاً فكرة لا سبيل لدفنها ... فكرة أن يعثرا على ابنهما و يستعيداه من جديد .
لكنهما يواجهان في النهاية الحقيقة المظلمة التي حاولا عدم التفكير باحتمالية حدوثها ولكن لا مفرّ أبداً من المواجهة ..
عادوا و عثروا عليه .. لكنهم فعلياً لم يعثروا عليه !
غسان كنفاني بأسلوبه الهادئ الساحر و ببراعته اللغوية المطلقة صوّر المأساة الممتدة و الواقع المؤلم لفلسطين وشعبها و حاول أن يحث القارئ على التفكير والتمعن بمعاني قيم الوطن والوطنية و التضحية في سبيله
لكن...
عائد إلى حيفا إحدى التجارب القليلة المختلفة ...
أسلوب غسان كنفاني الس؟احر بكل ما تعني الكلمة من معنى يجعل صدى معاني هذا العمل العظيم وأفكاره يتردد في داخلك دائماً و كلما ذُكِر اسم الرواية أمامك أو حتى نطقته بينك وبين نفسك ستجد فيض من المشاعر يتدفق ليحيي ذكرى قراءة هذا النص الذي ستقوم بإعادة قراءته مجدداً ولو لمرة واحدة أخرى على الأقل .
أنت لست أمام عمل أدبي ضخم .. رواية صغيرة الحجم حوالي 75 صفحة فقط وتنتهي منها خلال جلسة واحدة ومع ذلك ستبقى قابعة في ذهنك و ستجد الكثير لتقوله بعدها
بعد سنوات تتيح الظروف لسعيد وزوجته صفية أن يعودا إلى حيفا ؛ المدينة التي غابت عن ناظريهما لمدة عشرين عاماً .. و بمجرد وطأتهما تلك الأرض العزيزة عليهما تنفتح أبواب الذاكرة على مصراعيها و تطفو على السطح ذكريات الفاجعة المتمثلة بتهجيرهم أيام النكبة وإبعادهم عن ديارهم وشوارع مدينتهم و قبل كل شيء عن خلدون !... طفلهما الصغير الذي غادرا حيفا بدونه .. غادراها كما باقي العائلات تحت زخات الرصاص و دوي القنابل والقصف ليدفعهم زحف المغادرين نحو الميناء وتتقاذف الأمواج من بعدها سطوح مراكبهم ليلقوا نظرة الوداع على حيفا من عرض البحر .
سعيد وصفية يصلان إلى مدينتهما المسلوبة ويحملان في قلبهما جراح سلب ابنهما وفي أعماقهما يحملان أيضاً فكرة لا سبيل لدفنها ... فكرة أن يعثرا على ابنهما و يستعيداه من جديد .
لكنهما يواجهان في النهاية الحقيقة المظلمة التي حاولا عدم التفكير باحتمالية حدوثها ولكن لا مفرّ أبداً من المواجهة ..
عادوا و عثروا عليه .. لكنهم فعلياً لم يعثروا عليه !
غسان كنفاني بأسلوبه الهادئ الساحر و ببراعته اللغوية المطلقة صوّر المأساة الممتدة و الواقع المؤلم لفلسطين وشعبها و حاول أن يحث القارئ على التفكير والتمعن بمعاني قيم الوطن والوطنية و التضحية في سبيله
"ما هو الوطن يا صفية ؟ الوطن هو ألا يحدث ذلك كلّه "
واحدة من أصدق وأروع العبارات التي قرأتها
وأنا كقارئ و شخص يعيش هذا الحدث الذي ما زال التاريخ يكتب سطوره أقول
الوطن ليس مجرد أرض وحدود مرسومة و لا أشياء ملموسة .
والوطن ليس كذلك مجرد ذكريات متدفقة أو عواطف جياشة .
الوطن هو ارتباط يتجاوز كل المفاهيم والأبعاد
الانتماء الحقيقي للوطن هو أن يعيش الوطن فيك لا أن تعيش فيه ..أن يكبر في داخلك لا أن تكبر على أرضه ...أن يكون الوطن هو وجدانك وكيانك وكلّ حياتك ...هذا هو الوطن
وأنا كقارئ و شخص يعيش هذا الحدث الذي ما زال التاريخ يكتب سطوره أقول
الوطن ليس مجرد أرض وحدود مرسومة و لا أشياء ملموسة .
والوطن ليس كذلك مجرد ذكريات متدفقة أو عواطف جياشة .
الوطن هو ارتباط يتجاوز كل المفاهيم والأبعاد
الانتماء الحقيقي للوطن هو أن يعيش الوطن فيك لا أن تعيش فيه ..أن يكبر في داخلك لا أن تكبر على أرضه ...أن يكون الوطن هو وجدانك وكيانك وكلّ حياتك ...هذا هو الوطن
كنت اتساءل فقط عن فلسطين الحقيقية ، فلسطين التي هي أكثر من ذاكرة ، أكثر من ريشة طاووس ، أكثر من ولد ، اكثر من خرابيش قلم رصاص على جدار السلم، وكنت أقول لنفسي : ما هي فلسطين بالنسبة إلى خالد ؟ إنه لا يعرف المزهرية ولا السلم ولا الحليصة ولا خلدون ، ومع ذلك فهي بالنسبة له جديرة بأن يحمل المرء السلاح ويموت في سبيلها وبالنسبة لنا أنتِ وأنا ، مجرد تفتيش عن شيء تحت غبار الذاكرة وانظري ماذا وجدنا تحت ذلك الغبار .. غباراً جديداً أيضاً .
الرواية قاسية وموجعة تعكس ماضي وحاضر فلسطين فتدمي القلب وتشعرك بالألم و الحزن على شعب هُجّر وعانى شتى أنواع العذاب بعد الحرمان من أرضه والاستيلاء على ممتلكاته ليصبح غريباً في وطنه ويصير موطنه غربة !
إن أكبر جريمه يمكن لأي أنسان أن يرتكبها ...كائناً من كان ..هي أن يعتقد ولو للحظة أن ضعف الآخرين و آخطاءهم هي التي تشكل حقه في الوجود على حسابهم ...وهي التي تبرر له أخطاءه و جرائمه.
هي لوحة أدبية بنظرة فلسفية أراد فيها الكاتب أن يستنهض هممنا و أن يشير الى أنه لا خيار لتحرير الأرض سوى الحرب والنضال .. هذا الوطن إن أردت استعادته يجب أن تؤمن بأنه يستحق منك بذل كل غالي ونفيس في سبيل عزته ونصرة قضيته وأن تحرر روحك وعقلك من قيود الهزيمة و الماضي الأليم.. لا التفاوض ولا السلم ولا غيرهما سيرد إليك ما سُلِب منك ..
تستطيع البقاء مؤقتاً في بيتنا ، فذلك شيء تحتاج تسويته إلى حرب
اللغة الخلّابة ،الأسلوب البسيط والشيق ، الرمزية العالية ،المعاني العميقة ، السرد المتقن والتفاصيل الاستثنائية .. هي أمور ستصادفها عندما تقرر القراءة لغسان كنفاني
وفقط عندما تقرأ له . .
ستعلم لماذا تم اغتياله ..
عائد إلى حيفا .. رواية تُجسّد حكاية وطن
غسان كنفاني ..الانسان والمناضل رحمك الله
ستبقى حيّاً في قلوبنا بأدبك وإبداعك الذي يصعُب وصفه
التعديل الأخير: