- المشاهدات: 754
- الردود: 8
مفهوميَ عنِ الصّديقِ هو مَن كانَ موجودًا إن تعسَّرَ عليْكَ الحالُ وتكبّدتَ مُرَّ الصِّعابِ وتذوّقتَ من العلقمِ وتجرَّعتَ السُّمومَ ، فمنَ المُفتَرَضِ أن يأتيكَ في رُهبانيَّتِهِ- فهوَ راهبٌ عَظيمٌ لا مِن رُهبانِ الصّوامعِ وإنّما رُهبانِ الحياةِ- الكامِنَةِ في العملِ الدّائبِ في سبيلِ نَصرِكَ والوُقوفِ بجانِبِكَ وتفانيًا مُثابِرًا في تَخفيفِ الشّقاء عنكَ ، هذا هُوَ الصّديقُ الحقيقيُّ الّذي أينما احتِجتَهُ يمَّمتَ وجهَكَ فإذا هُوَ بجانِبِكَ وسألتَهُ المشورَةَ فأهداها لكَ مُكلَّلةً بحُبِّ الخيْرِ لكَ وإرادةً لسعادَتِكَ وصلاحِ نفسِكَ.
كَيْفَ يَعتَزِلُ أحَدُهم خليلَ دَربٍ يُصلِحُ حالهُ ، يُواري سوءاتهُ ، يَقتصُّ من أعداءهِ ، يُشارِكهُ سَقَمَهُ، يُقاسِمُهُ همَّهُ ، يسعَدُ بسعادَتِهِ ، يَذكُرهُ ويُذكِّرهُ بالخيرِ منَ المَهدِ حتّى المماتِ ؟ لهوَ أمرٌ غريبٌ وجدُّ غَريب ... لرُبّما قلَّ أصدقاءُ العُمُرِ بل واستُبدلوا بأصدقاءِ المَصالِحِ ولكن هذا لا يَعني فناءَهمُ ولا يَنفي وجودَهم ، ربّما يُباشِرُ ذهنُكَ الآنَ بسؤالِكَ عمّا إن كانُ الصّديقُ أخًا ؛ وهُنا سأحمِلُ زِمامَ الإجابةِ لأبرُكَها في عقلِكَ أيُّها القارئُ .
عِندما اشتدَّ غَيْظُ أهلِ مكَّةَ على الإسلامِ وشَرعوا يَكيدونَ لهُ المكائدَ ويُعذّبونَ ويَقتلونَ فلم يَنجُ لا فقيرٌ ولا سيِّدٌ اعتَنقَ الإسلامَ ؛ هاجَرَ نبيُّ اللهِ إلى يثرب معَ عدَدٍ من صحابَتِهِ الأبرار وعِوضًا عن أن يختارَ مُصطلحَ الصّداقةِ بينَ الأنصارِ والمُهاجِرة ، انتَقى كلمَةَ المُؤاخاةِ ؛ ليكونَ الصّديقُ أخًا والأخُ صديقًا ، قامَت هذهِ المُآخاةُ بأساسٍ مَبنيٍّ على المودَّةِ والمَحبَّةِ . ولاشيءَ أفضلُ من أن نَقتَبِسَ حياتَنا من السّيرةِ النّبويَّةِ ، لِذا فالصّديقُ أخٌ ومعزَّةٌ وحِصنٌ مَنيعٌ تَستَنِدُ عليهِ دائمًا.
نَرَى منَ النّاسِ من تَقتَصِرُ علاقاتُهُ في نطاقِ الرّحمِ والقَرابةِ ولا يُحيّي صداقةً خارِجَ هذا الإطارِ ، لا نَستطيعُ الحُكمَ عليْهِ فلربّما لَم يجِد بعدُ الشَّخصَ المُلائمَ ليَشدُدَ أزرهُ بهِ ، ونَرى آخرينَ يُعقّبونَ وراءَ مئاتِ الصّداقاتِ ، فكلُّ من يَرى ومَن يتعامَلُ معهُ يعدُّهُ رَفيقَ دربٍ ؛ وهذا خاطئٌ ؛ فالأصدقاءُ من لا يَتَلعثَمُ بقاءُهم معكَ في شدَّتِكَ ولا يُنافقونكَ السَّعادَةَ ولا يَغيبُ هذا المَشهدُ الفذُّ الفَريدُ عن أحَدٍ .. فهُم أساتِذَةٌ في فَنِّ التّضحيَةِ ونماذِجُ لا نَظيرَ لها في الوفاءِ ، هؤلاءِ هُمُ الأصدِقاءُ.