التعديل الأخير بواسطة المشرف:
ألف حياة (بين الواقع والخيال) عن تناسخ الأرواح نتحدث -1-
الزمان: منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
علي..
هو طفل عادي جداً،
العائلة لا تملك أي شيء سوى البيت المتواضع الذي يسكنون في شارع ضيق شرق البلد، يقطنون قرية تدعي بني يحيي في الصعيد، وبضعة قراريط يتعايشون منها.
ليس في العائلة أي شيء مميز ولا غامض ولا غريب على الإطلاق.
علي كانت له أخت متزوجة منذ أن كانت في الثامنة عشرة وأخ أكبر في دبلوم تجارة.
الولد لا يعاني أي أمراض من أي نوع.
عائلة علي تعيش حياة هادئة عادية جدًا أو قل كانت تعيش تلك الحياة حتي جاءت الليلة المذكورة..
- كان الأب يغط في نوم عميق وكذلك محمود الابن الأكبر بعد يوم عمل شاق في الحقل.
استيقظت الأم فجأة عند منتصف الليل علي صوت جلبة في الخارج .
كان صوت شخص يتحدث بلغة غريبة جداً، لم تسمعها من قبل في حياتها ولم تفهم منها كلمة واحدة.
أول ما خطر علي بال الأم أن هناك جن في البيت، هزت زوجها محاولة أن توقظه دون أن تصدر صوتاً لكن الرجل كان نائماً نوما عميقاً، أصغت لتسمع الصوت مرة أخرى،
ظنت أنها واهمة، ولكن الصوت تكرر.
صوت بشري يتكلم بلغة لا تفقه منها كلمة واحدة، برعب غير مسبوق وبأطراف ترتعش قامت من فراشها، تحركت نحو الصالة في الخارج، كان هناك لمبة من تلك التي توجد في البيوت الريفية وتعمل بالكيروسين، ترسل أشعة ضعيفة من النور تحول كل الموجودات في البيت إلى أشباح ووحوش أسطورية.
لم ترتد شيئاً في قدميها، تحركت علي أطراف أصابعها نحو الصالة بينما تكرر الصوت بعبارات غامضة وقعت على مسامعها لتترك تأثيراً رهيبًا،
لم تكن متعلمة، وفي مخيلتها ومن خلال معارفها القليلة لا يوجد تفسير لأي شيء غامض وغريب في هذا العالم إلا بالجن والعفاريت.
وصلت إلي باب الغرفة، ونظرت وهي ترتعد خوفاً لتجده هناك، واقف ككائن أسطوري رافع يديه ورأسه لأعلى بينما ابيضت عيناه تماماً بشكل مهول ومن حنجرته تخرج عبارات بتلك اللغة التي لم تسمع منها كلمة من قبل.
لم تتحمل أعصابها ولا قلبها كل هذا الرعب فسقطت مغشياً عليها.
استيقظت مفزوعة من النوم، لا تدري كم مر من الوقت علي سقوطها مغشياً عليها، ولكنها استغرقت بعض الوقت حتى تتبين موقفها، كانت ممددة في صالة البيت أمام باب غرفتها، فجأة تذكرت كل شيء...
ارتعشت في مكانها ونظرت إلي حيث كان يوجد هو.
كان هو ابنها.. علي..
ذلك الذي رأته واقف على باب البيت عيناه مبيضتان ينظر لأعلى وقد رفع يديه ويتحدث بكلام غامض وغريب لم تفقه منه كلمة.
لكنه الآن لم يكن في مكانه.
قامت مسرعة من مكانها، تسللت إلى غرفته هو وأخيه الأكبر.
كان ينام هناك في سريره كطفل صغير برئ لا يبدو عليه شيء.
ظلت تنظر إليه بعض الوقت ثم عادت إلي فراشها وهي تفكر ...
هل كانت واهمة؟
هل كان كل هذا مجرد حلم ؟
ولكن من المستحيل أن يوجد حلم بهذا الوضوح، ثم كيف انتقلت من فراشها إلى الصالة وسقطت هناك؟
شعرت براحة أن أحداً من البيت لم يستيقظ ويراها هكذا وإلا اتهمها بالجنون.
لم يغمض لها جفن حتي الصباح، كانت تفكر وفي نفس الوقت تركز سمعها بشدة ربما سمعت الصوت مرة أخرى لكن شيئاً لم يحدث.
في الصباح الباكر أعدت طعام الإفطار للأسرة وهي شاردة متورمة العينين من قلة النوم، حتي أن زوجها سألها عما أصابها، تعللت بأنها مريضة قليلاً.
طوال الوقت كانت تنظر من طرف خفي إلى علي إلا أن شيئاً علي الإطلاق لم يبدو عليه .
كادت تسأله ولكنها ترددت وصمتت حتي يخرج زوجها وابنها الأكبر.
وبالفعل عقب خروجهم سألت الطفل، أنكر كل ما قالت، لم يبد أنه يكذب علي الإطلاق, زادت حيرتها وبدأت تشك بالفعل في عقلها.
مرت الأيام دون جديد وكادت الأم تنسى ما حدث حتي جاءت تلك الليلة الشتوية.
تأخر عبد العال في الحقل الذي كان يبعد عن البيت نحو نصف ساعة، كان معه ولديه بالطبع، لم تقلق الأم لأن الأمر معتاد، ربما كانوا يقومون بري حقلهم وتأخروا هناك.
أظلمت الدنيا إلا من قمر رائع أضاء في قلب السماء، مضى الوقت وفجأة دخل الثلاثة عليها ولكنهم كانوا واجمين تماماً وكأن شيئاً عظيماً قد حدث.
سقط قلبها بين قدميها عندما رأتهم ولكنها تفقدت الثلاثة سريعاً بعينها، كانوا بخير ثم نظرت إلي البقرة والحمار الذين كانوا بحوزتهم، الكل بخير .
تمالكت أعصابها وسألت عبد العال:
ماذا حدث يا أبو محمود؟
ما بكم ؟ لماذا أنتم صامتين هكذا؟
نظر الرجل إليها ثم نظر إلى ابنه الكبير وقال: احكى لأمك ما حدث يا محمود هناك.
أدخل عبد العال مواشيه إلى حظيرة البيت بينما جلس محمود وبجواره علي الصغير والذي كان منكس الرأس وكأنه ارتكب جرماً.
بدأ محمود يحكي ولهجته تحمل كل الإثارة...
كنا نروي الحقل وتأخرنا، أوقد والدي نارًا عند الساقية حتي نجلس عندها ونستمد الدفء،
تعرفين أننا في قلب الحقول ولا أحد هناك والبرودة شديدة تلك الليلة، جلسنا حول النار مضى بعض الوقت وقمت أنا لكي اتفقد الحقل الذي يبعد قليلاً عن الساقية وتركت والدي مع علي عند النار كان القمر يضيء الحقول بينما الأشجار المنتشرة هنا وهناك علي مدى البصر تبدو كعفاريت غامضة في هذا الوقت ،الحق أن بعض الخوف دب في قلبي فور ابتعادي عن الساقية والنار إلا أنني تشجعت وقررت أن أتفقد المياه في الحقل وأعود سريعاً،
لكني ما أن ابتعدت قليلاً حتي سمعت صوت والدي ينادي علي بأعلى صوت:
محمووووود يا محمووووووووود !
في مثل هذا الوقت والمكان يمكنك أن تتوقع أي شيء قد يحدث لذا عدت مسرعاً وقد انتابني الخوف الشديد على والدي وعلي، ثلاثة دقائق فقط وكنت هناك أقف أمامهم رأيت والدي وقد وقف عند الساقية متجمداً في مكانه ودون أن يتكلم أشار لي بيده إلى منظر ما...
حقًا في مثل هذا المكان والزمان يمكنك توقع أي شيء في العالم إلا ذلك المنظر المذهل الذي رأيته..
يتبع.........
أحمد عبد الرحيم
التعديل الأخير بواسطة المشرف: