• المشاركة مفتوحة للجميع .. لا تتردد في نشر مقالك في القسم المناسب في منتدى الديوان.

  • اللّٰهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ وَأَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَنِّكَ، وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ.

🔄 منقول: قصة قصيرة بعنوان أوهام مزعجة

  • ناشر الموضوع فاطمة صلاح الدين
  • تاريخ البدء
  • الردود 0
  • المشاهدات 37
🔄 الموضوع يحتوي على محتوى منقول.

مرحبا ً بك في الــديــوان الإلكتروني

أهلا وسهلا بك زائرنا العزيز في الــديــوان الإلكتروني.

انظم إلينا و تمتع بتجربة رائعة, ستجد كل ما تبحث عنه.

التسجيل مجاني بالكامل

المؤلف
فاطمة صلاح الدين بجة
الهروب كلمة تحمل بين طياتها الكثير من المعاني؛ قد تبدو مبهمة في الوهلة الأولى لكن سرعان ما يتبين مقصدها وتتضح كوضوح الشمس، ارتبطت هذه الكلمة بالضعف إرتباطًا وثيقًا فأصبحتا كالتوأم اللصيق لا ينفك أحدٌ عن الٱخر، فأضحت معتقدًا راسخًا في أذهان كثير من الناس؛ بأن الهارب جبان وضعيف، لكن أحيانًا لا تكون الأمور كما نظن؛ وقد تختلف الحقائق.

لم أكن اعلم أن الذي يمضي قد يعود يومًا.
ومع عودته تتفتح أبوابًا مغلقة، وصفحات مطوية، وجروح رممها الزمان.
لم أكن أعلم أن الوحدة قد تصل بالإنسان إلى حالٍ تجعله كحيوانات البراري المفترسة.
لم أكن أدري أن الحزن قد يقتل الإنسان حيًا.
لم أكن أدري أن ما تم دفنه يمكنه النهوض، والعودة إلى حياته من جديد، ظننت ان الماضي يحبس في سجن الذكريات ولا أمل في رجوعه والإفراج عنه، لكن هيهات فقد خاب ظني، فيومًا بعد يوم نكتشف أمورًا كنا نجهل وجودها؛ فنظل نتخبت في متاهات الدنيا على أمل أن نجد طريق الخلاص.

هاهي الشمس تتوارى عن الأنظار وتختفي رويدًا رويدا؛ حتى غاب أثرها نهائيًا، وظهر القمر بحلته البهية على استحياءٍ وأطلق جماله للناظرين؛ وكأنه يتباهى بصورته البديعة، بت أتأمل جماله وأغبطه على حاله؛ فهو هناك في ذلك الفضاء الواسع حر طليق؛ أما أنا فلا أملك إلا بصري أطلقه حول منطقتي المحدودة؛ مكبلة بأصفادٍ عرقلت حريتي، وجعلتني كالأنعام بل أذل.

في هذه الخرابة التي أصبحت مقر سكني، ظلام دامس ينزع من النفس شعور الأمن، ملأت أرجائها رائحة القذارة النتنة، يحيطني فضلات البشر من كل اتجاه، على هذه الأرض أقضي حاجتي، ومنها ٱكل ما يسد جوع بطني، وألعق ما تبقى منها، وأمتص الماء الذي أختلط مع تراب الأرض فحولته إلى طين لازب، لا اخشى شيئًا بل الجميع يخشاني، ألقف كل ما يدب على الأرض من حشرات سامة او غير سامة لا فرق، افطر بالعقارب والصراقيل، وأتغذى على الثعابين والحيات، وأشهى مأكولاتي هي تلك القطط وكلاب الشوارع؛ فحين ما تقترب مني أنهال عليها كما ينهال الأسد على فريسته، وأنقض عليها بنهم شديد؛ أقضم لحمها بأسناني الحادة والقوية؛ وأقطعها بمخالبي الطويلة، فتظهر على ملامحي بهجة الإنتصار، امتص دمائها حتى أرتوي، من أنا؟
أنا الكابوس المزعج، أناالوحش المفترس، أزرع الرعب في قلب كل من يراني، يتحول الولدان شيبًا من شدة الهلع والزعر، تظهر على وجهي الغلظة ويعلوه حاجبين كثيفين، وعينين شبقتين ماكرتين صغيرين، إلا أن ملامحي ليست بريئة أبدًا، شعري مجعد ودبغ، تفوح منه رائحة الزفارة والجيفة، يتخللها دماء الحيوانات التي ٱكلها، ثيابي...بل أقصد هلاهيل القماش التي تغطي جزء من جسدي أصبحت من شدة قذارتها بلا لون باهتة لا تظهر ملامحها، مخالبي طويلة وحادة، يملأ فمي أسنان صفراء، وبعض ٱثار اللحم العالق بين ثناياها، جسمي ممتليء يغطيه الشحم والدهون، حتى أصبحت كصغير الفيل، أقضي حاجتي، وأنظف قذارتي بلساني فألعقها وألتهمها فترجع إلى حيث أتت، الأشباح تهابني، والشياطين تنفر مني.
في دجى الليل والناس نيام تتعالى صرخاتي، فلا تسمع إلا عويلي وصيحاتي، أحاول مرارًا أن أتحرر من هذه الأصفاد لكن تفشل كل المحاولات، فأستسلم لخيبتي.

لا اجد من يفك عني هذه الأغلال، أريد التحرر، والإبتعاد عن هذا المكان، لكن لا استطيع، لم تفلح محاولاتي يومًا، في الحقيقة لا يجرؤ أحدٌ على الإقتراب مني، ومن ذا الذي يذهب إلى الموت بقدميه؟!
هاهو الليل يطوي وشاح الظلام عن السماء، ويتسرب ضوء الشمس شيئًا فشيئًا ليحين وقت النهار، الرؤية أصبحت واضحة، ولهيب الشمس يشوي الوجوه، أتضور جوعًا كيف سأتحصل على ما يسد جوعي وأنا مكبلةٌ هكذا، فقط لو أعلم من الذي تجرأ على حبسي في هذا المكان، وكيف استطعت الوصول إلى هنا...
اااه يكفي لا أرغب في التفكير والتحليل، فهاهي وجبتي الدسمة على وصول، شيءٌ ما يقترب لا أستطيع تحديد ما هو بالظبط، يبدو أنه كلب، او ربما قطة تائهة تبحث عن مأوى، لا بأس سيكون بطني بيتًا ٱمنًا لها، قهقهتُ ساخرة من قولي، ظل هذا الشيء يقترب شيئًا فشيئًا، مهلًا لا يبدو أنها قطة، إنه طويل القامة، ولا يبدو كانه حيوان بالأساس، أيعقل أنه إنسان، لكن لا يحضر الإنس إلى هنا، فلم أرى أنسيًا في هذا المكان منذ أن استيقظت في تلك الليلة المشؤمة ووجدتني ملقاة في هذه الساحة التي تعج بالأوساخ والقازورات، وأخيرًا اتضحت الصورة، وتبين شكل ضحيتي، لكن مهلًا أيعقل؟!
توقف الزمن، وسكنت الأصوات، وضاق صدري، تكورت مقلتاي من هول الصدمة، مضت فترة لا اعلم كم مدتها، بعدها هدءت ملامح الزعر الذي اكتسى وجهي، عندما نطق أخيرًا وقد تجهم وجهه، وبدت عليه علامات الجدية؟
كيف حالك يا عدن؟
صمت برهةً ثم أردف قائلًا:
مضت فترة لم انعم فيها برؤيتك ويبدو أنني قد أطلتُ الغياب فقد تغير شكلك، أصبحت ملامحك مرعبة ما الذي أوصلك إلى هذه الحال وهذا المكان؟
لكن ألتعلمين أمرًا يبدو أنني أعرف الإجابة، أهو الغياب؟ أم الشوق؟
ما زلت ارى لمعة الحزن يغطي مسحة عيناك، والحسرة تكسو وجهك الجميل، لطالما أحببت مداعبة وجنتيك..
- وهل المحب يترك حبيبه في منتصف الطريق ويرحل، أم تعتقد فعلًا ان الشوق قد يحول الإنسان إلى حيوان؟
ثم ما الذي جاء بك بعد طول هذه المدة، لقد تركتني وحيدة، أحارب ألمي وحدي، انظر كيف صرت وحشًا بعد أن كنت فتاة جميلة يتهاتف عليها الشُبان.
لم ارحل بإرادتي يا عزيزتي، فقد كنت مجبرًا على هذا الفراق، تمنيت البقاء ولكن ليس كل ما نتمناه يكن، هناك قوى أكبر منَّا تجبرنا على الخضوع لها ونحن لا حول لنا ولا قوة.

- أين بريق الحب الذي كنت ألمحه كلما إلتقت نظراتنا، ورسائل الحب الذي كنتُ أقرأها في عيناك؟
لا شيء يدوم، فالأشياء تتغير بتغير الزمان
- وهل المشاعر تتغير أيضًا؟
بل تذبل وتختفي..
على العموم لم ٱتي إلى هنا لكي أتناقش معكِ على ماضيٍ مضى ولن يعود، إنما أتيت لاحذرك فهذه الأغلال التي تكتف يديك ما هي إلا أفكارك التي تعيق طريقك، وتعرقل سيرك رغم إستمرار الحياة، إلا ان كثرة التفكير في الماضي ينهك الجسد، ويتعبه، ويطفيء نور البصيرة، ويجعل الزمن يتوقف عند هذا المفترق، وبقدر ما للفراق من ألم إلا أن الم الإنتظار يفوق وجعه بمراحل، كفي عن الإنتظار يا عدن فالأموات لا يعودون، فلتصدقي الحقيقة لقد مات وائل وماتت معه مشاعره، الهروب من تقبل الحقيقة يجعلنا كالمساجين محبوسين في زنزانة الزكريات المؤلمة، وحتى ندفع ضريبة الإفراج علبنا أن نتعايش مع الواقع رغم مرارته، فالهروب لن يغير شيء فلم التعب إن كانت النتيجة لن ترضينا؟

قال كلماته هذه ثم أختفى فجأة كما ظهر فجاة، وبعدها...

إستيقظت من النوم مفزعة، وتقطر العرق مني كالسيل الجارف، وسرت في انحاء جسدي رعدة ورعشة جعلني ارجف واهتز من شدة الخوف تكورت مقلتاي من هول المنظر فما رأيته ادخل الرعب في قلبي، وسرق لذة النوم من عيني، يا إلهي ما هذا الكابوس المزعج؟
لقد كان حلمًا مزعجا لم أفهم مغزاه، وائل زوجي الذي توفى منذ خمسة سنوات رأيته في منامي، ورأيت نفسي بذاك المنظر المرعب، نهضت من السرير وفكرت أن أتوضأ لأمحي أثر هذا الكابوس، صليت ركعتين وناجيت ربي ان يهديني، ويوسع قبر زوجي العزيز، ترى هل لهذا الحلم مغذى او رسالة أراد وائل إيصالها؟ وهل الموتى يرسلون لنا الرسائل من خلال الأحلام؟
ناجيت ربي أعسى ان يربط على قلبي ففراقه مؤلم جدًا، منذ أن فارقني غرة عيني وأنا لم أتذوق طعم للحياة، واسودت الدنيا في عيني.
جلست برهة من الزمن أسرجع فبها تفاصيل ذلك الحلم، وصرت أردد كلماته التي مازالت عالقة في ذهني، الماضي لا يعود، التفكير يجعلنا محبوسين في زنزانة الزكريات، والتحرر منها هو تقبل الواقع، كيف أتقبل حقيقة أن وائل لم يعد موجودًا في حياتي، ولن استطيع أن أمتع عيناي بالنظر إليه ومداعبة لحيته التي أحبها كما كنت أفعل، صحيح ما قاله: يجب ان أتقبل حقيقه رحيله، فالواقع المرير خيرٌ من ماضي أليم لن يعود، جميلٌ أن نعيش حاضرنا ونستمتع به لحظة بلحظة، ونترك الماضي خلفنا؛ فالعمر قصير، والرحلة اقتربت نهايتها، فعلينا أن نعسى لأن تكون النهاية مرضية وجميلة.




فاطمة صلاح الدين بجة
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد…