e-Dewan.com
  • المشاركة مفتوحة للجميع .. لا تتردد في نشر مقالك في القسم المناسب في منتدى الديوان.

  • اللّٰهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ وَأَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَنِّكَ، وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ.

أسرار جيكاي- غموض في مصر القديمة

  • ناشر الموضوع الكاتبةمها المقداد
  • تاريخ البدء
  • الردود 0
  • المشاهدات 510

العنوان:
أسرار جيكاي- غموض في مصر القديمة

مرحبا ً بك في الــديــوان الإلكتروني

أهلا وسهلا بك زائرنا العزيز في الــديــوان الإلكتروني.

انظم إلينا و تمتع بتجربة رائعة, ستجد كل ما تبحث عنه.

التسجيل مجاني بالكامل

(أسرار جيكاي- غموض وجرائم في مصر القديمة)
أناملٌ ترتجف وتهتز، تتعثر للغاية في حركتها، تقاوم من أجلِ الثبات. كتابةٌ رمزيةٌ متلعثمة، بصعوبةِ يكاد كاتبها أن يقرأها ريثما يفرغ من تدوينها؛ ربما يوجد ما يتسبب في توترها هكذا، أو أنها تخشى وقوع أمرٍ ما. أجواءٌ مريبةٌ تجعل براح هذا الكون الفسيح يضيق شيئًا فشيئًا في صدره.
يكاد أن يتوقف الفؤاد فزغًا، أنفاسٌ مُتلاحقة، يحاول أن يستحضر قوته الكامنة كي يُهدئ من روعه - يسعى لتهدئة نفسه بنفسه؛ فثمة أشياء مُقلقة تأبى أن يحصل "جيكاي " على سلامه الداخلي وهدوئه النفسي؛ حتى السماء تُشعره بأنّ سمرةٌ أصابتها جراء احتضانها لشمسِ نهارٍ يتزامن سطوعها وإشراقها مع صيفٍ استوائيٍ حارٌ للغاية، رغم أنّ تلك الليلة التي يحياها تنتمي لإحدى ليالي الربيع المعتدلة؛ فقد تحولت زرقتها الصافية لسوادٍ حالك. الحوائطُ عابسةٌ بشقوقٍ لأول مرة يُلاحظها في غرفته التي يسكنها منذ اللحظات الأولى لولادته؛ وكأنه عاش عمرًا طويلًا يجهل واقعه ومن ثمّ يبدأ في تعرف محيطه من جديد؛ حتى اللهب الضئيل الذي اعتاد إشعاله كل ليلة، بدا له كصورةٍ مُصغرةٍ لحريقٍ سيلتهم عاجلا أو آجلا الأخضر واليابس. كلُ شيء بدا باهتًا، مرعبًا، ومريبًا في نظره، وكأنها مؤامرة كونية قد أبرمت مُسبقًا للإطاحة به بعد استهلاك طاقته في انتظار وقوع البلاء المُحتم؛ إنه الفزغ الذي يُغير رؤيتنا للأشياء وحقيقتها.
للأسف!. لم يخطئ حدس "جيكاي" فرائحة التربصِ لا يخطؤها أنف الفريسة على الإطلاق؛ رغم ذلك لا يعرف ما الذي دفعه لأن يكتب لاسيما في تلك الحالة، وتلك اللحظات الملبدة بالذعر والهلع، كما أنه يدرك تمامًا أن ما يدونه من وصفاتٍ مفيدةٍ ونافعة، وبراءات مخترعات؛ هو ما يدفعهم للتربص به على الدوام، وهو أيضًا ما يحرك غرائزهم الوحشية والحاقدة للقضاء على ذوي الألباب والقيم. نعم؛ يدوّن ويعي تمامًا أنهم يتحينون الفرصة لسرقة كل ما يكتب إذا تكشّف لهم مكانه ثمّ الغدر به؛ بأن يقومون بقتله واغتياله بلا شفقة فور انتهاء المهمة. حفنةٌ من المجرمين إنهم هم، يظهرون عبر مختلفِ العصور؛ تستأجرهم مؤسساتٌ كبيرة ربما تكون تابعة لدولة حاقدة ترغب في سيادة العالم فحسب؛ لأجل التخلص بالقتل من كل عالمٍ أو مفكرٍ بإمكانه إنارة البشرية بعلمه وفكرهه.
وسوسةٌ باغتت جرأته؛ فقد داهمه شعورٌ يودُّ خيانته، يجعله ذلك الشعور المُختل يبتئس من كل شيء، لكنه قد تخلص منه سريعًا وتشجع على التدوين مرةً أخرى. ويحدث نفسه؛ قائلًا: "أمواتٌ أمواتٌ نحن في دار الفناء هذه، وليس بوسعهم سوى تنفيذ إرادة إله وخالق هذا الكون غير المتناهي". انصب تركيزه أخيرًا في أن يترك وراءه ما يستحق ذكره بعد موته، وألا يظل عالقًا في جحر مخاوفه،لم يعبأ أبنه ربما لم يسعفه الزمن بأن يتمكن من كتابة تفاصيل أهم وصفة من بين تلك الوصفات؛ التي لم يتمكن أحد من التوصل إليها في العالم كله رغم مرور آلاف السنين!. شرع في التدوين، وهو يعي أنه من المحتمل أن يأتي من خلفهِ مَن يطيح برأسه؛ فتسيل دماؤه البريئة والطاهرة في الأرجاء، ملطخةٌ بردياته التي لا تقدر بثمن قبل أي شيء آخر من حوله.
كانت عربات الهكسوس وصهيل خيولهم تجول في الأرجاء، تفتش عنه كي تنال منه، بلا يأس تعدو؛ لكن ليس بإمكانها تحديد موقعه بالضبط!.
ينفتح الباب فجأة.. توقف قلب جيكايبرهة؛ ولكنه عاد لينبض مرة أخرى بمجرد أن تبصّر وأمعن النظر، فقد تحققت عيناه من رؤية الفاتح؛ إنها "شيمارا " منية الفؤاد ونبضه المتأجج حبًّالجيكاي؛ والتي كانت تُبادله نفس الشعور أيضًا؛ ولكن على ما يبدو أنّ قصتيهما مقدر لها الهلاك القدري كباقي قصص العشق المثالية التي لا يخطئ فيها المحبون في حق بعضهما البعض كما نعتاد.
كانت شيمارا كثيرة الرؤى؛ فقد أيقظتها رؤية تنذر بسوءٍ ما سيقع لحبيبها، دخلت عليه لم تنتبه لطرق الباب حتى، تنفست الصعداء حينما رأته لايزال حيًّا يرزق أمامها، التزما كلاهما بلصمت العاجز عن التفوه والبوح بأي شيء، فقد أصبح جيكاي هدفًا في يد مَن لا ييئس ولا يرحم إذا أصاب.
تزيغ بعينيها اللتين تملؤهما الدمعات عن النظر إليه بمجرد جلوسها؛ وعندما تمالك نفسه هو وبادر بسؤالها عن سبب تصرفها المُفاجئ هذا، لم تُجبه إلا بعد تفكير وقرار عنيد لا رجعة فيه بألّا تخبره عن رؤياها؛ فهي تعي كم القلق والخوف الذي يستشعره تلك الآونة بالذات، كما أنّ قلبها المُحب يأبى تصديق ما اعتادت تصديق تأويله.
قامت بلفِ ذراعيها حول خصره؛ بينما هو جالس على طاولته، أمامه الحبر السائل والذي يخيل له في بعض الأحيان أنه ما هو إلا دماؤه التي ستسيل مثله وتهدر في أي وقت، وكذلك التفت شيمارا برأسها على ظهره بعدما طوقته بذراعيها بقوة، طلبت منه أن يكمل ما يكتبه؛ فلطالما كان بداخل شيمارا فتاة مقاتلة محبة للعلم، وبإمكانها أن تدرك أنّ هناك درجات سامية للحب غير هذا الذي تكنه لجيكاي، كحبِ الوطن، والحب الأسمى على الإطلاق هو الحب الإنساني؛ الذي يجعل من كل شخصٍ فينا طاقة للخير ومحبة عموم الفائدة بصرف النظر عن الأعراق والانتماءات والأوطان.
هي تدرك ألا قيمة لحياتها بعد جيكاي، لذلك أقدمت فور استيقاظها من نومها إلى منزله؛ مقررةٌ أنها في حال إيجاده حي، لن تبرح الجلوس بجانبه أبدًا، وما يحدث له يجب أن يحدث لها قبله.
صوتُ قهقهةٌ شريرة من ساحرةٍ تملأ الكراهية والبغضاء قلبها، قابعةٌ خلف بلورتها السحرية تراقب ذلك المشهد المؤثر للغاية، فلم يمكنها حقدها وشرها من التأثر الطبيعي لذلك المشهد بأن تتعاطف معهما؛ فقد كانت قهقهتها بمثابة ضحكات ساخرة تتسبب في استمتاع لا يتمكن من فهمه أي إنسان يعي إنسانيته.
حقيقة الأمر لقد استعان كبار قادة الهكسوس بتلك المرأة التي تشتهر بإتقان الممارسات السحرية والشعوذة؛ لأجل الكشف لهم عن موقع جيكاي، وبمجرد أن نطقت العجوزُ الشرير بمكان جيكاي بعدما رأته في بلورتها الملعونة هذه، توجهوا على الفور لصرعه في داره.
فحيحُ الشر صوته يعلو بالقرب من العاشقينِ الصادقينِ، المترابطين والمتعاهدين على الخير والشر والسراء والضراء معًا، يدنو شيئًا فشيئًا؛ رغم أنّ لا رباط مقدس قد جمع بينهما بعد، ويعلو الحس أكثر فأكثر بدنوِ أرجل عرباتهم وعادياتهم التي ضربت بأقدامها الباب فأسقطته بركلةٍ واحدة بإمكانها الإيقاع بقلبِ كل مَن يشاهد أو يحضر تلك اللقطة الواهية.
كانا "جيكايوشيمارا" صادقين بما يكفي لأن تأتي قوى خفية متوهجة، تحيطهما وتظل في الإشعاع إلى أن تتلاشى ويتلاشى معها الاثنان بشكلٍ مفاجئ، فلن يتستطيع مدقق النظر والمتمعن فيه وقت حدوثه من تفسيره؛ حتى بعدما يهدأ من هول الصدمة إلى أن يقضي نحبه؛ حقًّا هكذا هي المعجزات!.
نعم؛ ربما كانا العاشقان "جيكايوشيمارا" محظوظيْن للغاية، فكم من فؤادٍ قد تهشم إثر فقد حبيب من نوعية جيكاي؛ ولكننا لسنا كذلك فلم نكن بمحظوظِين البتة؛ فمن المؤسف إخباركم بأنّ جيكايوشيمارا قد اختفيا وبحوزتهما (سر التحنيط)، وربما اختفى معهما أيضًا سر (طاقية الإخفاء)!
 
أعلى