- المشاهدات: 67
- الردود: 1
من الصعب أن تحن إلى شئ تكرهه وليس الطبيعى أن تود ذكريات موجعة تقتنص الحزن وتضربك به فى كبدك منذ اكثر من خريف ولم تتسكع فى ذاكرتى هذه الذكريات الموجعة فتسرقنى من واقعى الرغد فتلكمنى الذكرى لحين كنا أسرة نفترش طعامنا على حصير فى غرفة على أحد أسطح المنازل ،أذكر مرارة تصدق صاحب المنزل علينا ببعض الجنيهات بيده اليمنى ولا أنسى مرارة بطش لسانه وضربنا بسوط العطاء بيده اليسرى كان زادنا التمر وغطائنا ستر الله كانت أمى راضية كل الرضا وكان أبى معطاء كل العطاء كنت وأخى كثيراً ما نتذلل طلباً لبعض القروش كى نقتنص بها بعضاً من الحلوى من عم رضوان البقال لكن المال لم يكن يعرف لجيوبنا طريقاً كان عم رضوان يبيع الحلوى بثمن باهظ متعللاً بتعويضه لخسارته إثر تصدقه بالحلوى على الاطفال المصابين بالسكرى كان أبى يبتاع كل ما كان قابلاً للبيع كى يسد جوع بطوننا الصغيرة كنا نتمتى الموت قبل الشتاء فدائما ما كانت لسعات البرد تقبضنا كنت وأخى ننتفض من البرد لم يكن لدينا سوى كسوة صيفية واحدة كنا نقضى شتائنا فى تحامل قاسى كنا نظن أن جلدنا قد اعتاد لسعات البرد حتى زرانا شتاء لم نعهده من قبل كنت وأخى نائمين على حصير الغرفة نرتجف ،فرق البرد بين جفنى عنوة وشعرت بأبى يرمقنا من بعيد كانت أمى كثيراً ما تحذرنا ألا نطلب منه شيئاً متعللة بمشاكله الخاصة بالعمل كنا نستحى أن نطلب منه كسوة شتاء لكن أجسادنا الفضاحة كان لها رأى أخر فرأى أبى انتفاضتنا ورعشة أجسادنا الهزيلة ،شعرت بخنقته وحبسه للدموع ، أتى الصباح ومعه كسوتى شتاء فرح أخى بكسائه فرحة العصفور بحريته ،كنت أشتم رائحة أبى فى ردائى وكنت أتشبه على كسوتى الجديدة المتهالكة حتى أدركت أن والدى فصل ردائه لكسوتين لى وأخى وقضى الشتاء يتأفف من البرد القارس لا أدرى مامعنى التضحية لكنى أحسبها أبى
مرت أعوام عديدة علينا تبدلت أجسادنا ونفوسنا ومازال الفقر حليفاً لنا لا ينزع قبضتيه عنا فلا هو يرأف بحالنا فيهجرنا ولا يترك أرواحنا تغادر أجسادنا فى سلام
مرت سنوات الجامعة كريح دبور على أعجاز نخل كنت فى حيرة فى حفلة التخرج كنت أخشى نظرات الناس ومَنَهم على الطالب الجامعى الفقير شعرت أمى بما فى جوفى من حيرة وماهى إلا أيام قلائل ووجدت أمى تفاجئنى بزى جديد يليق بخريج جامعى حضرنا حفلة التخرج وكنت ككفيف عن كل من حولى من الفرحة فكانت سماء الأرض لا تسع أجنحتى ولا أرى سوى زي جديد حسبته يساوى بين الرؤوس فلما عدنا إلى المنزل لم أجد أقراط أمى على أذنيها فلما سألتها أخبرتنى أنها لا تريد ارتدائها هذه الأيام ومرت أيام وشهور وسنوات ولم أرى فيها أقراط أمى مرة أخرى ،كانت الحياة قاسية لم تترك لنا أى فرصة كنا نقتنص الأنفاس بنصب ومشقة كنت أرى والدى منكباً على عمله وديونه من شروق الشمس حتى فراقها كنت أصادفه فى المنزل والأعياد كأنه فضل أن يبتاع عمره كى نتنفس لم يكن يسيراً علينا أن يمر عمرنا بين غيابات الفقر كان حافظاً أميناً علينا وعلى مشاعرنا فلم يكن يرضى أن تمس كرامتنا صدقة أو تدخل فى جوفنا زكاة كان كتلة تضيحة تخطى على الأرض لم أكن أخشاه كباقى الأولاد كنت أفهمه وأقرأ ما فى ذهنه أذكر أن كان يخبرنى أنى توأمه وأنى مُضغة من فؤاده تخطى على الأرض كنت أوقره حاضراً وغائباً فكانت رغباته لا تعارضها نفسى كنت أهوى طاعته أصلى لأنه أخبرنى أن أصلى أفرح لأنه يفرح وأتوجع لأنه يتوجع كأننا نسيج واحد وشاء القدر أن ينفصل
كنت كثيراً ما أتلصص على أولاد الجيران وهم ينهشون فى لحوم الحلوى بشراهة بالغة وأتمنى لو كنت مثلهم أو كان مع والدى مثل ما مع والدهم كانت أمى تلاحظ هذه النظرات وتخبرنى أن البركة فى القليل الحلال خير من الكثير الحرام لم أكن حينها مدركاً للحلال والحرام لكنها أخبرتنى أن جارنا بائع مثل والدى لكنه يُطفف فى الميزان وأن والدى لو أراد لأصبح أغنى منه أضعافاً مُضاعفة لكنها تقوى الله
كانت أمى أكثر من يفهمنى لكننا لم نقدر أن نتلاقى فى نقطة أبداً فكانت دائماً ماتريدينى طبيباً وتسعى فى العمل كى تعاون والدى على تكاليف الكتب والدروس لكن المعضلة كل المعضلة أنها كانت تسعى فى حلمها هى وليس حلمى ورغبتى حتى حين خذلتها ولم ألتحق بكلية الطب أرادت منى أن أجتهد فى الدراسة كى أصبح محاضراً جامعياً على خلق عظيم أقدر تضحيتها وأنها على أتم استعداد أن تُطعمنى من لحمها اذا لم أجد الطعام وأنها ستطعمنى وتظل جائعة وتستلذ بجوعها مقابل رؤية بسمتى لكنها لم يكن لها حيلة إلا الدعاء ولم يكن لى حيلة إلا السعى والرجاء وهى أقدار مقدرة لا يقدر أن يغيرها أحد كانت توارى عن أبى المشاكل التى أصنعها وتختلق له الأعذار كى لا أنال قسطاً من بطشه وكانت أيضاً تهتم بحفظى لكتاب الله وتُعيننى على الطاعات فنصلى سوياً وتذكرنى بكل صلاة وكانت تشاركنى فى صدقاتها فتخصص بعض الجنيهات لى وكانت دائماً ما توقظنى وأخى على صلاة الفجر وتخبرنا أنها تريدنا فى الجنة سوياً فلا ينقص منا أحد وتذكرنا بالدعاء لأبى كى تُفك كربتنا ويكشف عنا ما بنا من غم ولأن الله جواد بلا حدود ويمن على عباده الصالحين المتقين نتنفس والصباح على صوتها وهى تردد بحنان ورفق انهضوا لتشهدوا توزيع ربنا للأرزاق
مرت أعوام عديدة علينا تبدلت أجسادنا ونفوسنا ومازال الفقر حليفاً لنا لا ينزع قبضتيه عنا فلا هو يرأف بحالنا فيهجرنا ولا يترك أرواحنا تغادر أجسادنا فى سلام
مرت سنوات الجامعة كريح دبور على أعجاز نخل كنت فى حيرة فى حفلة التخرج كنت أخشى نظرات الناس ومَنَهم على الطالب الجامعى الفقير شعرت أمى بما فى جوفى من حيرة وماهى إلا أيام قلائل ووجدت أمى تفاجئنى بزى جديد يليق بخريج جامعى حضرنا حفلة التخرج وكنت ككفيف عن كل من حولى من الفرحة فكانت سماء الأرض لا تسع أجنحتى ولا أرى سوى زي جديد حسبته يساوى بين الرؤوس فلما عدنا إلى المنزل لم أجد أقراط أمى على أذنيها فلما سألتها أخبرتنى أنها لا تريد ارتدائها هذه الأيام ومرت أيام وشهور وسنوات ولم أرى فيها أقراط أمى مرة أخرى ،كانت الحياة قاسية لم تترك لنا أى فرصة كنا نقتنص الأنفاس بنصب ومشقة كنت أرى والدى منكباً على عمله وديونه من شروق الشمس حتى فراقها كنت أصادفه فى المنزل والأعياد كأنه فضل أن يبتاع عمره كى نتنفس لم يكن يسيراً علينا أن يمر عمرنا بين غيابات الفقر كان حافظاً أميناً علينا وعلى مشاعرنا فلم يكن يرضى أن تمس كرامتنا صدقة أو تدخل فى جوفنا زكاة كان كتلة تضيحة تخطى على الأرض لم أكن أخشاه كباقى الأولاد كنت أفهمه وأقرأ ما فى ذهنه أذكر أن كان يخبرنى أنى توأمه وأنى مُضغة من فؤاده تخطى على الأرض كنت أوقره حاضراً وغائباً فكانت رغباته لا تعارضها نفسى كنت أهوى طاعته أصلى لأنه أخبرنى أن أصلى أفرح لأنه يفرح وأتوجع لأنه يتوجع كأننا نسيج واحد وشاء القدر أن ينفصل
كنت كثيراً ما أتلصص على أولاد الجيران وهم ينهشون فى لحوم الحلوى بشراهة بالغة وأتمنى لو كنت مثلهم أو كان مع والدى مثل ما مع والدهم كانت أمى تلاحظ هذه النظرات وتخبرنى أن البركة فى القليل الحلال خير من الكثير الحرام لم أكن حينها مدركاً للحلال والحرام لكنها أخبرتنى أن جارنا بائع مثل والدى لكنه يُطفف فى الميزان وأن والدى لو أراد لأصبح أغنى منه أضعافاً مُضاعفة لكنها تقوى الله
كانت أمى أكثر من يفهمنى لكننا لم نقدر أن نتلاقى فى نقطة أبداً فكانت دائماً ماتريدينى طبيباً وتسعى فى العمل كى تعاون والدى على تكاليف الكتب والدروس لكن المعضلة كل المعضلة أنها كانت تسعى فى حلمها هى وليس حلمى ورغبتى حتى حين خذلتها ولم ألتحق بكلية الطب أرادت منى أن أجتهد فى الدراسة كى أصبح محاضراً جامعياً على خلق عظيم أقدر تضحيتها وأنها على أتم استعداد أن تُطعمنى من لحمها اذا لم أجد الطعام وأنها ستطعمنى وتظل جائعة وتستلذ بجوعها مقابل رؤية بسمتى لكنها لم يكن لها حيلة إلا الدعاء ولم يكن لى حيلة إلا السعى والرجاء وهى أقدار مقدرة لا يقدر أن يغيرها أحد كانت توارى عن أبى المشاكل التى أصنعها وتختلق له الأعذار كى لا أنال قسطاً من بطشه وكانت أيضاً تهتم بحفظى لكتاب الله وتُعيننى على الطاعات فنصلى سوياً وتذكرنى بكل صلاة وكانت تشاركنى فى صدقاتها فتخصص بعض الجنيهات لى وكانت دائماً ما توقظنى وأخى على صلاة الفجر وتخبرنا أنها تريدنا فى الجنة سوياً فلا ينقص منا أحد وتذكرنا بالدعاء لأبى كى تُفك كربتنا ويكشف عنا ما بنا من غم ولأن الله جواد بلا حدود ويمن على عباده الصالحين المتقين نتنفس والصباح على صوتها وهى تردد بحنان ورفق انهضوا لتشهدوا توزيع ربنا للأرزاق