- المشاهدات: 76
- الردود: 1
تقول الأم:" يا بناتي، سيأتي يوم تنتهي فيه المعاناة، ستأكلن أشهى الأطعمة و ترتدين أجمل الملابس، سيكون لكن أزواج طيبون و أطفال أطيب، ستصرن غنيات جدا " تقاطعها ابنتها الصغرى قائلة :" لدرجة شراء كل ما أريد من علكة ؟" تجيبها الأم ضاحكة :" أجل يا بشرى" ثم تكمل حكايتها " ستصير لكن وظائف ممتازة الطبيبة و المدرسة و المهندسة". تقاطعها بشرى من جديد:" و أنت يا ماما ؟" فتغضب منى و أسماء و تقولان في ذات اللحظة :" كفى مقاطعة يا بشرى دعينا ننصت للقصة"، فتكمل الأم مبتسمة :" أنا يا بناتي، سأكون قادمة من الحج و ستكن في استقبالي رفقة أزواجكن و أحفادي ، و الجميع سيغني.. أيها الحجاج من أين قدمتم؟ ، و سنجيب من عند سيدنا رسول الله".
على الرغم من أن الأم حكت هذه القصة مئات المرات إلا أنه في كل ليلة تتحلق البنات الثلاث حولها ليستمعن لها كما لو أنها تقال لأول مرة، كانت هناك قصص عديدة أخرى لكن قصة الحجاج كما تسميها البنات ظلت المفضلة لديهن. و كانت طقوس كل ليلة تبدأ كما يلي؛ بعد أن تنهي البنات وظائفهن المدرسية، تجهز الأم طعام العشاء البسيط الذي غالبا ما يكون خبزا مغمسا في الشاي أو الحليب و في أيام نادرة قطعة دجاج ، ثم بعد الحرص على نظافة الطفلات الثلاث تجهز مكان المبيت فتفرشه بكل ما تملك من أفرشة، بعضها مهترئ و بعضها ممزق. كانت بشرى تسمي الفراش بفراش البهلوان. و لما سألنها عن سر الإسم العجيب قالت أن ألوان الأغطية مختلفة، الأحمر و الأزرق و الأخضر. وعندما تفرغ الأم من إعداد فراش المبيت، تتكئ داخله لفترة حتى تضمن تدفئته بحرارة جسدها ثم تدخل بناتها بسرعةمكانها. فلما تتخذ كل فتاة مكانها تبدأ في رواية قصصها التي ألفتها خصيصا لهن.
كانت الأم تعيش حياة تعيسة مع زوج قاس لا يتاونى عن ضربها و ضرب بناتها لأتفه الأسباب وما ينفك يتركها و بناتها جائعات. و لتحارب الظروف اخترعت قصة كان الزوج فيها يغادرهن إلى مكان مجهول.. كانت هذه القصة تمنح التعيسات الأربع لحظات إطمئنان و لو في الخيال. و فجأة ذات يوم، توفي الزوج. صدمت الأم فقد تحققت القصة و علمت أن القصص يمكن أن تتحقق و عليه يجب أن تؤلف قصصا تتفاءل بها خيرا على أسرتها الصغيرة.
من جهة أخرى، انهالت عروض الزواج على الأم التي لازالت في عنفوان شبابها و عززت بعروض أخرى من عائلة زوجها لتترك بناتها تحت رعايتهم، حتى أن بعضهم إقترح الفصل بين البنات لتتم رعاية كل واحدة في أسرة. لكن الأم رفضت كل العروض، و تمسكت ببناتها الثلاث: منى، أسماء و بشرى .. كانت محط سخرية النسوة فزوجها لم يترك إرثا و لا بيتا فقط دخل بسيط من عمله لا يكاد يدفع الإيجار فكيف يعيل ثلاثة بنات.
تركها الزوج في منزل مكترى صغير ليس موصلا بالكهرباء، فكانت أي متعة من تلفاز أو هاتف مستحيلة التحقق. لكن تصميم الأم لم يتوقف، فسخرت قدرتها على تأليف القصص لتحكي لبناتها ما يسعدهن و يجعلهن لا يشعرن بأي نقص. كانت في كل ليلة تشعل شمعة و تروي لبناتها المسلقيات في الفراش الدافئ ما يجعلهن ينمن و السعادة مرتسمة على وجوههن. لكن في بعض الليالي، كانت القصة تنتهي دون أن تنام البنات فتلاحظ الأم أن الضجر و السأم جرهن إلى صفه بدل النوم، فكانت تشير إلى الأضواء المتسللة من نافذتهم الصغيرة، أضواء سيارات تذهب و تجيئ فترى خيالاتها مرتسمة على حائط البيت المظلم.. كانت الأم تقول :" يا بنات هذه هي السينما الخاصة بنا ".. فتسأل الفتيات باستغراب : " أليست السينما قاعة كبيرة؟ كيف نملك سينما في منزلنا ولا نملك تلفازا صغيرا ؟" كانت هذه الأسئلة البريئة تضرب الأم في مقتل، تعلم جيدا أنها لا توفر لبناتها و لو البديهيات التي تتوفر في كل بيت، لكنها دائما تترك أفكارها لنفسها و ترد بذكاء:" هذه السينما تعطى لكل من ليس لديه تلفاز، لكن بإمكانكن الٱختيار بين الحصول على تلفاز و بين هذه السينما الرائعة و قصصي " .. دائما ما تحير الفتيات بين الإختيار و يساومن :" ألا نستطيع الحصول على الثلاثة ؟" تقول الأم ضاحكة :' بحضور التلفاز تتوقف قصصي و تسدل السينما ستائرها ".. فتصرخ الفتيات دفعة واحدة :" لا، نريد القصص و السينما" .. فيطمئن قلب الأم قليلا عالمة أنها اكتسبت مزيدا من الوقت لتدخر مبلغ إكتراء منزل بإضاءة و شراء التلفاز.
و بمرور السنين، صارت منى مدرسة لغة عربية و أسماء مدرسة و روائية و الصغرى بشرى طبيبة ماهرة .. و حدث أن بدأت حكاية الأم تتحقق بحذافيرها.. فقد تزوجت كل بنت من رجل طيب صانها و أصبح لكل واحدة عائلتها الصغرى.
و اليوم كان جد مميز فقد كان الجميع يعمل و يجهز قبل قدوم الحاجة.. و كان الصغير آدم يدور حول والدته بشرى و يمطرها أسئلة :" اليوم ستعود جدتي ؟" .. فتلثمه بشرى و تجيب :" أجل يا صغيري، اذهب الآن و خذ مقعدا لك في السيارة سألحق بكم حالا " ..
في المطار، كانت العائلة كبيرة برجالها و نسائها و أطفالها .. ينتظرون جميعا و كلهم شوق ليلتقوا بالحاجة.. صرخ آدم :" هاهي جدتي" و ركض معانقا إياها. كانت البنات الثلاث يرقبن والداهن بأعين دامعة و هن يرونها في ملابسها البيضاء الأنيقة كملك أرسله الرحمان ليعتني بهن و يغطيهن بأجنحته من كل أذى و سوء .. ركضن إليها و عانقنها باكيات لكن الأم قالت:" اليوم، يوم سعد و فرح و سرور، يكفي بكاء يا بناتي " .. مسحت البنات الثلاث دموعهن و بإشارة واحدة قلن:" أيها الحجاج من أين قدمتم ؟ "، صدمت الأم و بكت أضعاف ما نهت بناتها عنه ثم قالت و الدموع تغلبها :" من عند سيدنا رسول الله" .
على الرغم من أن الأم حكت هذه القصة مئات المرات إلا أنه في كل ليلة تتحلق البنات الثلاث حولها ليستمعن لها كما لو أنها تقال لأول مرة، كانت هناك قصص عديدة أخرى لكن قصة الحجاج كما تسميها البنات ظلت المفضلة لديهن. و كانت طقوس كل ليلة تبدأ كما يلي؛ بعد أن تنهي البنات وظائفهن المدرسية، تجهز الأم طعام العشاء البسيط الذي غالبا ما يكون خبزا مغمسا في الشاي أو الحليب و في أيام نادرة قطعة دجاج ، ثم بعد الحرص على نظافة الطفلات الثلاث تجهز مكان المبيت فتفرشه بكل ما تملك من أفرشة، بعضها مهترئ و بعضها ممزق. كانت بشرى تسمي الفراش بفراش البهلوان. و لما سألنها عن سر الإسم العجيب قالت أن ألوان الأغطية مختلفة، الأحمر و الأزرق و الأخضر. وعندما تفرغ الأم من إعداد فراش المبيت، تتكئ داخله لفترة حتى تضمن تدفئته بحرارة جسدها ثم تدخل بناتها بسرعةمكانها. فلما تتخذ كل فتاة مكانها تبدأ في رواية قصصها التي ألفتها خصيصا لهن.
كانت الأم تعيش حياة تعيسة مع زوج قاس لا يتاونى عن ضربها و ضرب بناتها لأتفه الأسباب وما ينفك يتركها و بناتها جائعات. و لتحارب الظروف اخترعت قصة كان الزوج فيها يغادرهن إلى مكان مجهول.. كانت هذه القصة تمنح التعيسات الأربع لحظات إطمئنان و لو في الخيال. و فجأة ذات يوم، توفي الزوج. صدمت الأم فقد تحققت القصة و علمت أن القصص يمكن أن تتحقق و عليه يجب أن تؤلف قصصا تتفاءل بها خيرا على أسرتها الصغيرة.
من جهة أخرى، انهالت عروض الزواج على الأم التي لازالت في عنفوان شبابها و عززت بعروض أخرى من عائلة زوجها لتترك بناتها تحت رعايتهم، حتى أن بعضهم إقترح الفصل بين البنات لتتم رعاية كل واحدة في أسرة. لكن الأم رفضت كل العروض، و تمسكت ببناتها الثلاث: منى، أسماء و بشرى .. كانت محط سخرية النسوة فزوجها لم يترك إرثا و لا بيتا فقط دخل بسيط من عمله لا يكاد يدفع الإيجار فكيف يعيل ثلاثة بنات.
تركها الزوج في منزل مكترى صغير ليس موصلا بالكهرباء، فكانت أي متعة من تلفاز أو هاتف مستحيلة التحقق. لكن تصميم الأم لم يتوقف، فسخرت قدرتها على تأليف القصص لتحكي لبناتها ما يسعدهن و يجعلهن لا يشعرن بأي نقص. كانت في كل ليلة تشعل شمعة و تروي لبناتها المسلقيات في الفراش الدافئ ما يجعلهن ينمن و السعادة مرتسمة على وجوههن. لكن في بعض الليالي، كانت القصة تنتهي دون أن تنام البنات فتلاحظ الأم أن الضجر و السأم جرهن إلى صفه بدل النوم، فكانت تشير إلى الأضواء المتسللة من نافذتهم الصغيرة، أضواء سيارات تذهب و تجيئ فترى خيالاتها مرتسمة على حائط البيت المظلم.. كانت الأم تقول :" يا بنات هذه هي السينما الخاصة بنا ".. فتسأل الفتيات باستغراب : " أليست السينما قاعة كبيرة؟ كيف نملك سينما في منزلنا ولا نملك تلفازا صغيرا ؟" كانت هذه الأسئلة البريئة تضرب الأم في مقتل، تعلم جيدا أنها لا توفر لبناتها و لو البديهيات التي تتوفر في كل بيت، لكنها دائما تترك أفكارها لنفسها و ترد بذكاء:" هذه السينما تعطى لكل من ليس لديه تلفاز، لكن بإمكانكن الٱختيار بين الحصول على تلفاز و بين هذه السينما الرائعة و قصصي " .. دائما ما تحير الفتيات بين الإختيار و يساومن :" ألا نستطيع الحصول على الثلاثة ؟" تقول الأم ضاحكة :' بحضور التلفاز تتوقف قصصي و تسدل السينما ستائرها ".. فتصرخ الفتيات دفعة واحدة :" لا، نريد القصص و السينما" .. فيطمئن قلب الأم قليلا عالمة أنها اكتسبت مزيدا من الوقت لتدخر مبلغ إكتراء منزل بإضاءة و شراء التلفاز.
و بمرور السنين، صارت منى مدرسة لغة عربية و أسماء مدرسة و روائية و الصغرى بشرى طبيبة ماهرة .. و حدث أن بدأت حكاية الأم تتحقق بحذافيرها.. فقد تزوجت كل بنت من رجل طيب صانها و أصبح لكل واحدة عائلتها الصغرى.
و اليوم كان جد مميز فقد كان الجميع يعمل و يجهز قبل قدوم الحاجة.. و كان الصغير آدم يدور حول والدته بشرى و يمطرها أسئلة :" اليوم ستعود جدتي ؟" .. فتلثمه بشرى و تجيب :" أجل يا صغيري، اذهب الآن و خذ مقعدا لك في السيارة سألحق بكم حالا " ..
في المطار، كانت العائلة كبيرة برجالها و نسائها و أطفالها .. ينتظرون جميعا و كلهم شوق ليلتقوا بالحاجة.. صرخ آدم :" هاهي جدتي" و ركض معانقا إياها. كانت البنات الثلاث يرقبن والداهن بأعين دامعة و هن يرونها في ملابسها البيضاء الأنيقة كملك أرسله الرحمان ليعتني بهن و يغطيهن بأجنحته من كل أذى و سوء .. ركضن إليها و عانقنها باكيات لكن الأم قالت:" اليوم، يوم سعد و فرح و سرور، يكفي بكاء يا بناتي " .. مسحت البنات الثلاث دموعهن و بإشارة واحدة قلن:" أيها الحجاج من أين قدمتم ؟ "، صدمت الأم و بكت أضعاف ما نهت بناتها عنه ثم قالت و الدموع تغلبها :" من عند سيدنا رسول الله" .