- المشاهدات: 90
- الردود: 1
تسعة أشهر
في حديث للأب مع ابنه عن فعل الخير الذي يؤدي إلى الثواب ، الثواب الذي ينتهي إلى الجنة .
طلب الأب إلى الابن وعلى سبيل الدعابة شيئا من تراب الجنة يأتيه به ممهلا إياه ساعة من الزمن ،
دهش الإبن عند سماعه كلام أبيه وفكر كيف يجيبه وهو ابن الثانية عشر ، تذكر أن أمه تنتظره عند خزان الماء تغسل الملابس مع الجارة لقد طلبت إليه مساعدتها في حمل سلة الغسيل إلى المنزل كم هو شاق هذا العمل و أي عمل ليس بشاق سأل بمرارة .
فقبل شروق الشمس انتبه إليها مستيقظة جمعت مقدار ماتحتاجه العائلة من الطحين في طشت العجين وقامت بعجنه ، قلبت العجينة مرارا ومرارا يديها الرقيقتين صارت مداميك في الطشت ترفع واحدة وتضغط بالأخرى بكل ما أوتيت أحس بأنفاسها تشهق و تزفر إحساسه سبب له ضيقا في صدره جعله يرمي بلحافه جانبا ويقوم من مكانه ، سألها إن كانت تريد المساعدة
لكن جوابها عذبه أكثر فأكثر : لاعليك بُني لاتتعب نفسك عُد إلى فراشك وأكمل نومك سأوقظك حالما يجهز الفطور .
كان البرد قارسا ولسعاته مؤلمة امتثل كلامها وعاد إلى فراشه و قد مد اللحاف حتى رقبته وهو يرقبها متحيرا في صبرها على البرد ثم .... غاب
في نومه رآها على فراش المرض ..
ماما، هل أنتِ بخير؟ لماذا تبدين متعبة دائمًا؟
الأم بصوت هادئ : حبيبي، أنا فقط متعبة قليلاً ، لا تقلق ، سأكون بخير .
ممسكاً بيدها : أنا قلق عليكِ . لا أحب رؤيتك هكذا ، هل يمكنني فعل شيء لأساعدك ؟
الأم تبتسم : وجودك بجانبي هو كل ما أحتاجه ، أنت تجعلني أشعر بالراحة ياحبيبي .
- لكني أريدك أن تتحسني ، لا أريدك أن تبقي مريضة.
الأم تضمه إليها بلطف : سأتحسن ، إن شاء الله فقط الأمر يحتاج لبعض الوقت عليك أن تكون قويًا مثلي بني ..حسناً؟
لكنه يرد بحزن : أفتقد وقتنا معًا أمي . كنتِ تلعبين معي وتضحكين ، الآن أنتِ دائمًا في الفراش.
الأم : أعلم، وأنا أشتاق لذلك أيضًا بني وعندما أتعافى، سنفعل كل الأشياء التي نحبها معًا، وعد مني .. أعدكَ .
بينما يمسح دموعهُ : هذا وعد أليس كذلك ؟
تضمّه بحنان : وعد .. أحبكَ .
بصوت مخنوق : وأنا أحبكِ أمي ، سأظل بجانبك حتى تتحسني .
الأم تغمض عينيها بهدوء بينما تتدحرج دمعة على وجهها ...
يفتح عينيه فجأة .. ينفض اللحاف .. يتلفّت يمينا وشمالا
صياح الديك جعله يتأكد : .. لقد كان حلماً
انتبه إلى أنه في المنزل وحده ، رفع رأسه و إذا بسفرة الفطور تنتظره زيت و زيتون وجبن وبيضتين مسلوقتين وبجانب السفرة الخبز الذي كانت أمه قد أعدته في الفجر
غسل وجهه بماء بارد ، هرول إلى مدفأة الحطب قذف بقطعتين من الحطب فوق جمرات متبقية في قعرها وجلس يتناول فطوره
لكنه ما إن أمسك الخبز تذكر أمه : إيه كم و كم لفحت وجهها النار وهي تلصق الرغيف على جدار التنور الملتهبة ، لطالما جلس قبالتها يراقب ويتألم وهي تمسح حبات العرق التي تزين جبينها أشبه ماتكون بحبات اللؤلؤ التي ترصع تاج الأميرة قالها ذات مرة .
أين هي الآن لاشك أنها لحقت بأبيه و أخته إلى الأرض ، عليهم قلع الأشواك و الحشائش وتجهيز الأرض قبل موسم الزرع ، قال أبوه سيزرع هذه السنة قمحا وفاصولياء .
بعد تناوله الفطور قرر اللحاق بهم ، لبس جاكيته الصوف الذي حاكته له أمه العام الماضي ، وانحدر على الطريق الترابي الذي حوله المطر إلى طريق من طين ، تذكر أيام الصيف كيف كان يحمل طعام الزاد ويمشي برفقة أمه على ذات الطريق .
تلك كانت أيام الحصاد حيث تستنفر العائلة كل جهد للملمة الموسم ، يقولون في بلاد أخرى الموسم تحصده الآلة وفي بلادنا الموسم تحصده الأيادي الطيبة المعرورقة لذلك يأكلون بلاطعم و نأكل بطعم الملح .... والحياة ورائحة الأرض و الطين .
عندها تذكر قصيدة المدرسة :
إنا نحب الورد لكنَّا نحبُ القمحَ أكثر
ونحبُّ عطرَ الورد لكنّ السنابلَ منهُ أطهر
هاقد اقترب ، يرتفع الطريق صعودا ثم يهبطُ على منحدرٍ لتنكشفَ الأرض .
أول مالاحت لعينيه أمه الحبيبة تحمل كومة قش تقبض عليها بكلتا يديها كما كانت تقبض عليه بعد عودته من المدرسة بكل حنانٍ و دفء إيه ياملكة الأمهات .
ابتسمَت له و صاحت : ولدي .. إلي ، ضمَّته .
التفتَ كلٌّ من أبيه و أخته ضحكا .
قالت أخته متعجبة : مرت ثلاثة أشهر على آخر لقاء بينكما أليس كذلك !!؟؟ ألم يكن معكِ في البيت منذ قليل .
لقد كانت أمه على وشك العودة إلى البيت ، عليها تحضير طعام الغداء قبل عودتهم إلى البيت مساء ، ظل يراقبها و هي تمشي على ذات الطريق ..... حتى غابت .
في المساء عاد مع أبيه و أخته إلى البيت استقبلتهم رائحة دجاجة مطهوة بماء الزنجبيل و الغار لقد تضور جوعا ...............
هيييي بني ... أين ذهبت يسأل الأب صارخا
يستفيق من شروده يلتفت إلى أبيه مستوضحا : ماذا أبي ؟
يرد الأب : هل تراب الجنة دفعك إلى كل هذا الشرود ؟
تراب الجنة ؟؟ يسأل .
لقد طلبتُ إليكَ شيئاً من تراب الجنة وبعدها غبت عن الوعي .
تراب الجنة ؟ فكر ثم ..
قفزَ من مكانه إلى فِناءِ البيت وجد أمّه مشغولة بقطاف البقدونس المزروع أمام منزلهم .
بعد دقيقة عاد إلى أبيه وبين يديه حفنةً من التراب وقال له : أبي إليك ترابَ الجنة الذي طلبت .
دُهِش الأب و سأل ولكن بني كيف حصلت عليه ؟
فأجاب :
من تحت أقدام أمي
.
في حديث للأب مع ابنه عن فعل الخير الذي يؤدي إلى الثواب ، الثواب الذي ينتهي إلى الجنة .
طلب الأب إلى الابن وعلى سبيل الدعابة شيئا من تراب الجنة يأتيه به ممهلا إياه ساعة من الزمن ،
دهش الإبن عند سماعه كلام أبيه وفكر كيف يجيبه وهو ابن الثانية عشر ، تذكر أن أمه تنتظره عند خزان الماء تغسل الملابس مع الجارة لقد طلبت إليه مساعدتها في حمل سلة الغسيل إلى المنزل كم هو شاق هذا العمل و أي عمل ليس بشاق سأل بمرارة .
فقبل شروق الشمس انتبه إليها مستيقظة جمعت مقدار ماتحتاجه العائلة من الطحين في طشت العجين وقامت بعجنه ، قلبت العجينة مرارا ومرارا يديها الرقيقتين صارت مداميك في الطشت ترفع واحدة وتضغط بالأخرى بكل ما أوتيت أحس بأنفاسها تشهق و تزفر إحساسه سبب له ضيقا في صدره جعله يرمي بلحافه جانبا ويقوم من مكانه ، سألها إن كانت تريد المساعدة
لكن جوابها عذبه أكثر فأكثر : لاعليك بُني لاتتعب نفسك عُد إلى فراشك وأكمل نومك سأوقظك حالما يجهز الفطور .
كان البرد قارسا ولسعاته مؤلمة امتثل كلامها وعاد إلى فراشه و قد مد اللحاف حتى رقبته وهو يرقبها متحيرا في صبرها على البرد ثم .... غاب
في نومه رآها على فراش المرض ..
ماما، هل أنتِ بخير؟ لماذا تبدين متعبة دائمًا؟
الأم بصوت هادئ : حبيبي، أنا فقط متعبة قليلاً ، لا تقلق ، سأكون بخير .
ممسكاً بيدها : أنا قلق عليكِ . لا أحب رؤيتك هكذا ، هل يمكنني فعل شيء لأساعدك ؟
الأم تبتسم : وجودك بجانبي هو كل ما أحتاجه ، أنت تجعلني أشعر بالراحة ياحبيبي .
- لكني أريدك أن تتحسني ، لا أريدك أن تبقي مريضة.
الأم تضمه إليها بلطف : سأتحسن ، إن شاء الله فقط الأمر يحتاج لبعض الوقت عليك أن تكون قويًا مثلي بني ..حسناً؟
لكنه يرد بحزن : أفتقد وقتنا معًا أمي . كنتِ تلعبين معي وتضحكين ، الآن أنتِ دائمًا في الفراش.
الأم : أعلم، وأنا أشتاق لذلك أيضًا بني وعندما أتعافى، سنفعل كل الأشياء التي نحبها معًا، وعد مني .. أعدكَ .
بينما يمسح دموعهُ : هذا وعد أليس كذلك ؟
تضمّه بحنان : وعد .. أحبكَ .
بصوت مخنوق : وأنا أحبكِ أمي ، سأظل بجانبك حتى تتحسني .
الأم تغمض عينيها بهدوء بينما تتدحرج دمعة على وجهها ...
يفتح عينيه فجأة .. ينفض اللحاف .. يتلفّت يمينا وشمالا
صياح الديك جعله يتأكد : .. لقد كان حلماً
انتبه إلى أنه في المنزل وحده ، رفع رأسه و إذا بسفرة الفطور تنتظره زيت و زيتون وجبن وبيضتين مسلوقتين وبجانب السفرة الخبز الذي كانت أمه قد أعدته في الفجر
غسل وجهه بماء بارد ، هرول إلى مدفأة الحطب قذف بقطعتين من الحطب فوق جمرات متبقية في قعرها وجلس يتناول فطوره
لكنه ما إن أمسك الخبز تذكر أمه : إيه كم و كم لفحت وجهها النار وهي تلصق الرغيف على جدار التنور الملتهبة ، لطالما جلس قبالتها يراقب ويتألم وهي تمسح حبات العرق التي تزين جبينها أشبه ماتكون بحبات اللؤلؤ التي ترصع تاج الأميرة قالها ذات مرة .
أين هي الآن لاشك أنها لحقت بأبيه و أخته إلى الأرض ، عليهم قلع الأشواك و الحشائش وتجهيز الأرض قبل موسم الزرع ، قال أبوه سيزرع هذه السنة قمحا وفاصولياء .
بعد تناوله الفطور قرر اللحاق بهم ، لبس جاكيته الصوف الذي حاكته له أمه العام الماضي ، وانحدر على الطريق الترابي الذي حوله المطر إلى طريق من طين ، تذكر أيام الصيف كيف كان يحمل طعام الزاد ويمشي برفقة أمه على ذات الطريق .
تلك كانت أيام الحصاد حيث تستنفر العائلة كل جهد للملمة الموسم ، يقولون في بلاد أخرى الموسم تحصده الآلة وفي بلادنا الموسم تحصده الأيادي الطيبة المعرورقة لذلك يأكلون بلاطعم و نأكل بطعم الملح .... والحياة ورائحة الأرض و الطين .
عندها تذكر قصيدة المدرسة :
إنا نحب الورد لكنَّا نحبُ القمحَ أكثر
ونحبُّ عطرَ الورد لكنّ السنابلَ منهُ أطهر
هاقد اقترب ، يرتفع الطريق صعودا ثم يهبطُ على منحدرٍ لتنكشفَ الأرض .
أول مالاحت لعينيه أمه الحبيبة تحمل كومة قش تقبض عليها بكلتا يديها كما كانت تقبض عليه بعد عودته من المدرسة بكل حنانٍ و دفء إيه ياملكة الأمهات .
ابتسمَت له و صاحت : ولدي .. إلي ، ضمَّته .
التفتَ كلٌّ من أبيه و أخته ضحكا .
قالت أخته متعجبة : مرت ثلاثة أشهر على آخر لقاء بينكما أليس كذلك !!؟؟ ألم يكن معكِ في البيت منذ قليل .
لقد كانت أمه على وشك العودة إلى البيت ، عليها تحضير طعام الغداء قبل عودتهم إلى البيت مساء ، ظل يراقبها و هي تمشي على ذات الطريق ..... حتى غابت .
في المساء عاد مع أبيه و أخته إلى البيت استقبلتهم رائحة دجاجة مطهوة بماء الزنجبيل و الغار لقد تضور جوعا ...............
هيييي بني ... أين ذهبت يسأل الأب صارخا
يستفيق من شروده يلتفت إلى أبيه مستوضحا : ماذا أبي ؟
يرد الأب : هل تراب الجنة دفعك إلى كل هذا الشرود ؟
تراب الجنة ؟؟ يسأل .
لقد طلبتُ إليكَ شيئاً من تراب الجنة وبعدها غبت عن الوعي .
تراب الجنة ؟ فكر ثم ..
قفزَ من مكانه إلى فِناءِ البيت وجد أمّه مشغولة بقطاف البقدونس المزروع أمام منزلهم .
بعد دقيقة عاد إلى أبيه وبين يديه حفنةً من التراب وقال له : أبي إليك ترابَ الجنة الذي طلبت .
دُهِش الأب و سأل ولكن بني كيف حصلت عليه ؟
فأجاب :
من تحت أقدام أمي
.