- المشاهدات: 130
- الردود: 2
البيت الخالي
جاءت العطلة الصيفية، كانت عطلة مختلفة عن أية
عطلة سبقتها؛ لقد زاد المرض على أمي ولم يجد معه علاج أو دواء، فوافتها المنية في آخر يوم من أيام تلك العطلة.
وفي ذكراها الأربعين التي لم نحيها كما كنا نفعل سابقا بعد علمنا بأنها بدعة لا تمت الى تعاليم ديننا الاسلامي بصلة، أيقنت أنها لن تعود أبدا فلقد رحلت فجأة مودعة دنيا الهوى وفؤادي بموتها انكوى واستحال إلى رماد.
في الغد، عدت إلى العمل وعيناي منتفختان من أثر الدموع وقلبي يعتصر من شدة الحزن ورجلاي لا تقويان على حملي.
وفي البيت لم أكن أستطيع دخول غرفة أمي فما أزال أشعر بوجودها في كل ركن من أركانها وأشم رائحتها في زواياه..
لكن شوقي وربما فضولي أيضا يدفعان إلى مطالعة المكان لكن لا ألبث أن أغادره على الفور.
وفي يوم عيد الأم أحزن كثيراً وأحس وكأنني في حداد وكأن يوم رحيلها قد عاد وضرب لي موعدا جديداً مع الشجن الذي أداريه بين أضلعي لكن عبراتي تفضحني.
ورغم مرور ثلاث سنوات على موت أمي فمازلت أشتاق إليها، إلى عتابها، إلى عناقها، وإلى كل شيء فيها..
رن هاتفي المحمول فجأة، نظرت الى شاشته، إنها أختي! يا ترى لماذا تتصل؟
فتحت المكالمة:
الو
الو.. أين أنت.. عودي إلى البيت حالاً فأمي مريضة..
حسنا سآتي حالاً.
وفي الطريق استرجعت الحديث الذي دار بيننا؛ أمي مريضة؟
ولكن أمي مريضة منذ زمن بعيد! ربما قد ماتت،
معقول أمي تموت دون أن أراها أو أودعها أو استسمحها أو اقبلها؟
كم تمنيت لحظتها أن تكون أمي مريضة فقط ودعوت الله كثيرا كي ألحقها قبل أن تغادر الحياة.
وصلت إلى البيت؛ هدوء شديد يعم المكان إذن أمي لازالت على قيد الحياة، توجهت إلى المطبخ، وجدت اختي الكبرى، أراها متماسكة، الحمد لله خابت ظنوني.
علي آن أصعد إلى الطابق العلوي وأتأكد من أن أمي بخير ولكن أختي لم تمهلني وسارعت إلى إخباري:
لقد ماتت أمي!
صعدت الدرج بسرعة رهيبة، دخلت إلى غرفة أمي، وجدت إحدى أخواتي تبكي والأخرى واقفة بالقرب منها، قبلتها، تبدو مبتسمة وكأنها لاتزال على قيد الحياة، وحرارة جسمها طبيعية إلى الحد الذي يشعرك بأنها حالة إغماء بسبب ارتفاع السكري ليس إلا!
انتظرنا طويلاً قبل أن نشيع جنازتها آملين أن تستفيق أمنا..
أمي لم تكن أمنا فقط، لقد كانت أبا لنا أيضا لسنوات طويلة، تحملت خلالها مشقة تربيتنا وضحت كثيرا لأجلنا، لأجل دراستنا، لأجل
مستقبلنا، لأجل راحتنا..
لذلك إن كان هناك شخص يستحق أن يصنع له تمثال فهو أمي..
أمي لم تكن أماً لنا فحسب بل كانت أماً لأطفال العائلة والحي أيضاً.
ذات يوم عدت إلى البيت بعد غياب طويل وعندما رأتني أمي شع ضوء من عينيها وهمت إلى احتضاني بقوة رغم مرضها وظلت كذلك للحظات.
قلت لها مازحة: لا بد أنكم قد ارتحتم من إزعاجي!
أمي: بالعكس، لا أريدك أن تبتعدي عني أبدا..
كان كلامها هذا مؤثراً جداً، وبعد أن غادرت الدنيا صرت أتذكر جل أحاديثها التي أعتبرها ذرراً ولآلئ تحتاج إلى من يدونها قبل أن تختفي من ذاكرتي.
اختلفت حياتي كثيراً بعد رحيل أمي وتغيرت وصار لها طعم آخر، أما المواسم والأعياد فأصبحت عبارة عن ذكريات حزينة تروي قصة عن الزمن الجميل..
، فتذرف عيوني عبرات من الشوق والحنين إلى أيام خوال كأنها مرت بالأمس القريب وينزف الجرح من جديد ..
أشتاق إليها، الى حضنها، لكن ما يسليني ويجبر بخاطري أنها تزورني بأحلامي بين الفينة والأخرى..
بعد رحيلها، أصبح البيت مختلفا تماما فوجودها كان يكفي ليشعرني بالأمان ويمنحني القوة ويشجعني على الاستمرار وتكرار المحاولة ومواجهة الصعاب.
كانت أمي امرأة طيبة جدا قل مثيلها في هذا الزمان وشخصية قوية تحدت الصعاب وظروف الحياة القاسية لتوصلنا إلى بر الأمان.
كما كانت تحب الناس وترحب بالضيوف ولا تقنط من وجودهم أبدا، وتحضر في معظم المناسبات التي تدعى إليها حزينة كانت أو سعيدة، وتعود المريض وتشفق على المكروب..
لكن ما يحز في قلبي كثيرا هو أنني لم أستطع أن أوفي أمي حقها ولن أوفيه أبدا مهما صنعت وستظل تعيش بقلبي وذاكرتي إلى الأبد.
أنا ممتنة كثيرا لوالدتي الرؤوم فلولاها لم أكن لأكمل تعليمي ولا لأدخل مجال العمل فقد كانت تقف دائما إلى جانبي وتشجعني وإذا ضايقتها لا تفتأ أن تعفو عني
وآخر شيء أقوله لها هو سامحيني
إن بيت الإنسان ليس جدرانا، بيته هو أمه وأبوه وأنا ليس لي أحد منهما..
كنت دائما أشعر بالوحدة ولكن بعد فقدي لأمي فهمت المعنى الحقيقي للوحدة وأصبحت حياتي فارغة أكثر من ذي قبل..
فلقد تغير نمط حياتي بأكمله، معقول لن أراها ثانية ولن أسمع صوتها مرة أخرى ولن أظفر بدعواتها..
برحيلها أحسست أن شيئا قد رحل من البيت ومن حياتي برمتها..
كنت ولا زلت شخصية متمردة ومهووسة بالحرية وكانت أمي تخاف علي كثيراً وكان خوفها هذا يقيدني، والآن أصبح بإمكاني أن أفعل أشياء لم أكن أجرؤ على مناقشتها مع والدتي..
ولكن لم أعد أريد تجربة شيء ولا خوض مغامرة جديدة كان بالإمكان أن تعترض عليها أمي في حياتها، ما اريده هو رضاها فقط ..
عانت والدتي كثيرا في حياتها خصوصا بعد موت والدي في سن مبكرة وواجهت الظروف القاسية لوحدها وتعرضت لمواقف صعبة فانعكس ذلك على رؤيتها للحياة والناس..
ولكن لم يعرف اليأس يوما طريقه إلى قلبها إلى أن باغتتها المنية في صباح يوم من أيام الصيف..
جاءت العطلة الصيفية، كانت عطلة مختلفة عن أية
عطلة سبقتها؛ لقد زاد المرض على أمي ولم يجد معه علاج أو دواء، فوافتها المنية في آخر يوم من أيام تلك العطلة.
وفي ذكراها الأربعين التي لم نحيها كما كنا نفعل سابقا بعد علمنا بأنها بدعة لا تمت الى تعاليم ديننا الاسلامي بصلة، أيقنت أنها لن تعود أبدا فلقد رحلت فجأة مودعة دنيا الهوى وفؤادي بموتها انكوى واستحال إلى رماد.
في الغد، عدت إلى العمل وعيناي منتفختان من أثر الدموع وقلبي يعتصر من شدة الحزن ورجلاي لا تقويان على حملي.
وفي البيت لم أكن أستطيع دخول غرفة أمي فما أزال أشعر بوجودها في كل ركن من أركانها وأشم رائحتها في زواياه..
لكن شوقي وربما فضولي أيضا يدفعان إلى مطالعة المكان لكن لا ألبث أن أغادره على الفور.
وفي يوم عيد الأم أحزن كثيراً وأحس وكأنني في حداد وكأن يوم رحيلها قد عاد وضرب لي موعدا جديداً مع الشجن الذي أداريه بين أضلعي لكن عبراتي تفضحني.
ورغم مرور ثلاث سنوات على موت أمي فمازلت أشتاق إليها، إلى عتابها، إلى عناقها، وإلى كل شيء فيها..
رن هاتفي المحمول فجأة، نظرت الى شاشته، إنها أختي! يا ترى لماذا تتصل؟
فتحت المكالمة:
الو
الو.. أين أنت.. عودي إلى البيت حالاً فأمي مريضة..
حسنا سآتي حالاً.
وفي الطريق استرجعت الحديث الذي دار بيننا؛ أمي مريضة؟
ولكن أمي مريضة منذ زمن بعيد! ربما قد ماتت،
معقول أمي تموت دون أن أراها أو أودعها أو استسمحها أو اقبلها؟
كم تمنيت لحظتها أن تكون أمي مريضة فقط ودعوت الله كثيرا كي ألحقها قبل أن تغادر الحياة.
وصلت إلى البيت؛ هدوء شديد يعم المكان إذن أمي لازالت على قيد الحياة، توجهت إلى المطبخ، وجدت اختي الكبرى، أراها متماسكة، الحمد لله خابت ظنوني.
علي آن أصعد إلى الطابق العلوي وأتأكد من أن أمي بخير ولكن أختي لم تمهلني وسارعت إلى إخباري:
لقد ماتت أمي!
صعدت الدرج بسرعة رهيبة، دخلت إلى غرفة أمي، وجدت إحدى أخواتي تبكي والأخرى واقفة بالقرب منها، قبلتها، تبدو مبتسمة وكأنها لاتزال على قيد الحياة، وحرارة جسمها طبيعية إلى الحد الذي يشعرك بأنها حالة إغماء بسبب ارتفاع السكري ليس إلا!
انتظرنا طويلاً قبل أن نشيع جنازتها آملين أن تستفيق أمنا..
أمي لم تكن أمنا فقط، لقد كانت أبا لنا أيضا لسنوات طويلة، تحملت خلالها مشقة تربيتنا وضحت كثيرا لأجلنا، لأجل دراستنا، لأجل
مستقبلنا، لأجل راحتنا..
لذلك إن كان هناك شخص يستحق أن يصنع له تمثال فهو أمي..
أمي لم تكن أماً لنا فحسب بل كانت أماً لأطفال العائلة والحي أيضاً.
ذات يوم عدت إلى البيت بعد غياب طويل وعندما رأتني أمي شع ضوء من عينيها وهمت إلى احتضاني بقوة رغم مرضها وظلت كذلك للحظات.
قلت لها مازحة: لا بد أنكم قد ارتحتم من إزعاجي!
أمي: بالعكس، لا أريدك أن تبتعدي عني أبدا..
كان كلامها هذا مؤثراً جداً، وبعد أن غادرت الدنيا صرت أتذكر جل أحاديثها التي أعتبرها ذرراً ولآلئ تحتاج إلى من يدونها قبل أن تختفي من ذاكرتي.
اختلفت حياتي كثيراً بعد رحيل أمي وتغيرت وصار لها طعم آخر، أما المواسم والأعياد فأصبحت عبارة عن ذكريات حزينة تروي قصة عن الزمن الجميل..
، فتذرف عيوني عبرات من الشوق والحنين إلى أيام خوال كأنها مرت بالأمس القريب وينزف الجرح من جديد ..
أشتاق إليها، الى حضنها، لكن ما يسليني ويجبر بخاطري أنها تزورني بأحلامي بين الفينة والأخرى..
بعد رحيلها، أصبح البيت مختلفا تماما فوجودها كان يكفي ليشعرني بالأمان ويمنحني القوة ويشجعني على الاستمرار وتكرار المحاولة ومواجهة الصعاب.
كانت أمي امرأة طيبة جدا قل مثيلها في هذا الزمان وشخصية قوية تحدت الصعاب وظروف الحياة القاسية لتوصلنا إلى بر الأمان.
كما كانت تحب الناس وترحب بالضيوف ولا تقنط من وجودهم أبدا، وتحضر في معظم المناسبات التي تدعى إليها حزينة كانت أو سعيدة، وتعود المريض وتشفق على المكروب..
لكن ما يحز في قلبي كثيرا هو أنني لم أستطع أن أوفي أمي حقها ولن أوفيه أبدا مهما صنعت وستظل تعيش بقلبي وذاكرتي إلى الأبد.
أنا ممتنة كثيرا لوالدتي الرؤوم فلولاها لم أكن لأكمل تعليمي ولا لأدخل مجال العمل فقد كانت تقف دائما إلى جانبي وتشجعني وإذا ضايقتها لا تفتأ أن تعفو عني
وآخر شيء أقوله لها هو سامحيني
إن بيت الإنسان ليس جدرانا، بيته هو أمه وأبوه وأنا ليس لي أحد منهما..
كنت دائما أشعر بالوحدة ولكن بعد فقدي لأمي فهمت المعنى الحقيقي للوحدة وأصبحت حياتي فارغة أكثر من ذي قبل..
فلقد تغير نمط حياتي بأكمله، معقول لن أراها ثانية ولن أسمع صوتها مرة أخرى ولن أظفر بدعواتها..
برحيلها أحسست أن شيئا قد رحل من البيت ومن حياتي برمتها..
كنت ولا زلت شخصية متمردة ومهووسة بالحرية وكانت أمي تخاف علي كثيراً وكان خوفها هذا يقيدني، والآن أصبح بإمكاني أن أفعل أشياء لم أكن أجرؤ على مناقشتها مع والدتي..
ولكن لم أعد أريد تجربة شيء ولا خوض مغامرة جديدة كان بالإمكان أن تعترض عليها أمي في حياتها، ما اريده هو رضاها فقط ..
عانت والدتي كثيرا في حياتها خصوصا بعد موت والدي في سن مبكرة وواجهت الظروف القاسية لوحدها وتعرضت لمواقف صعبة فانعكس ذلك على رؤيتها للحياة والناس..
ولكن لم يعرف اليأس يوما طريقه إلى قلبها إلى أن باغتتها المنية في صباح يوم من أيام الصيف..