- المشاهدات: 67
- الردود: 1
صورة أمان
أحد الأحياء الهادئة، بيت كبير ونافذة كبيرة، نصفها الأول مُستطيل وتنتهي بمنحنى دائري مُشرع الستائر يكشف عن حوافه الفضية الناعمة اللامعة، تحت خيوط الشمس المستيقظة، تعكس هذه النافذة المجردة من الزجاج؛ صورة دائمة لأهل بيتها، ملامح راحة للصبية وحنية فتيات لديهن كل شيء، وامتنان بالغ على خير البنون يُفسر ابتسام الأم والكرسي الفارغ بجوارها.
لكن الأبدان مرتجفة، لم يدق الموت بابهم ليسرق أحدهم أو تآكل بهم المرض، لكن أرواحهم كانت تبدو غير مطمئنة، مجوفة، ساكنة لكن أمنها عابر، تفتقد عمودًا يوقفها معتدلة صلبة، تفتقد والدها.
على طاولة الطعام الخشبية جلس الإبن الأكبر - حسن - يفكر في اتجاه النافذة "هل سيتناول أبي الفطور معنا اليوم؟"
خطوات ثقيلة تقاطع سرحانه، صباح الخير لأبنائي الأقوياء!
بصوت فَرِح رد الأبناء السبعة : صباح الخير بابا !!
الأب : يال حظي كانت بابا لا تُستخدم إلا في المناسبات أو الطلب.
ركضت وسن - أصغر البنات - لحضن أبيها : لقد اشتقنا إليك يا بابا
شاركها معن - أصغر الأولاد - : جدًا جدًا اشتقنا ولدي طلب، أبقى معنا اليوم فقط أرجوك
الأب : حسنا قد أمكث مع أبطالي للظهر لكن المساء لدي الـ …
" يوههههه " قاطعه الصوت الجماعي لأبنائه مرة أخرى.
أكمل معن يهز كتفه : هيا، إني أرجوك والمنشود حنون أرجوك أبقى
التفت الأب يرمق الأم بنظرة تطلب تعزيز لموقفه بينما اكتفت بإبراز كفيها إخلاء للمسؤولية فنطقت حنين بابتسامة هادئة : نعلم يا أبي بأهمية عملك وأنك يجب أن تكون مقابلًا للباب استعداد لأي طارئ، لكن نحن كذلك تحتاج هذه الدار أن يكون لها باب.
وقف كل من حسن وهالة ويزن ومعن يرفعون الأطباق بعد أن وصلهم جواب والدهم بهدوء وهو يبتعد ناحية الباب ذاهبًا لعمله، تاركًا حسن يتمتم "أكره ذلك الباب".
ينتصف القمر في السماء ويتسرب صوت ارتطام من الخارج، تصادم عالي ينبأ عن حادثة، أصوات مفاتيح الكهرباء الفزعة، لحظة وأضوأت جميع غرف المنزل يركض بينها الاخوة مطمئنين على بعضهم وأولًا على أمهم.
حسن بعينين تتفقد أرجاء الغرفة : أمي هل أنتِ بخير؟
الأم تقف قرب النافذه : نعم يا عزيزي لا تقلق لقد كان حادث سير لمركبتين لكن لم يتأذى أحد أنظر - تشير للنافذة -
حسن : الحمدلله، سأذهب لأعيد وسن إلى فراشها إذن.
عند غرفة الفتيات لوح حسن لـ وسن بعد أن وضعها في فراشها، تاركًا الباب مواربًا فلا زالت تكرر له "لاتقفل الباب، كلما يكون مغلقًا اشعر بأن هناك مكروه سيصيبنا".
أطل الصباح بأشعة ذهبية دافئة، أذابت رعب القلوب مع عودة الأب أخيرًا، كان قد ورده اتصال من الأم عما حصل وأراد تعويض أبناءه بمجموعة هدايا زاهية معه.
الأب : صباح الخير كيف حالكم الآن ياعزيزتي؟
تتجول وتوضب المنزل، أجابت الأم وهي تنظر إلى المزهرية : حمدلله بخير
الأب : أنا آسف لم أكن موجودًا، أين الصغار البيت هادئ؟
الأم : جميعهم في مدارسهم و وسن بالكاد تستيقظ
قفزات صغيرة من على الدرج : بابا !
الأب ملتفت لوسن بفرح : وسني المدللة تعالي يا صغيرتي.. هيا أخبريني كيف حالك؟
وسن : لقد فزعت كثيرًا بالأمس يا بابا، ليتك كنت موجودا لما خفت هكذا.
الأب : من الآن فصاعدًا أنا موجود يا حبيبتي متى شئتِ، وانظري ما الذي احضرته لكِ.
وسن بصرخة فرحة : الله فستان الكرز!!!
الأب : نعم وقد طلبته طلبًا خاصًا لحبيبتي وسن
وسن : شكرا بابا إنه جميل فعلا و.. ممم.. سأطلب من عم صالح يطيله قليلا.
الأب : يطيله؟ أليس بمقاسك؟
وسن : بلى لكن لا يغطي ساقي كلها وتظهر من خلاله كدماتي.
ابتعدت الصغيرة وسن بفستانها لامبالية بكلمتها بينما التفت الأب للأم وفي عينيه الدهشة : هل لازالت ؟
الأم : نعم أعتقد أنها لم تتخطى بعد
الأب : لا أزال لا أصدق أن كل هذا بسبب نوبة خوف أتتها فجأة من خيال غير موجود!
الأم : لاتنسى أن طبيبها قال بأنها كانت صدمة قوية عليها كثرت الخيالات وعندما وجدت الدمية المعلقة في الشجرة ليلًا ارتعبت، لو كنت موجودا لرأيت كيف كانت حالتها
الأب : أعلم لست هنا دائما وأعلم أنها ارتعبت
الأم : بل خافت جدا وهذا نتاجها ولن تتخطاها بسهولة.
يرن الهاتف مقاطعًا .. والرقم للأم مألوف… إنها مدرسة الأولاد.
الأم : الو؟.. نعم نعرفها، حسنا حسنا سآتي.. والده في المنزل اليوم أيمكنه القدوم؟ تمام شكرا لك.
الأب : ماذا هناك؟
الأم : إنه ريان ومشكلة ندى مجددًا
الأب : ندى!.. من ندى؟
الأم : زميلة ريان، ودائما ما يحاول أن يكون حارسها ويلعب دور البطل الخارق الذي يحميها من الشر
الأب : ابني البطل، يبدو أنه سيصبح جنديًا قويا مثل جده، لكن لم أفهم ما المشكلة في ذلك؟
الأم : اليوم منع الفتاة من نزول الفرصة لأن الفتية كانوا يتشاجرون واحتجزها في الفصل وقد اشتكى أهلها منه.
الأب : ريان يفعل كل هذا؟ لطالما كان الفتى الهادئ لماذا أصبح يتصرف بهذا الشكل؟.
الأم : ألم تنتبه؟ إنه يحاول منح غيره ما ينقصه
الأب : وما الذي ينقصه؟ سأشتريه له فورًا.
الأم بصوت عميق و ملامح تنظر لعيني الأب بشكل واضح : الأمااانننن
سقطت الشمس، وفي وقت متأخر من تلك الليلة، نامت الحركة واستيقظت الأفكار، مرت حنين بشكل عادي إلى المطبخ لتشرب كوب من الماء، لكنها وجدت والدها بشكل غير عادي يجلس في الصالة مضطجعا وضوء الغرفة خافت حد انعدام الرؤية، بينما كان عقله شاردًا لم ينتبه لحنين وهي تقترب حتى نادت عليه.
حنين : ابي لقد تأخر الوقت لماذا تجلس هنا هكذا؟
الأب يعدل جلسته بتنهيدة : لاشيء يا عزيزتي فقط بعض الأفكار
حنين : ما الذي يشغل بالك، أخبرني؟
الأب : لدي سؤال لكِ واريدك أن تكوني صريحة معي في اجابتك
حنين : ما الأمر يا أبي ٱنت تقلقني!
الأب : أنتِ يا جميلتي صغيرة لكنك ناضجة، فهل شعرتِ يوما أنني قصرت في حق أحدكم، أنتِ أو أحد أخوتك؟
حنين ترجع ظهرها للوراء : لا أبدا لم تقصر قطعًا
الأب : الحمدلله
وأكملت مقاطعة بصوت خافت : لكن في الحقيقة.. أقصرت علينا
الأب بنبرة صدمة : أقصرت!
بعجلة ردت : لا تتعجل فهمي، فنحن لم نشعر يوما اننا ناقصين و مختلفون عن غيرنا او اننا في حاجة وينقصنا شي، بل لدينا كل شي من أجدد شيء.
الأب : الحمدلله، هذا حرصي أن أجلب لكم كل شيء، إذن وبماذا تعنين بأني أقصرت!
أعتلت حنين نظرة لم تعتليها مسبقًا، مُخبأة خلف الكثير من التردد وبعض الخوف والقلق من وقعها على ابيها، إنه الحقيقة التي نندم على قولها لحظة خروجها، ولكن أكملت بتنهد :
الأمر ليس كله في الشراء.. هدايا… ثياب.. قوالب حلوى.. باحات تنافس لجلب كل جديد
أنظر لعيني يا أبي، ما الذي تراه؟
الأب : شعورًا لم أفقهه من قبل.
حنين : إنه شعور لم نشعر به نحن من قبل.
عم الصمت وارتفعت نظرات الخيبة ومن ثم أكملت
ليس لهذه الأبدان طاقة لحمل الثياب الباهظة وأرواحها ترتجف، ليست الأفواه تشتهي الطعام والصوت المفضل لا يجالسها، ليست أبواب النهار بسيطة و الليل بحلوه وهدوءه المصاحب للنوم العميق بدونك يا أبي!.
هشين، كل شيء فينا يهتز، وكل شيء به شيء مجوف لانك لست هنا يا أبي، أنت لُب أماننا، لطالما غمرتنا بحنانك لكن ذلك ليس كافيًا، أنت لا تعرف تفاصيل أيامنا المزدحمة ولم تخبئ لك الجزء الأكبر من ذكرياتنا، أمي إحاطتنا وحسن قام بما استطاعه والذي لا يستطيع القيام به هو أن يكون.. أب لنا.
أن نشعر في وجودك، أنه مهما حدث في الدنيا ومهما كان سيحدث هناك موطنا يُحصننا نعود له ويكون لنا؛، ألا نضطر بحثًا عن زر يشعرنا بالأمان.
أيام جارية، بيت كبير ونافذة كبيرة، نصفها الأول مُستطيل وتنتهي بمنحنى دائري مُشرع الستائر يكشف عن حوافه الناعمة اللامعة، تحت خيوط الشمس السعيدة، عكست النافذة صورة مُشعة، مُتلألئة علها دائمة لأهل بيتها، ملامح للصبية وبهجة لفتيات لديهن اهم شيء، وامتنان بالغ على راحة البنون يُفسر ابتسام الوالدين لشعور الأمان الغامر.
كتب بواسطة nouthought