- المؤلف
- كرم الأبنودي
- معلومات الطبعة
- كتاب عن الحكم والأمثال
الأمثال الشعبية الجنوبية قنا نموذجاً
قراءة فى كتاب الأمثال الشعبية الجنوبية قنا نموذجا للكاتب كرم الأبنودى الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة 2007 تاريخ النشر: 01/01/2007
كتابة : أحمد سعيد أبوزيد
الأمثال الشعبية (عناوين) لأحداث جرت ووقعت لأعيان بعينهم أول الأمر فخرج المثل الشعبى نتيجة لذلك غير أن المثل لايبلغ أن يكون حكماً إلا بعد أن نسبقه أحداث تحمل نفس الملابسات ونفس النتائج ومن أجل ذلك وحتى يكون الحدث حكماً فإنه يحتاج أولا إلى الصدق
وثانياً إلى جهد كبير ونحر شامل أوله صفة الشمولية كما يحتاج إلى رأى ثاقب وبصيرة نافذة وخبرة واسعة وفى النهاية يحتاج المثل إلى الصانع الحكيم صاحب الصياغة المدركة الذى يجمع الكثير من القليل ويختار من الأمثال ، ويختار من الكلمات أدلهـا
ومن الألفاظ أنفذها ، ومن العبارات أجزلها ليجعل من المثل آية في لمبنى وفى المعنى .
وأمثال الأمم نوافذ واسعة على ضيق كلماتها ، إذا نظرت من خلالها عرفت طعم
الأمم ومذاقها وتفكيرها بل وتحجم إيمانها ومعتقداتها ، بل إنها أحيانا الأسس الكاملة
أوشيه كاملة في التربية من خلال كلمات قليلة ، انظر معي واقرأ ما قاله المصريون : " إن
كبر أبنك خاوية " وتحذ الإنسان قليل الخبرة بالحياة فتقول له في المال : " القرش الأبيض
ينفع في اليوم الأسود وتبنيها إلى من يتخذ الدين ستاراً فتقول : "يصلى الفرض وينقب
الأرض " ، بل إن المثل العامي يستطيع أن يختصر حملة قوميه - كتلك التي توليها الدولة
عناية خاصة وهى تنظيم النسل - في بضع كلمات يسترن خلفهن ما يسترن من المعاني
والتحذيرات ، انظر ما يقوله مثلنا العامي وقد خرج من فم صاحبه ، وهو – أي صاحبه -
لا يعلم انه سيأتي على الأمة المصرية يوم ترعى فيه مشروعات كتنظيم النسل ، فيقول
المثل : عيال الفقري تاجي بدري " وبالرغم من التوحد الذي تعيشه مصر من شمالها إلى
جنوبها منذ الأزل ، التوحد الذي كان الأساس فيه هو الأرض والدين والجنس واللغة ، بل
والنيل الذي يجرى علينا في نفس الوقت الذي يجرى على إخواننا في الشمال
بالرغم من كل هذا فإننا نحن - الجنوبيين - كانت لنا أمثالنا الخاصة ، وتجربتا
الخاصة ، ورؤيتنا الخاصة ، بل ومخارج ألفاظنا الخاصة التي تميز بها عن سائر الناس
تجربة وألفاظا أكسبتها شمسنا الحارقة وبعدنا الجغرافي سمرة في لون رغيف الخبز الذي
اخرج من فم الفرن لتوه .... وفى هذا الباب سنترك المثل الوطني جانبا، ذلك لأنه مثل
مشترك بيننا وبين سائر محافظات مصر، وسنفرغ للمثل الجنوبي الذي لم يشاركنا احد في
صياغته أو تجربته لكننا نلاحظ ونحن نقرأ نصوص هذه الأمثال شيئا ملفتا قد لا يفطن إليه أبناء هذه المحافظة أنفسهم !!! شيء يدفع القارئ إلى التساؤل الملح : الألفاظ المستخدمة في صياغة المثل الجنوبي لماذا هي بهذه الحدة الظاهرة والصراحة التي تغلفها المكاشفة الغربية فتكسبها الصراحة مزيدا من المرارة ؟ هذا في جانب ، وعلى الجانب الأخر : لماذا هذه ) العين المقشرة ) كما يقولون في الجنوب ؛ لماذا هذا الاستخدام لأجزاء من عورات الإنسان بمسمياتها ومسميات الأفعال الصريحة والمباشرة ، التي تضع الجميع تقريبا - فيما عدا قائل المثل وأمثاله ممن لا يستشعرون الخجل عند سماعهم - لهذه الألفاظ - تضعهم
في دائرة الكسوف والتوراى ؟؟؟
إنه بالفعل شيء ملفت تماماً ورغم الصدق الشديد الذي نلاحظه في الصياغة هذه الصدق الذي - من فرطه - يجعلك تستعمل ذات المثل - من هذه النوعية التي نحاول أن نشير إليها - في لحظة الانفعال ، لكنك حين تستعرضه وأنت بعيد عن منطقة احتياجك له تجد نفسك قد خفضت صوتك خشية وخجلاً من أن يسمك البعض
ثم نفتح نافذة أخرى من نوافذ المثل الشعبي الجنوبي، فإذا بها تقضى إلى منطقة وعرة قاسية عانى ومازال يعانى منها هذا المجتمع الذي اعتقد - رغم كثرة مثقفة - أنه مازال مغلقاً ... إنها نافذة كريهة ولا شك ، إنها منطقة ( العصبية ) التي كانت مازالت السبب الرئيسي في كل شيء قميء نعانى منه الآن وعانينا منه في الماضي ، ففي الجنوب تتعدد القبائل والعصبيات ، والكل يعتقد في نفسه السيادة والإمرة والتميز ولكل عصبية وقبلية عاداتها التي تخصها ، ومن هذه القبائل : الإشراف ، الفلاحين الحميدات ، العرب، الهوراة ، الحلب، الغرابوة ، الجمسة ، الططر ، الغجر ، المساليب ، الأمارة . الجعافرة .. الخ ، حتى إننا نحس ونحن نقرأ بعض نصوص هذه الأمثال أنها كلمة حق أريد بها باطل ، وإنها قد وضعت لتزكى نار العصبية
من حيث إلى من ينتمي للرجل أم للمرأة سهل ويسير كما أسلفت
أمثال الرجال ودلالتها
( ١ ) " أعمر جاب له شلة " :-
المطاعنه من أعمال مركز إسنا بمحافظة الأقصر حالياً يقول أهل هذا البلد الذي يزخر بالمثقفين عن أعمر هذا رجل كان بالقرية قديماً ، وكان كثيفاً لا مروءة عنده ، لا يدخل على امرأته نشئ مما تستكفي به البيوت من مؤونه . وتصادف أن كان موجوداً بالبيت فسمعت امرأته طرقاً على الباب، فلما فتحت إذا هم أهلها جاءوا لزيارتها، فسلم عليهم أعمر وخرج على الفور. وغاب كثيراً ثم جاء ففتحت له زوجته ، فوجدته ممسكاً بعصي أعلاها مسمار يتدلى منه شيء ، فقالت : خرجت وغبت ولم تأت لأضيافك بشيء ؟؟؟؟ قال بل أحضرت قالت: أينه ؟؟ فقال خدي : ... وأعطاها العصي ؛ فنظرت إليها فإذا بهذا الشيء المتدلي من مسمارها شلة خيط . ولأنشر البلية ما يضحك أخذت زوجته العصي من يده وأخذت ترقص بها في الدار أما أهلها وهى تقول : أعمر جاب له شلة " وعلى هذا فإن مفهوم المثل يقترب من قولهم : تمخض الجبل فولد فأراً " والشلة : يقصد الخيط وفي القاموس : شل الثوب أي خاطه خياطة خفيفة متباعدة
(٢) " أول ما شطح نطح " .
شطح في السير أو القول أي استرسل وتباعد ؛ يقال لفلان الصوفي أحوال وشطحات ، ونطح أي نازله وقاومه ، ويقال : هذا أمر لا ينتطح فيه عنزان : أي لا يختلف عليـ اثنان ، وهذا مثل يقال فيمن يبدأ عملاً فيسترسل فيه من نهايته وكأنه عليم ببواطن الأممـ دون تريث ، كمن يتزوج يوم الخميس مثلا وعلى شيء تافه تجده يطلقها في صيـ السبت، هنا يقول له الناس زاجرين إياه إيه ده !! أول ما تشطح تنطح ، ويقال أيضا فيـ يستعجل خطوات أداء شيء ما قبل أن يتقن تعلمه فيقفز من خطوة ويتجاوز خطوات
(۳) " إصحف لوضهر حمارتك قصر
إصحف وهكذا تنطق في الجنوب وصحتها : ازحف ، ولست أدرى سببا لهذا الإبدال
، لكنه ربما كان ككلمة شمس التي تنطق شمش في بعض البلدان وسمس
أخرى.
في بلدان
وهو مثل يعلم منه الجنوبي أن يدور مع الدنيا، وان يتحايل عليها ، ويعلمن أنه إذا
ما ضاقت علينا الأمور فيجب أن نقلص. أحلامنا وأمنياتنا، وربما كان قريبا بعض الشيء
من حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم " صدق رسول الله
، غير أن الرسول يطلب منا أن نخشوشن تحسبا ن والمثل يطلب منا أن ندور في الدنيا
عند نزول الأمر ، والمثل في صياغته يحمل كناية رائعة لها صفة التوحد مع البيئة ،
ودلالته على ذلك تعد مفهومة تماماً
( ٤ ) " إدنالة الجزة ... طمع في الخروف
الجزة : صوف الشاة على مدار العام ، وفى المثل العربي، الذي يضرب للبخيل
المستغنى : رب جزة على شاة سوء ، والمثل الذي نحن بصدده يقترب كثيراً من معنــى
... دخل بحماره " ودلالته انه يضرب في الإنسان الطماع وهى
مثل آخر يقول : " سكتناله
واضحة في مفرداتها البسيطة
(۱) لا مكسور تاكلي .. ولا تصحيح تكسري .. وكلي لما تشبعي يا مراة ولدي
إنه مثل غريب ، تكمن غرابته في هذا التحفز العدائي الواضح أو العداء التحفزي
الذي غالباً ما ينشأ بين الحماة وزوجة الابن ، إن الحماة تعلم أنها إذا ما أخطأت في حق
تظل -
زوجة الابن بشكل متعمد وظالم ، والذي يستلزم تدخل الرجال من العائلتين لوضع الأمور
في نصابها ، إنها تعلم أن الحساب لحظتها سيكون صارماً واضحاً وحاداً ، لذلك فقد
صاغت المثل بحرص اللئيم أو لؤم الحريص حتي لا توقع نفسها في الخطأ ، لقد أنهت
المثل وهي تقول : " وكلي لما تشبعي يا مراة ولدي " وبذلك تعلن للجميع أنها لم تحرم
زوجة الابن من شئ ، لكن للنظر إلي بداية المثل " لا مكسور تاكلي ... ولا صحيح
تكسري !! "
أما زوجات الأبناء فيخدمن داخل
البيت الكبير من خلال خبرتها وتبعاً لإرشاداتها ، وإذا أردنا دليلاً علي ذلك من الموروث
أيضاً ، فلنذكر ما جاء في بكائية الأم (۳)
كانت كبيرة وعاملة
ريس
تفتح جرار المش وتليس
كانت كبيرة وعاملة قاضي
تفتح جرار المش وتهادي
فهل يمكن بعد هذه الدلالات أن نقول مثلاً كهذا صادر عن رجل ؟ ومالنا نحن وما
تأكله زوجات أبنائنا ؟؟
(۲) اللي يدي البلحة لولدي ألقي حلاوتها تحت سي
وأعتقد أن المثل يشرح نفسه
(۳) " ربت الخايبة للغايبة
هذا المثل يمثل عودة للعداء المتوقع بين الحماة وزوجة الابن ، لقد ارتضت الأم /
الحماة أن تصف نفسها بـــــــــ ( الخائبة) التي قامت علي تربية الصغير حتى أصبح في
عداد الرجال ، وسر خيبتها أنها ستمنحه عما قريب لامرأة غائبة هي حتى لم تعرفها بعد .
( ٤ ) " نيني نيني .. لما ياجي سيدي يشتريني "
في بلاد كهذه لا تستطيع الفتاة أن تنصب شباكها حول رجل تريده زوجاً لها ، فإنها
تظل ساكنة سكون السلعة علي الأرفف حتى يأتي من يلتقطها ، بل إن استخدامها للفظة
(سيدي) استخدام له صلة مباشرة بالدين المتغلغل في الجنوب عموماً ، ولنقرأ حديث النبي
صلي الله عليه وسلم : " الزواج رق ، فانظر أين تضع كريمتك " صدق رسول الله
كتاب فن الحزن للمؤلف . الصادر عن مكتبة الدراسات الشعبية . عدد (٥) مايو ١٩٩٦ . ص ١٩٤
٥ ) " راح يكيد ... جاب شوال وقيد .
- ( وقيد) هو الوقود أو الوقود أو ما تشغل به الأفران هنا ، لـ
لقد أبلغها
الخبثاء أن زوجها ينوي الاقتران بأخرى ، ورغم أن المسألة لم تزد عن كونها إشاعة ،
ورغم أنها لم ترها بعد إلا أنها :
•
. اعتبرت أن هذا التصرف منه كيداً لها .
أشارت بوضوح أن هذه القادمة لا ترقي لمستواها، ولا تعدو أن تكون إلا
جوالاً مملوءاً بأشياء كريهة تصلح لأن تكون وقوداً .
(٦) " دخلت الست ع الست تكسر الوسط
It
إن هذا المثل يمثل أحد الأسباب التي أدت إلي صياغة المثل الذي سبقه .
(۷) حاجة الجدع... ورآها التبع
إنها تبصر بنات جنسها وتنصحهن بألا يقبلن شيئاً من رجل ، أي رجل ، لأن
الرجال لا يقدمون شيئاً لوجه الله ، والـ (حاجة) في المثل تعني الشيء ، لذلك فالشيء
الذي يقدمه الجدع أو الرجل لا بد أن يكون وراءه مطلب يستتبعه ، وفي الغالب الأعم
سيكون مطلباً لا تحتمله الكرامة ، وسوف يسئ إليها بكل تأكيد ، لذلك تقول لبنات جنسها
: مهما كان احتياجكن لشيء فلا تطلبنه من غريب. فإن وراءه قضائه لكن استتباعاً ما أو
غرضاً ما.
(۸) " ولدي عايزني غنية ... وجوزي عايزني عفية
الغالبية العظمي من آباء الجنوب يشكلون بالنسبة للأبناء منطقة معتمة مجهولة
تجعل الأبناء يقتربون منهم - إذا ما اقتربوا - بحذر شديد وهيبة أشد ، لذلك ينصرف
معطم الأبناء علي المنطقة السلسة اللينة والرخوة ، وهي منطقة الأم ، لذلك يتوجه معظم
الأبناء بطلباتهم واحتياجاتهم إلي الأم لا إلي الأب ، يفعلون ذلك وهم يعلمون أن الأمهات
بلا مورد ، وليس لهن دخل مادي خاص بهن إلا من خلال الزوج - بخيلاً كان أم كريماً ،
میسور الحال أم فقيراً - وهنا تقع الأم بحنانها ورقتها - في دن الحيرة بين إرضاء الابن
والتحايل علي الأب لقضاء مصلحة أبنه ، لذلك شكت حالها حين صاغت المثل ، ولدي
عايزني غنية .. وجوزي عايزني عفية وذلك لأن لكل من الزوجة والزوج في الجنوب
له عباءه الخاصة التي لا يستساغ تعديها إلي أعباء الآخر منهما ، وذلك يجعل الرجل بالذات
علي قدر من الأنانية ، ورغم ما يحمله الجنوبي من إنسانية فياضة ورقة كبيرة يخبئها
تحت تضاريس وجهه السمراء المجعدة ، رغم كل ذلك ، فإذا ما اشتكت الزوجة ( من )
بعض التعب في أداء مصلحته الخاصة بالفراش تحيداً ، هنا يستخدم الزوج كلمة ( وأنا
مالي ) وكأنه يجب علي الزوجة أن تعيش بعافيتها العمر كله . لذلك كان الاستغراب
الاستنكاري الذي وضع هذا المثل علي لسان الزوجة الأم :
لا
" ولدي عايزني غنية
و
وجوزي عايزني عفية
:
" بخت السودا أم سنان وبخت الزينة طلع الجبل الندمان "
ينطلق هذا المثل من أفواه نسوة يستشعرن في أنفسهن جمالاً ما ، وهن يعرفن
نساء أقل منهن جمالاً ووضاءة ، لكنهن يتمتعن بحياة هنيئة ، فيقول المثل ما أجمل بخت
- والبخت في اللغة هو الحظ والجمع بخوت - جارتها السوداء ذات الأسنان البارزة غير
المستوية ، أما الزينة - وتقصد نفسها طبعاً - الجميلة البيضاء فقد مات بختها ودفن في
الجبل ولا رجاء فيه
(۱۰) " حماره نسيبي ولا واد ولدي .
كان نسيبها ، أي زوج ابنتها يزورها - أي حماته - بعد عقد القرآن ، وكان يترك
ركوبته - حمارته - أمام الباب الخارجي للمنزل ، وهي ( مهجرة ) أي مربوطة بحبل من
ليف النخل من خلاف ، اليد اليمني مع الرجل اليسرى بحبل واحد قصير ، كي لا تستطيع
الحركة ولا تتمكن من الهرب
وكان لحماته ابن ابن صغير يلهو أمام بيت الجدة ، وبجواره الحمارة ، فتصادف أن
رفسته الحمارة فمات الحفيد
دخل الجيران مسرعين يعلو وجوههم الهلع ينعون لها الطفل ، وكيف أن حمارة
نسيبها رفسته .. فمات
فضربت الحماة صدرها بقبضة يدها صارخة مستفسرة :
وحمارة نسيبي.. جرالها حاجة ؟؟ فكان المثل .
الذي لا يعرفه الكثيرون من أبناء الوطن أن زوج البنت في المجتمع القنائي له
مكانة عالية عند أهل العروس ، إنهم يعتبرونه حامي ) العار ) ، وذلك لأن المرأة في
[1:13 م، 2024/9/11] أحمد أبوزيد: المجتمع القنائي يطلق عليها ( العار ) ، لذلك فهي في حماية أبيها وأهلها حتى تتزوج
فإذا تزوجت كانت في حماية الزوج في المقام الأول ، فكأنه بذلك قد رفع عن كاهل أهلها
هذه الحماية الثقيلة ، لذلك وجب احترامه بشدة، خاصة لو كان علي قدر من الرجولة
والعدالة والعفة .
وهم - أي أهل الجنوب - تمييزا لزوج البنت يشيرون إليه عند تعريف الناس به
قائلين : " دا واخذ منينا ٢٤ ضلع " لكل ذلك يقدر أهل الجنوب أزواج بناتهم تقديرا خاصاً
من منطلق أنهم يقومون علي حماية أعراضهم.
إذا كان
أما الحماة في الجنوب فإنها تخص زوج ابنتها برعاية خاصة جداً ، خاصة .
كريماً تجاه ابنتها أو بالتعبير الدارج الجميل صياغة ومعني : حاططها في عينه
بل إن هناك قصة شعبية جميلة من حكايات الجنوب إضافة للمثل الذي نحن بصدده
، تقول الحكاية :
إن الحماة استضافت زوج ابنتها علي الإفطار علي مائدة تضم زوجها وأولادها
الذكور ، وصنعت لهم فطيراً مشرباً باللبن ، ووضعته - كطبيعة أهل هذه البلاد في
ماعون واحد كبير أفطح ، وجلست الأم بينهم وفي يدها زجاجة السمن البلدي المسدودة
فوهتها بسدادة من ليف النخل الأحمر ، تسمح بأن يسيل السمن من خلالها دون أن
ينسكب دفعة واحدة ، أخذت الحماة تدور بالزجاجة علي أماكن الجميع في الإناء الواحد
الكبير ، وهي تفتعل حديثاً توضح من خلاله صفات ابنتها الحميدة ، فكانت إذا ما وصلت
للجزء المقابل لنسيبها في الإناء أو القصعة وجهت الكلام إليه مثبتة يدها تاركة السمن
يسيل بكثرة أمامه ، وكأن الكلام هو الذي صرفها عن إدارة الزجاجة وهي تقول له :
أوعي تزعل بنتي ، خلي بالك منها ، والنبي لو زعلتها راح أخد علي خاطري منك خالص
... إلخ " وهي لا تقصد من هذه العبارة تحذير أو نصح ولكن تقصد أن تضع الكثير من
أن ينتبه زوجها أو أولادها إلى ذلك ، للقصة دلالة كريمة غاية في الله
السمن
أمامه
دون
أو دلالة لائمة غاية في الكرم .. لذلك كله قالت المرأة القناوية : " حمارة نسيبي )
ولا ولد
حين
ولدي " أي أهم من واد ولدي !!
"
قراءة فى كتاب الأمثال الشعبية الجنوبية قنا نموذجا للكاتب كرم الأبنودى الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة 2007 تاريخ النشر: 01/01/2007
كتابة : أحمد سعيد أبوزيد
الأمثال الشعبية (عناوين) لأحداث جرت ووقعت لأعيان بعينهم أول الأمر فخرج المثل الشعبى نتيجة لذلك غير أن المثل لايبلغ أن يكون حكماً إلا بعد أن نسبقه أحداث تحمل نفس الملابسات ونفس النتائج ومن أجل ذلك وحتى يكون الحدث حكماً فإنه يحتاج أولا إلى الصدق
وثانياً إلى جهد كبير ونحر شامل أوله صفة الشمولية كما يحتاج إلى رأى ثاقب وبصيرة نافذة وخبرة واسعة وفى النهاية يحتاج المثل إلى الصانع الحكيم صاحب الصياغة المدركة الذى يجمع الكثير من القليل ويختار من الأمثال ، ويختار من الكلمات أدلهـا
ومن الألفاظ أنفذها ، ومن العبارات أجزلها ليجعل من المثل آية في لمبنى وفى المعنى .
وأمثال الأمم نوافذ واسعة على ضيق كلماتها ، إذا نظرت من خلالها عرفت طعم
الأمم ومذاقها وتفكيرها بل وتحجم إيمانها ومعتقداتها ، بل إنها أحيانا الأسس الكاملة
أوشيه كاملة في التربية من خلال كلمات قليلة ، انظر معي واقرأ ما قاله المصريون : " إن
كبر أبنك خاوية " وتحذ الإنسان قليل الخبرة بالحياة فتقول له في المال : " القرش الأبيض
ينفع في اليوم الأسود وتبنيها إلى من يتخذ الدين ستاراً فتقول : "يصلى الفرض وينقب
الأرض " ، بل إن المثل العامي يستطيع أن يختصر حملة قوميه - كتلك التي توليها الدولة
عناية خاصة وهى تنظيم النسل - في بضع كلمات يسترن خلفهن ما يسترن من المعاني
والتحذيرات ، انظر ما يقوله مثلنا العامي وقد خرج من فم صاحبه ، وهو – أي صاحبه -
لا يعلم انه سيأتي على الأمة المصرية يوم ترعى فيه مشروعات كتنظيم النسل ، فيقول
المثل : عيال الفقري تاجي بدري " وبالرغم من التوحد الذي تعيشه مصر من شمالها إلى
جنوبها منذ الأزل ، التوحد الذي كان الأساس فيه هو الأرض والدين والجنس واللغة ، بل
والنيل الذي يجرى علينا في نفس الوقت الذي يجرى على إخواننا في الشمال
بالرغم من كل هذا فإننا نحن - الجنوبيين - كانت لنا أمثالنا الخاصة ، وتجربتا
الخاصة ، ورؤيتنا الخاصة ، بل ومخارج ألفاظنا الخاصة التي تميز بها عن سائر الناس
تجربة وألفاظا أكسبتها شمسنا الحارقة وبعدنا الجغرافي سمرة في لون رغيف الخبز الذي
اخرج من فم الفرن لتوه .... وفى هذا الباب سنترك المثل الوطني جانبا، ذلك لأنه مثل
مشترك بيننا وبين سائر محافظات مصر، وسنفرغ للمثل الجنوبي الذي لم يشاركنا احد في
صياغته أو تجربته لكننا نلاحظ ونحن نقرأ نصوص هذه الأمثال شيئا ملفتا قد لا يفطن إليه أبناء هذه المحافظة أنفسهم !!! شيء يدفع القارئ إلى التساؤل الملح : الألفاظ المستخدمة في صياغة المثل الجنوبي لماذا هي بهذه الحدة الظاهرة والصراحة التي تغلفها المكاشفة الغربية فتكسبها الصراحة مزيدا من المرارة ؟ هذا في جانب ، وعلى الجانب الأخر : لماذا هذه ) العين المقشرة ) كما يقولون في الجنوب ؛ لماذا هذا الاستخدام لأجزاء من عورات الإنسان بمسمياتها ومسميات الأفعال الصريحة والمباشرة ، التي تضع الجميع تقريبا - فيما عدا قائل المثل وأمثاله ممن لا يستشعرون الخجل عند سماعهم - لهذه الألفاظ - تضعهم
في دائرة الكسوف والتوراى ؟؟؟
إنه بالفعل شيء ملفت تماماً ورغم الصدق الشديد الذي نلاحظه في الصياغة هذه الصدق الذي - من فرطه - يجعلك تستعمل ذات المثل - من هذه النوعية التي نحاول أن نشير إليها - في لحظة الانفعال ، لكنك حين تستعرضه وأنت بعيد عن منطقة احتياجك له تجد نفسك قد خفضت صوتك خشية وخجلاً من أن يسمك البعض
ثم نفتح نافذة أخرى من نوافذ المثل الشعبي الجنوبي، فإذا بها تقضى إلى منطقة وعرة قاسية عانى ومازال يعانى منها هذا المجتمع الذي اعتقد - رغم كثرة مثقفة - أنه مازال مغلقاً ... إنها نافذة كريهة ولا شك ، إنها منطقة ( العصبية ) التي كانت مازالت السبب الرئيسي في كل شيء قميء نعانى منه الآن وعانينا منه في الماضي ، ففي الجنوب تتعدد القبائل والعصبيات ، والكل يعتقد في نفسه السيادة والإمرة والتميز ولكل عصبية وقبلية عاداتها التي تخصها ، ومن هذه القبائل : الإشراف ، الفلاحين الحميدات ، العرب، الهوراة ، الحلب، الغرابوة ، الجمسة ، الططر ، الغجر ، المساليب ، الأمارة . الجعافرة .. الخ ، حتى إننا نحس ونحن نقرأ بعض نصوص هذه الأمثال أنها كلمة حق أريد بها باطل ، وإنها قد وضعت لتزكى نار العصبية
من حيث إلى من ينتمي للرجل أم للمرأة سهل ويسير كما أسلفت
أمثال الرجال ودلالتها
( ١ ) " أعمر جاب له شلة " :-
المطاعنه من أعمال مركز إسنا بمحافظة الأقصر حالياً يقول أهل هذا البلد الذي يزخر بالمثقفين عن أعمر هذا رجل كان بالقرية قديماً ، وكان كثيفاً لا مروءة عنده ، لا يدخل على امرأته نشئ مما تستكفي به البيوت من مؤونه . وتصادف أن كان موجوداً بالبيت فسمعت امرأته طرقاً على الباب، فلما فتحت إذا هم أهلها جاءوا لزيارتها، فسلم عليهم أعمر وخرج على الفور. وغاب كثيراً ثم جاء ففتحت له زوجته ، فوجدته ممسكاً بعصي أعلاها مسمار يتدلى منه شيء ، فقالت : خرجت وغبت ولم تأت لأضيافك بشيء ؟؟؟؟ قال بل أحضرت قالت: أينه ؟؟ فقال خدي : ... وأعطاها العصي ؛ فنظرت إليها فإذا بهذا الشيء المتدلي من مسمارها شلة خيط . ولأنشر البلية ما يضحك أخذت زوجته العصي من يده وأخذت ترقص بها في الدار أما أهلها وهى تقول : أعمر جاب له شلة " وعلى هذا فإن مفهوم المثل يقترب من قولهم : تمخض الجبل فولد فأراً " والشلة : يقصد الخيط وفي القاموس : شل الثوب أي خاطه خياطة خفيفة متباعدة
(٢) " أول ما شطح نطح " .
شطح في السير أو القول أي استرسل وتباعد ؛ يقال لفلان الصوفي أحوال وشطحات ، ونطح أي نازله وقاومه ، ويقال : هذا أمر لا ينتطح فيه عنزان : أي لا يختلف عليـ اثنان ، وهذا مثل يقال فيمن يبدأ عملاً فيسترسل فيه من نهايته وكأنه عليم ببواطن الأممـ دون تريث ، كمن يتزوج يوم الخميس مثلا وعلى شيء تافه تجده يطلقها في صيـ السبت، هنا يقول له الناس زاجرين إياه إيه ده !! أول ما تشطح تنطح ، ويقال أيضا فيـ يستعجل خطوات أداء شيء ما قبل أن يتقن تعلمه فيقفز من خطوة ويتجاوز خطوات
(۳) " إصحف لوضهر حمارتك قصر
إصحف وهكذا تنطق في الجنوب وصحتها : ازحف ، ولست أدرى سببا لهذا الإبدال
، لكنه ربما كان ككلمة شمس التي تنطق شمش في بعض البلدان وسمس
أخرى.
في بلدان
وهو مثل يعلم منه الجنوبي أن يدور مع الدنيا، وان يتحايل عليها ، ويعلمن أنه إذا
ما ضاقت علينا الأمور فيجب أن نقلص. أحلامنا وأمنياتنا، وربما كان قريبا بعض الشيء
من حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم " صدق رسول الله
، غير أن الرسول يطلب منا أن نخشوشن تحسبا ن والمثل يطلب منا أن ندور في الدنيا
عند نزول الأمر ، والمثل في صياغته يحمل كناية رائعة لها صفة التوحد مع البيئة ،
ودلالته على ذلك تعد مفهومة تماماً
( ٤ ) " إدنالة الجزة ... طمع في الخروف
الجزة : صوف الشاة على مدار العام ، وفى المثل العربي، الذي يضرب للبخيل
المستغنى : رب جزة على شاة سوء ، والمثل الذي نحن بصدده يقترب كثيراً من معنــى
... دخل بحماره " ودلالته انه يضرب في الإنسان الطماع وهى
مثل آخر يقول : " سكتناله
واضحة في مفرداتها البسيطة
(۱) لا مكسور تاكلي .. ولا تصحيح تكسري .. وكلي لما تشبعي يا مراة ولدي
إنه مثل غريب ، تكمن غرابته في هذا التحفز العدائي الواضح أو العداء التحفزي
الذي غالباً ما ينشأ بين الحماة وزوجة الابن ، إن الحماة تعلم أنها إذا ما أخطأت في حق
تظل -
زوجة الابن بشكل متعمد وظالم ، والذي يستلزم تدخل الرجال من العائلتين لوضع الأمور
في نصابها ، إنها تعلم أن الحساب لحظتها سيكون صارماً واضحاً وحاداً ، لذلك فقد
صاغت المثل بحرص اللئيم أو لؤم الحريص حتي لا توقع نفسها في الخطأ ، لقد أنهت
المثل وهي تقول : " وكلي لما تشبعي يا مراة ولدي " وبذلك تعلن للجميع أنها لم تحرم
زوجة الابن من شئ ، لكن للنظر إلي بداية المثل " لا مكسور تاكلي ... ولا صحيح
تكسري !! "
أما زوجات الأبناء فيخدمن داخل
البيت الكبير من خلال خبرتها وتبعاً لإرشاداتها ، وإذا أردنا دليلاً علي ذلك من الموروث
أيضاً ، فلنذكر ما جاء في بكائية الأم (۳)
كانت كبيرة وعاملة
ريس
تفتح جرار المش وتليس
كانت كبيرة وعاملة قاضي
تفتح جرار المش وتهادي
فهل يمكن بعد هذه الدلالات أن نقول مثلاً كهذا صادر عن رجل ؟ ومالنا نحن وما
تأكله زوجات أبنائنا ؟؟
(۲) اللي يدي البلحة لولدي ألقي حلاوتها تحت سي
وأعتقد أن المثل يشرح نفسه
(۳) " ربت الخايبة للغايبة
هذا المثل يمثل عودة للعداء المتوقع بين الحماة وزوجة الابن ، لقد ارتضت الأم /
الحماة أن تصف نفسها بـــــــــ ( الخائبة) التي قامت علي تربية الصغير حتى أصبح في
عداد الرجال ، وسر خيبتها أنها ستمنحه عما قريب لامرأة غائبة هي حتى لم تعرفها بعد .
( ٤ ) " نيني نيني .. لما ياجي سيدي يشتريني "
في بلاد كهذه لا تستطيع الفتاة أن تنصب شباكها حول رجل تريده زوجاً لها ، فإنها
تظل ساكنة سكون السلعة علي الأرفف حتى يأتي من يلتقطها ، بل إن استخدامها للفظة
(سيدي) استخدام له صلة مباشرة بالدين المتغلغل في الجنوب عموماً ، ولنقرأ حديث النبي
صلي الله عليه وسلم : " الزواج رق ، فانظر أين تضع كريمتك " صدق رسول الله
كتاب فن الحزن للمؤلف . الصادر عن مكتبة الدراسات الشعبية . عدد (٥) مايو ١٩٩٦ . ص ١٩٤
٥ ) " راح يكيد ... جاب شوال وقيد .
- ( وقيد) هو الوقود أو الوقود أو ما تشغل به الأفران هنا ، لـ
لقد أبلغها
الخبثاء أن زوجها ينوي الاقتران بأخرى ، ورغم أن المسألة لم تزد عن كونها إشاعة ،
ورغم أنها لم ترها بعد إلا أنها :
•
. اعتبرت أن هذا التصرف منه كيداً لها .
أشارت بوضوح أن هذه القادمة لا ترقي لمستواها، ولا تعدو أن تكون إلا
جوالاً مملوءاً بأشياء كريهة تصلح لأن تكون وقوداً .
(٦) " دخلت الست ع الست تكسر الوسط
It
إن هذا المثل يمثل أحد الأسباب التي أدت إلي صياغة المثل الذي سبقه .
(۷) حاجة الجدع... ورآها التبع
إنها تبصر بنات جنسها وتنصحهن بألا يقبلن شيئاً من رجل ، أي رجل ، لأن
الرجال لا يقدمون شيئاً لوجه الله ، والـ (حاجة) في المثل تعني الشيء ، لذلك فالشيء
الذي يقدمه الجدع أو الرجل لا بد أن يكون وراءه مطلب يستتبعه ، وفي الغالب الأعم
سيكون مطلباً لا تحتمله الكرامة ، وسوف يسئ إليها بكل تأكيد ، لذلك تقول لبنات جنسها
: مهما كان احتياجكن لشيء فلا تطلبنه من غريب. فإن وراءه قضائه لكن استتباعاً ما أو
غرضاً ما.
(۸) " ولدي عايزني غنية ... وجوزي عايزني عفية
الغالبية العظمي من آباء الجنوب يشكلون بالنسبة للأبناء منطقة معتمة مجهولة
تجعل الأبناء يقتربون منهم - إذا ما اقتربوا - بحذر شديد وهيبة أشد ، لذلك ينصرف
معطم الأبناء علي المنطقة السلسة اللينة والرخوة ، وهي منطقة الأم ، لذلك يتوجه معظم
الأبناء بطلباتهم واحتياجاتهم إلي الأم لا إلي الأب ، يفعلون ذلك وهم يعلمون أن الأمهات
بلا مورد ، وليس لهن دخل مادي خاص بهن إلا من خلال الزوج - بخيلاً كان أم كريماً ،
میسور الحال أم فقيراً - وهنا تقع الأم بحنانها ورقتها - في دن الحيرة بين إرضاء الابن
والتحايل علي الأب لقضاء مصلحة أبنه ، لذلك شكت حالها حين صاغت المثل ، ولدي
عايزني غنية .. وجوزي عايزني عفية وذلك لأن لكل من الزوجة والزوج في الجنوب
له عباءه الخاصة التي لا يستساغ تعديها إلي أعباء الآخر منهما ، وذلك يجعل الرجل بالذات
علي قدر من الأنانية ، ورغم ما يحمله الجنوبي من إنسانية فياضة ورقة كبيرة يخبئها
تحت تضاريس وجهه السمراء المجعدة ، رغم كل ذلك ، فإذا ما اشتكت الزوجة ( من )
بعض التعب في أداء مصلحته الخاصة بالفراش تحيداً ، هنا يستخدم الزوج كلمة ( وأنا
مالي ) وكأنه يجب علي الزوجة أن تعيش بعافيتها العمر كله . لذلك كان الاستغراب
الاستنكاري الذي وضع هذا المثل علي لسان الزوجة الأم :
لا
" ولدي عايزني غنية
و
وجوزي عايزني عفية
:
" بخت السودا أم سنان وبخت الزينة طلع الجبل الندمان "
ينطلق هذا المثل من أفواه نسوة يستشعرن في أنفسهن جمالاً ما ، وهن يعرفن
نساء أقل منهن جمالاً ووضاءة ، لكنهن يتمتعن بحياة هنيئة ، فيقول المثل ما أجمل بخت
- والبخت في اللغة هو الحظ والجمع بخوت - جارتها السوداء ذات الأسنان البارزة غير
المستوية ، أما الزينة - وتقصد نفسها طبعاً - الجميلة البيضاء فقد مات بختها ودفن في
الجبل ولا رجاء فيه
(۱۰) " حماره نسيبي ولا واد ولدي .
كان نسيبها ، أي زوج ابنتها يزورها - أي حماته - بعد عقد القرآن ، وكان يترك
ركوبته - حمارته - أمام الباب الخارجي للمنزل ، وهي ( مهجرة ) أي مربوطة بحبل من
ليف النخل من خلاف ، اليد اليمني مع الرجل اليسرى بحبل واحد قصير ، كي لا تستطيع
الحركة ولا تتمكن من الهرب
وكان لحماته ابن ابن صغير يلهو أمام بيت الجدة ، وبجواره الحمارة ، فتصادف أن
رفسته الحمارة فمات الحفيد
دخل الجيران مسرعين يعلو وجوههم الهلع ينعون لها الطفل ، وكيف أن حمارة
نسيبها رفسته .. فمات
فضربت الحماة صدرها بقبضة يدها صارخة مستفسرة :
وحمارة نسيبي.. جرالها حاجة ؟؟ فكان المثل .
الذي لا يعرفه الكثيرون من أبناء الوطن أن زوج البنت في المجتمع القنائي له
مكانة عالية عند أهل العروس ، إنهم يعتبرونه حامي ) العار ) ، وذلك لأن المرأة في
[1:13 م، 2024/9/11] أحمد أبوزيد: المجتمع القنائي يطلق عليها ( العار ) ، لذلك فهي في حماية أبيها وأهلها حتى تتزوج
فإذا تزوجت كانت في حماية الزوج في المقام الأول ، فكأنه بذلك قد رفع عن كاهل أهلها
هذه الحماية الثقيلة ، لذلك وجب احترامه بشدة، خاصة لو كان علي قدر من الرجولة
والعدالة والعفة .
وهم - أي أهل الجنوب - تمييزا لزوج البنت يشيرون إليه عند تعريف الناس به
قائلين : " دا واخذ منينا ٢٤ ضلع " لكل ذلك يقدر أهل الجنوب أزواج بناتهم تقديرا خاصاً
من منطلق أنهم يقومون علي حماية أعراضهم.
إذا كان
أما الحماة في الجنوب فإنها تخص زوج ابنتها برعاية خاصة جداً ، خاصة .
كريماً تجاه ابنتها أو بالتعبير الدارج الجميل صياغة ومعني : حاططها في عينه
بل إن هناك قصة شعبية جميلة من حكايات الجنوب إضافة للمثل الذي نحن بصدده
، تقول الحكاية :
إن الحماة استضافت زوج ابنتها علي الإفطار علي مائدة تضم زوجها وأولادها
الذكور ، وصنعت لهم فطيراً مشرباً باللبن ، ووضعته - كطبيعة أهل هذه البلاد في
ماعون واحد كبير أفطح ، وجلست الأم بينهم وفي يدها زجاجة السمن البلدي المسدودة
فوهتها بسدادة من ليف النخل الأحمر ، تسمح بأن يسيل السمن من خلالها دون أن
ينسكب دفعة واحدة ، أخذت الحماة تدور بالزجاجة علي أماكن الجميع في الإناء الواحد
الكبير ، وهي تفتعل حديثاً توضح من خلاله صفات ابنتها الحميدة ، فكانت إذا ما وصلت
للجزء المقابل لنسيبها في الإناء أو القصعة وجهت الكلام إليه مثبتة يدها تاركة السمن
يسيل بكثرة أمامه ، وكأن الكلام هو الذي صرفها عن إدارة الزجاجة وهي تقول له :
أوعي تزعل بنتي ، خلي بالك منها ، والنبي لو زعلتها راح أخد علي خاطري منك خالص
... إلخ " وهي لا تقصد من هذه العبارة تحذير أو نصح ولكن تقصد أن تضع الكثير من
أن ينتبه زوجها أو أولادها إلى ذلك ، للقصة دلالة كريمة غاية في الله
السمن
أمامه
دون
أو دلالة لائمة غاية في الكرم .. لذلك كله قالت المرأة القناوية : " حمارة نسيبي )
ولا ولد
حين
ولدي " أي أهم من واد ولدي !!
"