- المشاهدات: 90
- الردود: 3
عائشة والأيام
إنجي مطاوع
مصر
أشرقت فجر يوم كما كل الأيام على أحد الأحياء الشعبية، حيث تتداخل الأزقة الضيقة مع ضجيج عبثية الأوضاع والطلبات اليومية لمن يعيش تحت خط الفقر، استيقظت عائشة، لتتحرك بتثاقل تجهز إفطار أطفالها الخمسة، تتنقل بألية من فقد أية أمل في النجاة بعدما حُرمت دعم زوجها الذي هرب تاركًا إياها في مواجهة صعوبات الحياة وطلبات أطفالها بمفردها.
تزوج من امرأة أخرى علها تنتشله من فقره، لم يُظهر أي اهتمام بأطفاله أو بمسؤوليته كأب، مما جعلها تمضي في رحلة شاقة من أجل تأمين لقمة العيش والتكفل بحمل عبء تنوء به الجبال، حملت على عاتقها عبئًا ثقيلًا، فخمسة أفواه تطالبها بالطعام، والملابس، والدروس، نقود.. نقود.. نقود، ليست في متناول يدها. ومع ذلك، لم تفكر في الاستسلام. تعي أنها السند والحائط التي تعتمد عليه عائلتها، قررت الكفاح بكل ما أوتيت من قوة لتوفير حياة كريمة لهم.
خاضت رحلة شاقة للبحث عن عمل خاصة وانها تفتقر للتعليم حتى وجدت وظيفة كعاملة تغليف في مصنع للأغذية، ساعات العمل طويلة ومرهقة، تتطلب جهدًا بدنيًا عظيماً، عليها الاستيقاظ يوميًا قبل شروق الشمس، تعد الفطور، تجهز ما يلزم لمن سيذهب منهم للمدرسة وطعام يكفي لمن سيبقى اليوم في البيت.
باستيقاظهم تبدأ فقرتها المميزة في الابتسام وزع الأمل والحب في قلوبهم الصغيرة، تتركهم لتخوض رحلتها اليومية بين عدة وسيلة للمواصلات حتى تصل المصنع، راتبها؟
ربما هو ضعيف بل هو ضعيفًا للغاية، بالكاد يكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية، ولكنها مصممة على بذل قصارى جهدها، تريد أن يعيش الأطفال كما ينبغي لهم، إن استطاعت إيجاد وقت فراغ تقوم بصنع أي شيء لزيادة دخلها، تنظف خضار وتجهيزه لبيعه للجيران وزملاء العمل، أحياناً تصنع أشغال يدوية تبيعها لتتكسب منها، تربي طيور على سطح البيت مع جاراتها وتبيعها كل فترة في سوق الجمعة، رغم الإرهاق المتمكن من كل ذرة فيها إلا أنها ظلت محتفظة بابتسامتها لأجل أطفالها.
تجيب على تساؤل الحاقدات الظانات ادعائها الفقر بدليل وجهها المبتسم البشوش طيلة الوقت، بأن الأخرين لا ذنب لهم فيما نعانيه، والابتسامة هي الأمل، والأمل ما يحتاجه أبناؤها في ظل الظروف القاسية الطاحنة.
اعتادت الحرب مع الدنيا لأجل تعليم صغارها، تشجعهم على الدراسة والاجتهاد ليهربوا من براثن الفقر والعوز وتحقيق أحلامهم، قائلاً:
التعليم هو السلاح الوحيد للخروج من دائرة الفقر والنجاة بالنفس.
ولأن الحياة والناس غير عادلين في الغالب فكثيراً ما أوقعنها زميلاتها في مشاكل تعلمت مواجهة أفاعيلهن بهدوء حتى تضطر للمواجهة بقوة رغم أنهن يعانين ظروف مشابهة حتى أطلقن على المصنع مصنع المعوزات البائسات فأغلب من فيه مطلقات، وحيدات، يعولن غيرهم سواء أطفال أو أهل، حتى المتزوجات أغلبهن يعانين مع ازواجهن المرين حد التكفل بإعالة أنطاعهن غصباً، حاولت إحداهن مرة أو اثنتين التعامل معها بمنطق القوة، لفرض سطوتها عليها. "مريم"، تتهمها باستغلال جمالها للوصول إلى المديرين وأنها على حد زعمها: "لا تملكين القوة لعملنا!"
رغم وجعها وشعور المهانة مما تسمع، لكنها لم تسمح لنفسها بالاستسلام. اكتفت بالابتسام في وجه مريم، والرد عليها بلطف. "أعمل لأجل أطفالي، لا للإيقاع بعريس"، تعلمت الصبر والتحمل مع الوقت فهما مفتاحي النجاح، أقنعت نفسها بتجاوز كل ما هو سلبي فجل سعادتها لحظة دخول المنزل لتجد أطفالها ينتظرون حضورها، يزول التعب والعناء ليتشاركا صنع العشاء معاً تصحبها ضحكاتهم البريئة ونظراتهم التي تحولها لبطل خارق يبهرهم بكل ما يفعل وإن كان طبق شوربة عدس.
سألتهم عما يشتهون للعشاء ليجيبها الصغير وائل: "ماما" وأشار إلى الخضراوات التي أحضرتها.
جهزت شوربة خضار وضعت جوارها عدة أرغفة، وبينما يتناولون وجبتهم الشهية كانت طاحونة الحياة تسرقها وتفكر كيف يمكنها تأمين مستقبلهم، حاولت خلال الأيام الماضية الاتصال بزوجها لكنه تنصل منها متحججاً بقلة الحيلة وقصر اليد فزوجته الثانية أنجبت له هي الأخرى ثلاث يلتهون كل ما يحصل عليه.
سهرت تجهز ما أحضرته من خضراوات يساعدها أبنائها قبل نومهم وتكمل وحيدة بعدما يسلبهم النوم إرادتهم، مرت الأيام يوماً يحالفها الحظ بما تشتري به ما يريده الأطفال وتدفع مصاريف الدراسة والدروس الخصوصية، وأيام تشعر بأن كاهلها يتموج كالبحر بلا استقرار ولا نتيجة ترجى.
ما أراح روحها القلقة أن الأولاد يكبرون ويستوعبون يوماً بعد الأخر حجم تضحيات والدتهم، وإصرارها ألا يعمل احدهم ليخفف الحمل عنها فتكفلوا بأنفسهم وإرضائها بالتفوق دراسياً ويشرحون صدرها بنجاحات صغيرة في المدرسة. لتشعر عائشة بالفخر عندما تتلقى تقارير المدرسة بنتائجهم، أو أسماؤهم المكتوبة في شهادات تقدير لحسن الخلق أو لاجتهادهم، نجاح واجتهاد أولادها هو المرهم الملطف لقدميها الصارخان للوقوف لساعات وساعات في العمل.
في إحدى الليالي، جلست مع أولادها تحاول ترويض رغبة الثورة والتمرد المصاحبان لسن مراهقتهم، أخبرتهم عن حلمها وهي صغيرة وكيف أحبت والدهم حتى فرق سوء المعاملة بينهما ليتحول حلمها في افتتاح محل مأكولات صغير إلى طموح كبير بأن تراهم هم ينجحون ويحققون أحلامهم، سألها ببراءة أبنها الكبير "خالد":
احتضنتهم بود مجيبة "أكيد فالله لا يضيع أجر العاملين" هكذا قال لي مديري يوماً، ستفرحون وستنجحون، سأترككم تسافران وتجدان طريقكما بنفسيكما لن أكون أنانية معكما لكن عداني أن تعودا وستتزوجان هنا لأرقص في فرحكم أريد أن أشارككم أفراحكم دوماً ، أما أمال وملك فيكملان تعليمهم أولاً ثم يقومان بما يريدا لكن نصيحتي العمل مهم فهو ما يؤمن لكما حياة كريمة طيبة"
صرخ وائل: وأنا
أنت ستبقى جواري حتى تشيب
ضحك الجميع فقد اعتادوا مشاكسة الصغير وتدليله، ذهب كل واحد للنوم مغلقاً عينية على حلمه وكيف يمكنهم إسعاد أمهم قد محاولاتها المستميتة لإسعادهم.
مرت الأيام والسنين مليئة بالتحديات، تصبر عائشة نفسها بأن كل جهد يبذل من أجل أولادها هو استثمار في مستقبلهم. ليفاجئها الأولاد بعد سنين بعدما بدء كل منهم تحقيق حلمه الخاص بعدم نسيان حلمها، ليساعدها بعد سنين على افتتاح مطعم صغير تمارس فيا هوايتها في إسعاد الأخرين.
إنجي مطاوع
مصر
أشرقت فجر يوم كما كل الأيام على أحد الأحياء الشعبية، حيث تتداخل الأزقة الضيقة مع ضجيج عبثية الأوضاع والطلبات اليومية لمن يعيش تحت خط الفقر، استيقظت عائشة، لتتحرك بتثاقل تجهز إفطار أطفالها الخمسة، تتنقل بألية من فقد أية أمل في النجاة بعدما حُرمت دعم زوجها الذي هرب تاركًا إياها في مواجهة صعوبات الحياة وطلبات أطفالها بمفردها.
تزوج من امرأة أخرى علها تنتشله من فقره، لم يُظهر أي اهتمام بأطفاله أو بمسؤوليته كأب، مما جعلها تمضي في رحلة شاقة من أجل تأمين لقمة العيش والتكفل بحمل عبء تنوء به الجبال، حملت على عاتقها عبئًا ثقيلًا، فخمسة أفواه تطالبها بالطعام، والملابس، والدروس، نقود.. نقود.. نقود، ليست في متناول يدها. ومع ذلك، لم تفكر في الاستسلام. تعي أنها السند والحائط التي تعتمد عليه عائلتها، قررت الكفاح بكل ما أوتيت من قوة لتوفير حياة كريمة لهم.
خاضت رحلة شاقة للبحث عن عمل خاصة وانها تفتقر للتعليم حتى وجدت وظيفة كعاملة تغليف في مصنع للأغذية، ساعات العمل طويلة ومرهقة، تتطلب جهدًا بدنيًا عظيماً، عليها الاستيقاظ يوميًا قبل شروق الشمس، تعد الفطور، تجهز ما يلزم لمن سيذهب منهم للمدرسة وطعام يكفي لمن سيبقى اليوم في البيت.
باستيقاظهم تبدأ فقرتها المميزة في الابتسام وزع الأمل والحب في قلوبهم الصغيرة، تتركهم لتخوض رحلتها اليومية بين عدة وسيلة للمواصلات حتى تصل المصنع، راتبها؟
ربما هو ضعيف بل هو ضعيفًا للغاية، بالكاد يكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية، ولكنها مصممة على بذل قصارى جهدها، تريد أن يعيش الأطفال كما ينبغي لهم، إن استطاعت إيجاد وقت فراغ تقوم بصنع أي شيء لزيادة دخلها، تنظف خضار وتجهيزه لبيعه للجيران وزملاء العمل، أحياناً تصنع أشغال يدوية تبيعها لتتكسب منها، تربي طيور على سطح البيت مع جاراتها وتبيعها كل فترة في سوق الجمعة، رغم الإرهاق المتمكن من كل ذرة فيها إلا أنها ظلت محتفظة بابتسامتها لأجل أطفالها.
تجيب على تساؤل الحاقدات الظانات ادعائها الفقر بدليل وجهها المبتسم البشوش طيلة الوقت، بأن الأخرين لا ذنب لهم فيما نعانيه، والابتسامة هي الأمل، والأمل ما يحتاجه أبناؤها في ظل الظروف القاسية الطاحنة.
اعتادت الحرب مع الدنيا لأجل تعليم صغارها، تشجعهم على الدراسة والاجتهاد ليهربوا من براثن الفقر والعوز وتحقيق أحلامهم، قائلاً:
التعليم هو السلاح الوحيد للخروج من دائرة الفقر والنجاة بالنفس.
ولأن الحياة والناس غير عادلين في الغالب فكثيراً ما أوقعنها زميلاتها في مشاكل تعلمت مواجهة أفاعيلهن بهدوء حتى تضطر للمواجهة بقوة رغم أنهن يعانين ظروف مشابهة حتى أطلقن على المصنع مصنع المعوزات البائسات فأغلب من فيه مطلقات، وحيدات، يعولن غيرهم سواء أطفال أو أهل، حتى المتزوجات أغلبهن يعانين مع ازواجهن المرين حد التكفل بإعالة أنطاعهن غصباً، حاولت إحداهن مرة أو اثنتين التعامل معها بمنطق القوة، لفرض سطوتها عليها. "مريم"، تتهمها باستغلال جمالها للوصول إلى المديرين وأنها على حد زعمها: "لا تملكين القوة لعملنا!"
رغم وجعها وشعور المهانة مما تسمع، لكنها لم تسمح لنفسها بالاستسلام. اكتفت بالابتسام في وجه مريم، والرد عليها بلطف. "أعمل لأجل أطفالي، لا للإيقاع بعريس"، تعلمت الصبر والتحمل مع الوقت فهما مفتاحي النجاح، أقنعت نفسها بتجاوز كل ما هو سلبي فجل سعادتها لحظة دخول المنزل لتجد أطفالها ينتظرون حضورها، يزول التعب والعناء ليتشاركا صنع العشاء معاً تصحبها ضحكاتهم البريئة ونظراتهم التي تحولها لبطل خارق يبهرهم بكل ما يفعل وإن كان طبق شوربة عدس.
سألتهم عما يشتهون للعشاء ليجيبها الصغير وائل: "ماما" وأشار إلى الخضراوات التي أحضرتها.
جهزت شوربة خضار وضعت جوارها عدة أرغفة، وبينما يتناولون وجبتهم الشهية كانت طاحونة الحياة تسرقها وتفكر كيف يمكنها تأمين مستقبلهم، حاولت خلال الأيام الماضية الاتصال بزوجها لكنه تنصل منها متحججاً بقلة الحيلة وقصر اليد فزوجته الثانية أنجبت له هي الأخرى ثلاث يلتهون كل ما يحصل عليه.
سهرت تجهز ما أحضرته من خضراوات يساعدها أبنائها قبل نومهم وتكمل وحيدة بعدما يسلبهم النوم إرادتهم، مرت الأيام يوماً يحالفها الحظ بما تشتري به ما يريده الأطفال وتدفع مصاريف الدراسة والدروس الخصوصية، وأيام تشعر بأن كاهلها يتموج كالبحر بلا استقرار ولا نتيجة ترجى.
ما أراح روحها القلقة أن الأولاد يكبرون ويستوعبون يوماً بعد الأخر حجم تضحيات والدتهم، وإصرارها ألا يعمل احدهم ليخفف الحمل عنها فتكفلوا بأنفسهم وإرضائها بالتفوق دراسياً ويشرحون صدرها بنجاحات صغيرة في المدرسة. لتشعر عائشة بالفخر عندما تتلقى تقارير المدرسة بنتائجهم، أو أسماؤهم المكتوبة في شهادات تقدير لحسن الخلق أو لاجتهادهم، نجاح واجتهاد أولادها هو المرهم الملطف لقدميها الصارخان للوقوف لساعات وساعات في العمل.
في إحدى الليالي، جلست مع أولادها تحاول ترويض رغبة الثورة والتمرد المصاحبان لسن مراهقتهم، أخبرتهم عن حلمها وهي صغيرة وكيف أحبت والدهم حتى فرق سوء المعاملة بينهما ليتحول حلمها في افتتاح محل مأكولات صغير إلى طموح كبير بأن تراهم هم ينجحون ويحققون أحلامهم، سألها ببراءة أبنها الكبير "خالد":
احتضنتهم بود مجيبة "أكيد فالله لا يضيع أجر العاملين" هكذا قال لي مديري يوماً، ستفرحون وستنجحون، سأترككم تسافران وتجدان طريقكما بنفسيكما لن أكون أنانية معكما لكن عداني أن تعودا وستتزوجان هنا لأرقص في فرحكم أريد أن أشارككم أفراحكم دوماً ، أما أمال وملك فيكملان تعليمهم أولاً ثم يقومان بما يريدا لكن نصيحتي العمل مهم فهو ما يؤمن لكما حياة كريمة طيبة"
صرخ وائل: وأنا
أنت ستبقى جواري حتى تشيب
ضحك الجميع فقد اعتادوا مشاكسة الصغير وتدليله، ذهب كل واحد للنوم مغلقاً عينية على حلمه وكيف يمكنهم إسعاد أمهم قد محاولاتها المستميتة لإسعادهم.
مرت الأيام والسنين مليئة بالتحديات، تصبر عائشة نفسها بأن كل جهد يبذل من أجل أولادها هو استثمار في مستقبلهم. ليفاجئها الأولاد بعد سنين بعدما بدء كل منهم تحقيق حلمه الخاص بعدم نسيان حلمها، ليساعدها بعد سنين على افتتاح مطعم صغير تمارس فيا هوايتها في إسعاد الأخرين.