- المشاهدات: 63
- الردود: 1
دس أيمن المفتاح في ذلك الباب يفتحه وراح يقترب من تلك المنضدة ليضع عليها تلك المفاتيح والأطعمة التي قد تورّمت يداه من حملها.
وهنا أخذ نفسا عميقا شعر معه بالهواء يتخلل صدره فحبسه قليلا وبعدها راح يلفظه على دفعات كأنه لا يريد له أن يخرج وان يظل كما هو داخل صدره ليشعر بذلك الدفء الذي يفتقده منذ زمن بعيد.
ومع آخر زفير خرج من صدره راح يقول:
"أخيراً.. سوف ارتاح من ذلك الرجل إلى الأبد.. نعم إنه أبي!!! ولكنني قد مللته في تلك الأيام الأخيرة ... بدأ الأمر الأمر عندما أدرك الستون من العمر وراح ينسى كل شيء من حوله، حتى أنا ابنه الوحيد، ثم تطور الأمر حتى ثقلت حركته بعض الشيء بدأ في الاستعانة بتلك العصا يتكئ عليها ذهابا وإيابا، لم يظل الوضع كثيرا هكذا فقد تدهور الأمر سريعا ولم يكن ليتحرك إلا إذا ارتكز على يديه وقدميه كطفل يَحبُو ، الأمر الذي جعلني أحضر له ذلك الكرسي اللعين حتى ارحم نفسي من حمله في كل مرة يذهب هنا أو هناك.
ما زاد الأمر سوءاً هو أن أسنانه قد بدأت في السقوط واحدة تلو الأخرى، وأصبح الطعام يتساقط من فَمه أثناء تناول الطعام معه.. انه لشيء مقزز حقا ..إن مجرد التفكير في ذلك الأمر يجعلني أتقيأ.. الآن وقد تنفست الصعداء بعد أن أودعته أحد دور المسنين حتى ارتاح من ذلك العناء إلى الأبد"
مع نهاية تلك الكلمات انفرجت تعابير وجهه أيمن وقام بالنظر إلى الأطعمة القادمة معه والملقاة على المنضدة أمامه فراح يبتسم ويتابع قائلاً:
" إنها المرة الأولى التي أتناول فيها طعامي دون هذا الرجل المقزز"
بدأ أيمن يتناول طعامه حتى امتلأت معدته عن أخرها، وراح يجول بنظره في المكان حتى وقعت عينه على صندوق والده القديم الذي كان يحفظه بعيدا عن الأنظار ولا يسمح له من الاقتراب منه، هنا أطلق أيمن ضحكة ساخرة ونهض عن مكانه يحمل هذا الصندوق بين يديه وقام بوضعه امامه على المنضدة ليفحص ما به حتى وقعت يده على ذلك الكتاب الذي كان لا يفارق يد أبيه أينما ذهب أو راح كان مدون عليه من الخارج بخط كبير "يوميات أب في الأربعين"
بنفس الضحكة الساخرة التقط أيمن الكتاب وبدء في مطالعة أولى صفحاته التي دَوِّن في أولها
28 ديسمبر 1980
" إنه شتاء قارس فعلا ...لقد اختار القدر لزوجتي ذلك التوقيت لتضع فيه طفلنا الاول "
"...إلى لأشتاق إلى تلك اللحظة التي أشاهد فيها طفلنا لأول مرة واحمله بين يدي إني"
انعقد حاجبي أيمن مع نهاية تلك الكلمات وراح يجلس ليتابع باهتمام ما دون خلف تلك الورقة
صباح يوم ألـ 29 من ديسمبر
"لقد ماتت زوجتي وهى تضع طفلنا الاول، أشعر أنني قد سقطت بئر عميق لا استطيع الخروج منه ..إنها النهاية لا محالة.. ولكن مع ذلك اليأس الذي تملكني امتدت يده نحوى يداعب بها وجهي، كأنه الأمل الذي افتقده في ذلك الحين "
مع نهاية تلك الكلمات سقطت دمعة خلسة من عين أيمن قام بمحوها بأطراف أصابعه وراح يتابع
1981 يناير
"لقد زادت الضغوط على عاتقي كي أتزوج من امرأة أخرى تعينني على ما أنا فيه ولكنني أبداً
له وحده إن تلك الابتسامة في وجهه تبعث في نفسي طاقة لن اقبل فلقد وهبت ما تبقى من عمري
استطيع معها أن أحارب العالم اجمع"
أغسطس
1981
"أنني اسعد رجل بالعالم لقد استطاع طفلي أن يحبو نحوى لأول مرة
أنني بالنسبة له ذلك المبنى الذي يصعد فوقه حتى يرى ويستكشف كل ما يدور حوله
إنه يتمتع بذاكرة تشبه ذاكرة السمكة في تعرفه على الأشياء والأشخاص ، إنه أشبه ما يكون برجل مسن يعانى من ضعف الذاكرة وتساقط الأسنان ويقع على عاتقي أنا وحدي أن أطعمه وأمده بكل المعلومات عن الأشياء التي يتعامل معها ويجهلها هو واعلمها أنا، إنه عالم جديد أخوضه أنا وهو وصفحة بيضاء جميلة تملأها بما تحب، تمر الأيام سريعا وينمو هو بجانبي كزهرة تثمر أوراقها شيئا فشيئا كلما أطعمتها، لقد أصبح قادرا على الحركة وحمل الأشياء وحده والتمتمة ببعض الكلمات الصغيرة إني لأشتاق إلى ذلك الوقت الذي أشاهده فيه رجلا كبيرا اتكأ عليه ويطعمني بفمي وهو يغازلني لعدم قدرتي على طحن الطعام لتساقط أسناني ونضحك سويا" ...
مع نهاية تلك الكلمات لم يتمالك أيمن نفسه شعر بذلك الوجع الشديد في بطنه فأستبق الطريق إلى
الحمام يلفظ كل ما في أمعاءه خارجا وهنا رفع رأسه ليرى وجهه في تلك المرأة اعلي الحوض فراح يتحدث مع نفسه:
"ما هذا الذي فعلته ...لابد أنني أحمق حقاً .
كان في احتياج لي عندما كنت أنا كذلك... ولم يتخلى عنى
وكان هو الابتسامة في وجهي صغيرا.. كنت الصرخة في وجهه
كانت ذراعه وسادتي التي اتكأ عليها إذا غلبني النعاس ،ولم أكن له شيئاً حين أصابه الهِرَم
كان ذاكرتي حين تخونني الذاكرة ..وأصبحت الممحاة له حين بدأ ينسى
لملم أيمن نفسه وفى لمح البصر اخترق الطريق خارجا وهو يعلم وجهته جيدا حتى وصل يلهث إلى تلك الدار وراح يبحث عن أبيه هنا وهناك وهو يتفحص كل الوجوه
ولكن أين هو!!!؟
ظل يبحث هنا وهناك حتى استوقف احد العاملين هناك ليسأله عن أبيه
فأجابه هل والدك من كان يعانى فقدان الذاكرة ؟
هز أيمن رأسه.نعم ..نعم انه هو
عندها اعتذر الاول منه قائلا انه شق طريقة خارجا دون أن يعلموا اين ذهب
انتفض الدم في وجه أيمن وامسك قميص الرجل يجره إليه وهو يصرخ بوجهه قائلا :
ماذا تقول ؟ هل أضعتم والدي ؟
كاد الرجل يلفظ نفسه الأخير وهو يجيب:
"أنت من أضعته وليس نحن .."
هنا انفرجت قبضة أيمن قليلا عن عنق الرجل وأكمل هو حديثه:
أنت من أضعته .."كنت تعلم جيدا انك حينما أتيت به إلى هنا انك سوف تتخلص من تلك العقبة"
جحظت عيون أيمن مع نهاية تلك الكلمات ولكن ذلك الرجل لم يعبأ بما ظهر من علامات الغضب على وجهه أيمن وراح يتابع كأن شيئا لم يكن:
"لا تتعجب لقد شاهدت الكثير من أمثالك هنا ..ولكن لا تلوم أحداً فأنت المخطأ أولا وما نحن إلا مجرد أداة لتنفيذ ما أردت "
عندها هرع أيمن إلى الخارج كالمجنون مناديا بأعلى صوته أبي... أبي أرجوك لا تتركني وحيدا!!
ولكن لا من مجيب إلا من صدى صوت كلماته كأنها تجيب عليه قائلة :
لقد أضعت أبيك الذي لم يضيعك أبداً..
لقد أضعت أبيك الذي لم يضيعك أبداً..
لا سامحك الله ..
وهنا أخذ نفسا عميقا شعر معه بالهواء يتخلل صدره فحبسه قليلا وبعدها راح يلفظه على دفعات كأنه لا يريد له أن يخرج وان يظل كما هو داخل صدره ليشعر بذلك الدفء الذي يفتقده منذ زمن بعيد.
ومع آخر زفير خرج من صدره راح يقول:
"أخيراً.. سوف ارتاح من ذلك الرجل إلى الأبد.. نعم إنه أبي!!! ولكنني قد مللته في تلك الأيام الأخيرة ... بدأ الأمر الأمر عندما أدرك الستون من العمر وراح ينسى كل شيء من حوله، حتى أنا ابنه الوحيد، ثم تطور الأمر حتى ثقلت حركته بعض الشيء بدأ في الاستعانة بتلك العصا يتكئ عليها ذهابا وإيابا، لم يظل الوضع كثيرا هكذا فقد تدهور الأمر سريعا ولم يكن ليتحرك إلا إذا ارتكز على يديه وقدميه كطفل يَحبُو ، الأمر الذي جعلني أحضر له ذلك الكرسي اللعين حتى ارحم نفسي من حمله في كل مرة يذهب هنا أو هناك.
ما زاد الأمر سوءاً هو أن أسنانه قد بدأت في السقوط واحدة تلو الأخرى، وأصبح الطعام يتساقط من فَمه أثناء تناول الطعام معه.. انه لشيء مقزز حقا ..إن مجرد التفكير في ذلك الأمر يجعلني أتقيأ.. الآن وقد تنفست الصعداء بعد أن أودعته أحد دور المسنين حتى ارتاح من ذلك العناء إلى الأبد"
مع نهاية تلك الكلمات انفرجت تعابير وجهه أيمن وقام بالنظر إلى الأطعمة القادمة معه والملقاة على المنضدة أمامه فراح يبتسم ويتابع قائلاً:
" إنها المرة الأولى التي أتناول فيها طعامي دون هذا الرجل المقزز"
بدأ أيمن يتناول طعامه حتى امتلأت معدته عن أخرها، وراح يجول بنظره في المكان حتى وقعت عينه على صندوق والده القديم الذي كان يحفظه بعيدا عن الأنظار ولا يسمح له من الاقتراب منه، هنا أطلق أيمن ضحكة ساخرة ونهض عن مكانه يحمل هذا الصندوق بين يديه وقام بوضعه امامه على المنضدة ليفحص ما به حتى وقعت يده على ذلك الكتاب الذي كان لا يفارق يد أبيه أينما ذهب أو راح كان مدون عليه من الخارج بخط كبير "يوميات أب في الأربعين"
بنفس الضحكة الساخرة التقط أيمن الكتاب وبدء في مطالعة أولى صفحاته التي دَوِّن في أولها
28 ديسمبر 1980
" إنه شتاء قارس فعلا ...لقد اختار القدر لزوجتي ذلك التوقيت لتضع فيه طفلنا الاول "
"...إلى لأشتاق إلى تلك اللحظة التي أشاهد فيها طفلنا لأول مرة واحمله بين يدي إني"
انعقد حاجبي أيمن مع نهاية تلك الكلمات وراح يجلس ليتابع باهتمام ما دون خلف تلك الورقة
صباح يوم ألـ 29 من ديسمبر
"لقد ماتت زوجتي وهى تضع طفلنا الاول، أشعر أنني قد سقطت بئر عميق لا استطيع الخروج منه ..إنها النهاية لا محالة.. ولكن مع ذلك اليأس الذي تملكني امتدت يده نحوى يداعب بها وجهي، كأنه الأمل الذي افتقده في ذلك الحين "
مع نهاية تلك الكلمات سقطت دمعة خلسة من عين أيمن قام بمحوها بأطراف أصابعه وراح يتابع
1981 يناير
"لقد زادت الضغوط على عاتقي كي أتزوج من امرأة أخرى تعينني على ما أنا فيه ولكنني أبداً
له وحده إن تلك الابتسامة في وجهه تبعث في نفسي طاقة لن اقبل فلقد وهبت ما تبقى من عمري
استطيع معها أن أحارب العالم اجمع"
أغسطس
1981
"أنني اسعد رجل بالعالم لقد استطاع طفلي أن يحبو نحوى لأول مرة
أنني بالنسبة له ذلك المبنى الذي يصعد فوقه حتى يرى ويستكشف كل ما يدور حوله
إنه يتمتع بذاكرة تشبه ذاكرة السمكة في تعرفه على الأشياء والأشخاص ، إنه أشبه ما يكون برجل مسن يعانى من ضعف الذاكرة وتساقط الأسنان ويقع على عاتقي أنا وحدي أن أطعمه وأمده بكل المعلومات عن الأشياء التي يتعامل معها ويجهلها هو واعلمها أنا، إنه عالم جديد أخوضه أنا وهو وصفحة بيضاء جميلة تملأها بما تحب، تمر الأيام سريعا وينمو هو بجانبي كزهرة تثمر أوراقها شيئا فشيئا كلما أطعمتها، لقد أصبح قادرا على الحركة وحمل الأشياء وحده والتمتمة ببعض الكلمات الصغيرة إني لأشتاق إلى ذلك الوقت الذي أشاهده فيه رجلا كبيرا اتكأ عليه ويطعمني بفمي وهو يغازلني لعدم قدرتي على طحن الطعام لتساقط أسناني ونضحك سويا" ...
مع نهاية تلك الكلمات لم يتمالك أيمن نفسه شعر بذلك الوجع الشديد في بطنه فأستبق الطريق إلى
الحمام يلفظ كل ما في أمعاءه خارجا وهنا رفع رأسه ليرى وجهه في تلك المرأة اعلي الحوض فراح يتحدث مع نفسه:
"ما هذا الذي فعلته ...لابد أنني أحمق حقاً .
كان في احتياج لي عندما كنت أنا كذلك... ولم يتخلى عنى
وكان هو الابتسامة في وجهي صغيرا.. كنت الصرخة في وجهه
كانت ذراعه وسادتي التي اتكأ عليها إذا غلبني النعاس ،ولم أكن له شيئاً حين أصابه الهِرَم
كان ذاكرتي حين تخونني الذاكرة ..وأصبحت الممحاة له حين بدأ ينسى
لملم أيمن نفسه وفى لمح البصر اخترق الطريق خارجا وهو يعلم وجهته جيدا حتى وصل يلهث إلى تلك الدار وراح يبحث عن أبيه هنا وهناك وهو يتفحص كل الوجوه
ولكن أين هو!!!؟
ظل يبحث هنا وهناك حتى استوقف احد العاملين هناك ليسأله عن أبيه
فأجابه هل والدك من كان يعانى فقدان الذاكرة ؟
هز أيمن رأسه.نعم ..نعم انه هو
عندها اعتذر الاول منه قائلا انه شق طريقة خارجا دون أن يعلموا اين ذهب
انتفض الدم في وجه أيمن وامسك قميص الرجل يجره إليه وهو يصرخ بوجهه قائلا :
ماذا تقول ؟ هل أضعتم والدي ؟
كاد الرجل يلفظ نفسه الأخير وهو يجيب:
"أنت من أضعته وليس نحن .."
هنا انفرجت قبضة أيمن قليلا عن عنق الرجل وأكمل هو حديثه:
أنت من أضعته .."كنت تعلم جيدا انك حينما أتيت به إلى هنا انك سوف تتخلص من تلك العقبة"
جحظت عيون أيمن مع نهاية تلك الكلمات ولكن ذلك الرجل لم يعبأ بما ظهر من علامات الغضب على وجهه أيمن وراح يتابع كأن شيئا لم يكن:
"لا تتعجب لقد شاهدت الكثير من أمثالك هنا ..ولكن لا تلوم أحداً فأنت المخطأ أولا وما نحن إلا مجرد أداة لتنفيذ ما أردت "
عندها هرع أيمن إلى الخارج كالمجنون مناديا بأعلى صوته أبي... أبي أرجوك لا تتركني وحيدا!!
ولكن لا من مجيب إلا من صدى صوت كلماته كأنها تجيب عليه قائلة :
لقد أضعت أبيك الذي لم يضيعك أبداً..
لقد أضعت أبيك الذي لم يضيعك أبداً..
لا سامحك الله ..