- المشاهدات: 66
- الردود: 1
نعيش اليوم في زمان لا يمكن للناظر أن يحكم بعينيه فقط، أو أن يتسرع في إبداء رأيه عن الآخرين دون دليل، حتى يعاشرهم مدة من الزمن يستطيع فيها معرفة شخصيتهم بدقة كبيرة يقضي بها على الشك، ومن ثَمّ يمكنه الحكم على الناس حين يرى أنه استطاع أن يجعلهم يميلون إليه كما يميل لهم.
من هذه المقدمة القصيرة نريد أن نسلط الضوء على قصة حدثت في أرض الواقع، وكثيرا ما تحدث مثل هذه القصص المشابهة التي نراها دوما أمامنا...
كانت هناك عائلة ميسورة الحال في استهلاكها لقوت يومها، وكان ربُّ البيت يعمل عملا بسيطا للغاية لا يجني من خلاله ما يكفي لاحتياجات البيت وعائلته، والأسوء أنه كان مع كل هذا يذهب آخر الوقت من الليل لشرب الكحول ثم يعود يلعن ويسب من أمامهم دون شعور منه.
لكن القصة تحكي عن زوجته تلك المرأة المكافحة والصبورة، فكانت نعم النساء فلم تكن كسابقتها من النساء اللواتي فررن من زوجها قبل أن يتزوجها، بل فعلت ما تعجز عنه نساء اليوم، فقد صبرت معه حتى أنجبت وربت أطفالا نعم الأطفال هم، فكانت تقف معهم في كل شيء من حياتهم، حتى أنها كافحة وتعبت مع ابنتها الكبيرة التي أوصلتها إلى الجامعة، فحينما تخرجت منها درّست من بعدها فترة من الزمن في مكان إحدى المعلمات في الابتدائية, حتى أصبحت معروفة آخذةً تعاقدا في ذلك المجال، كذلك ولا زالت الأم إلى يومنا هذا واقفة ومساندة لأبنائها الآخرين في مشوارهم، ونعم الأم أنجبت من صلبها ذوي الأخلاق والأدب، فكانوا أطفالا يفتخر بهم وبمن ربّاهم.
ومع زيادة أسعار السلع أصبحت حياة هذه العائلة أصعب بكثير، وقبل هذا توقف الأب عن شرب الكحول، وكذلك انقطع عن عمله السابق لأنه لم يجد فيه ما يسد به ثغرة ما كانوا عليه من ضيق في العيش، فأصبح للأسف يتسول يطلب المال من شخص لآخر دون أن يتعلم درسا من حياته السابقة، فلم يتوقف عن السير في ذاك الطريق المنحرف، إلّا أنه لم يرجع لشرب الكحول لكنه أصبح يدمن على تناول السيجارة يوميا مع أنه لا يملك دخلا لنفسه ولعائلته، ولعدم وجود دخل لهذه العائلة قررت البنت الكبيرة أن تعمل أي شيء لأجل عائلتها، وحقا وجدت الفتاة عملا تجني من خلاله دخلا محترما.
وهل توقفت الأم حينما أصبحت ابنتها تعمل، طبعا لا... فقد كانت تساعدها من خلال بيع أشياء مختلفة بعدما تشتريها، ومع كل تلك الصعاب لم تيأس هذه العائلة من حالتها المعيشية كما تفعل بعض العائلات، فكما يقول الشاعر: "الأم مدرسة إذا أعددتها, أعددت شعبا طيب الأعراق".
فكانت هاته الأم ترسل البعض من أولادها إلى تعلم أشياء أخرى زيادة عن دراستهم في المدرسة، ومنهم من ترسله ليبيع لها ما تصنعه بيديها أو ما كانت تحتفظ به من بعد ما تشتريه.
قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}.
سورة البقرة: الآية 273
والعجيب في هذه الأم أنها لم تكن كزوجها تتوسل وتطلب الناس على الرغم من ظروفها المعيشية, ولو طلبت لكان حقا لها لأن الناس تعرف بحالهم وكيف هو وضعهم المادي, لكن تعففها عن السؤال جعلها تمسك نفسها على أن تتسول كالآخرين, كما جعلها ذات مكانة لدى الجيران حولها, ومع هذا كله لم يبقى الذين من حولهم يتفرجون عليهم هكذا فقد كانوا يرسلون إلى هذه العائلة بعضا من المساعدات التي لا يمكن أن تقضى إلّا بتقديم الناس يد المعونة إلى بعضهم البعض, وكذلك تمكن الأم من تجاوز هذه الظروف بصبر وثبات دون أن يردعها عارض, سواء أكان هذا العارض داخلي أو خارجي فهي حقا أم بمعنى الكلمة, فقد غيرت حياتها وحياة عائلتها إلى أفضل ما يكون, وعلمت الآخرين درسا في الكفاح والصبر على ما يعترضهم من صعاب في هذه الحياة.
فرغم صعوبة العيش مع ارتفاع أسعار السلع فإن هذه العائلة والحمد لله قد تماشت مع الوضع الذي هم فيه بكل يسر وبشكل لا يمكن وصفه, مواكبة الظروف القاسية مع قلة المداخيل, مقابل الصبر والجهاد على تحمل البلاء, والسعي إلى تحقيق الغاية والنظر للأمام مع التوكل على الله, كل هذا يهوّن علينا مشاكل الحياة مهما كانت كبيرة ومتنوعة.
من هذه المدرسة العظيمة وهي الأم علمتنا درسا في الحياة, وكيف لنا أن نتجاوز المحن والضغوطات, ومن خلالها تنتج مجتمعات مزدهرة وسائدة بالأخلاق العالية والسمات المميزة, والتي تميزها على المجتمعات الأخرى بالرقي والنمو, ووصول الأمم إلى القمم ما هو إلّا نتاج مثل هذه المدارس كما عرفنا في الأمم السابقة, وكذلك في الأمم الغربية والتي تخرج كل يوم عالما يفيد العالم بشيء من ابتكاراته أو اختراعاته, أو حتى من خلال أفكاره النادرة التي توصل العديد من المؤسسات إلى القمم, فهذا كله يعود بشكل كبير لتربية وتعليم الأم عندهم.
فالأم هي الدافع والحافز الأساسي لصنع عظماء يستطيعون تغيير الموازين لصالحهم وصالح وطنهم, ويمكن أن يعود نفعهم على الأمم الأخرى في زمانهم, أو حتى على الأجيال من بعدهم.
نعم فلقد كانت تلك العائلة مميزة.. الأم فيها من تصنع الأجيال المتخلقة على حساب صبرها وتحملها للشدائد, فاليوم كثيرا ما نرى من أخلاق الأطفال المذمومة والممقوتة لدى الكثير من الناس, ويمكن أن يعود سببه بشكل أساسي لتربية الوالدين, وهذه العائلة مثال على التعليم والتربية الحقيقية, نعم.. فتغير الزوج وتركه لتلك الآفة لم يكن إلّا نتاج صبر تلك الزوجة الصالحة عليه, و كذلك تربيتها الجيدة وتعليمها لأولاده وجعلهم ذوي سمعة وأخلاق لدى الناس حولهم, إن الأبوان لهما التأثير الكبير على الأطفال وخاصة الأم, فإن كانت الأم صالحة فبإذن الله يكون الأطفال صالحين والعكس بالعكس.
إن الجهد والتعب يعطيان ثمارهما, وهاته الأم قد حصدت ما زرعت من النشأة الطيبة النقية, فالكثير من الأمهات اليوم عليهن التعلم من مثل هذه الأم الصادقة الصبورة, لا تملك المال لكنها تملك قلبا مليئا بالتفاؤل والإيمان, ومن أفنى عمره في تنشئة الجيل الصالح والصاعد بالأخلاق فقد فاز بخيري الدنيا والآخرة.
فقد قال أمير الشعراء:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ***** فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
من هذه المقدمة القصيرة نريد أن نسلط الضوء على قصة حدثت في أرض الواقع، وكثيرا ما تحدث مثل هذه القصص المشابهة التي نراها دوما أمامنا...
كانت هناك عائلة ميسورة الحال في استهلاكها لقوت يومها، وكان ربُّ البيت يعمل عملا بسيطا للغاية لا يجني من خلاله ما يكفي لاحتياجات البيت وعائلته، والأسوء أنه كان مع كل هذا يذهب آخر الوقت من الليل لشرب الكحول ثم يعود يلعن ويسب من أمامهم دون شعور منه.
لكن القصة تحكي عن زوجته تلك المرأة المكافحة والصبورة، فكانت نعم النساء فلم تكن كسابقتها من النساء اللواتي فررن من زوجها قبل أن يتزوجها، بل فعلت ما تعجز عنه نساء اليوم، فقد صبرت معه حتى أنجبت وربت أطفالا نعم الأطفال هم، فكانت تقف معهم في كل شيء من حياتهم، حتى أنها كافحة وتعبت مع ابنتها الكبيرة التي أوصلتها إلى الجامعة، فحينما تخرجت منها درّست من بعدها فترة من الزمن في مكان إحدى المعلمات في الابتدائية, حتى أصبحت معروفة آخذةً تعاقدا في ذلك المجال، كذلك ولا زالت الأم إلى يومنا هذا واقفة ومساندة لأبنائها الآخرين في مشوارهم، ونعم الأم أنجبت من صلبها ذوي الأخلاق والأدب، فكانوا أطفالا يفتخر بهم وبمن ربّاهم.
ومع زيادة أسعار السلع أصبحت حياة هذه العائلة أصعب بكثير، وقبل هذا توقف الأب عن شرب الكحول، وكذلك انقطع عن عمله السابق لأنه لم يجد فيه ما يسد به ثغرة ما كانوا عليه من ضيق في العيش، فأصبح للأسف يتسول يطلب المال من شخص لآخر دون أن يتعلم درسا من حياته السابقة، فلم يتوقف عن السير في ذاك الطريق المنحرف، إلّا أنه لم يرجع لشرب الكحول لكنه أصبح يدمن على تناول السيجارة يوميا مع أنه لا يملك دخلا لنفسه ولعائلته، ولعدم وجود دخل لهذه العائلة قررت البنت الكبيرة أن تعمل أي شيء لأجل عائلتها، وحقا وجدت الفتاة عملا تجني من خلاله دخلا محترما.
وهل توقفت الأم حينما أصبحت ابنتها تعمل، طبعا لا... فقد كانت تساعدها من خلال بيع أشياء مختلفة بعدما تشتريها، ومع كل تلك الصعاب لم تيأس هذه العائلة من حالتها المعيشية كما تفعل بعض العائلات، فكما يقول الشاعر: "الأم مدرسة إذا أعددتها, أعددت شعبا طيب الأعراق".
فكانت هاته الأم ترسل البعض من أولادها إلى تعلم أشياء أخرى زيادة عن دراستهم في المدرسة، ومنهم من ترسله ليبيع لها ما تصنعه بيديها أو ما كانت تحتفظ به من بعد ما تشتريه.
قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}.
سورة البقرة: الآية 273
والعجيب في هذه الأم أنها لم تكن كزوجها تتوسل وتطلب الناس على الرغم من ظروفها المعيشية, ولو طلبت لكان حقا لها لأن الناس تعرف بحالهم وكيف هو وضعهم المادي, لكن تعففها عن السؤال جعلها تمسك نفسها على أن تتسول كالآخرين, كما جعلها ذات مكانة لدى الجيران حولها, ومع هذا كله لم يبقى الذين من حولهم يتفرجون عليهم هكذا فقد كانوا يرسلون إلى هذه العائلة بعضا من المساعدات التي لا يمكن أن تقضى إلّا بتقديم الناس يد المعونة إلى بعضهم البعض, وكذلك تمكن الأم من تجاوز هذه الظروف بصبر وثبات دون أن يردعها عارض, سواء أكان هذا العارض داخلي أو خارجي فهي حقا أم بمعنى الكلمة, فقد غيرت حياتها وحياة عائلتها إلى أفضل ما يكون, وعلمت الآخرين درسا في الكفاح والصبر على ما يعترضهم من صعاب في هذه الحياة.
فرغم صعوبة العيش مع ارتفاع أسعار السلع فإن هذه العائلة والحمد لله قد تماشت مع الوضع الذي هم فيه بكل يسر وبشكل لا يمكن وصفه, مواكبة الظروف القاسية مع قلة المداخيل, مقابل الصبر والجهاد على تحمل البلاء, والسعي إلى تحقيق الغاية والنظر للأمام مع التوكل على الله, كل هذا يهوّن علينا مشاكل الحياة مهما كانت كبيرة ومتنوعة.
من هذه المدرسة العظيمة وهي الأم علمتنا درسا في الحياة, وكيف لنا أن نتجاوز المحن والضغوطات, ومن خلالها تنتج مجتمعات مزدهرة وسائدة بالأخلاق العالية والسمات المميزة, والتي تميزها على المجتمعات الأخرى بالرقي والنمو, ووصول الأمم إلى القمم ما هو إلّا نتاج مثل هذه المدارس كما عرفنا في الأمم السابقة, وكذلك في الأمم الغربية والتي تخرج كل يوم عالما يفيد العالم بشيء من ابتكاراته أو اختراعاته, أو حتى من خلال أفكاره النادرة التي توصل العديد من المؤسسات إلى القمم, فهذا كله يعود بشكل كبير لتربية وتعليم الأم عندهم.
فالأم هي الدافع والحافز الأساسي لصنع عظماء يستطيعون تغيير الموازين لصالحهم وصالح وطنهم, ويمكن أن يعود نفعهم على الأمم الأخرى في زمانهم, أو حتى على الأجيال من بعدهم.
نعم فلقد كانت تلك العائلة مميزة.. الأم فيها من تصنع الأجيال المتخلقة على حساب صبرها وتحملها للشدائد, فاليوم كثيرا ما نرى من أخلاق الأطفال المذمومة والممقوتة لدى الكثير من الناس, ويمكن أن يعود سببه بشكل أساسي لتربية الوالدين, وهذه العائلة مثال على التعليم والتربية الحقيقية, نعم.. فتغير الزوج وتركه لتلك الآفة لم يكن إلّا نتاج صبر تلك الزوجة الصالحة عليه, و كذلك تربيتها الجيدة وتعليمها لأولاده وجعلهم ذوي سمعة وأخلاق لدى الناس حولهم, إن الأبوان لهما التأثير الكبير على الأطفال وخاصة الأم, فإن كانت الأم صالحة فبإذن الله يكون الأطفال صالحين والعكس بالعكس.
إن الجهد والتعب يعطيان ثمارهما, وهاته الأم قد حصدت ما زرعت من النشأة الطيبة النقية, فالكثير من الأمهات اليوم عليهن التعلم من مثل هذه الأم الصادقة الصبورة, لا تملك المال لكنها تملك قلبا مليئا بالتفاؤل والإيمان, ومن أفنى عمره في تنشئة الجيل الصالح والصاعد بالأخلاق فقد فاز بخيري الدنيا والآخرة.
فقد قال أمير الشعراء:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ***** فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا