- المشاهدات: 231
- الردود: 7
لقد كَذبت أمي....!!
في بيتٍ بسيط نشأت أنا مريهان.... كنت الابنة الوسطى لا أتذكر عن طفولتي الكثير كوني كنت طفلة خجولة لحدٍ كبير، ولكن ما أتذكره جيداً هو قسوة أمي التي زادت بشكلٍ كبيراً بعد موت أبي رحمه الله..
و على الرغم أن جميع الفتيات في عمري كانوا يحبون أن يكبروا ويكونون مثل أمهاتهنّ، ولكني كنت على عكس الجميع ولا أرى في أمي إلا القسوة..
أتذكر جيداً مقوله إحدى قريباتي والتي قالت لي بالنص و بلغتنا العامية (أنتي هتطلعي شبه أمك دا حتى عينيك نفس لون عيونها!!)، وقتها شعرت بالغضب في داخلي، لأني أرى أمي امرأة قاسية و غير حنونه، ولا أريد أن أكون مثلها يوماً ما.....
ولكن تلك المرأة القاسية من وجهة نظري أصرت على تعليمي أنا و إخوتي ، رغم قلة حيلتها و ضعف مدخولها الشهري، ففي تلك الفترة قال خالي لـ أمي لماذا ستقومين بتعليمهم؟ اجعليهم يعملون ويجنون المال أفضل.... ولكن أمي أصرت على تعليمنا جميعاً... و تحملت تعليم ستة أبناء في مراحل تعليمية مختلفة.
لذلك كل تلك الضغوط جعلت من أمي أقسى ... لم أتذكر في طفولتي أنها عانقتني يوماً... و لكن عندما كان يُعنفني أبي حتى بالكلمات اتذكر دوماً ردها عليه قائله (هي هتعمل ايه يعني؟ انت كدة لا عجبك العجب ولا الصيام في رجب) فـ كان حنانها علي مخفي تحت وجه الأم القاسية ولكني لم أعلم ذلك أبداً...
مرت السنين و معها زاد الحِمل على أمي، فـ اضطررت أن أعمل وأدرس في نفس الوقت أنا و معظم أخوتي، و في نهاية كل شهر كانت أمي تأخذ الراتب و تترك لنا منه جزءٍ بسيطاً وهذا أكثر ما كان يزعجني.... حتى أنني كنت اتهمها في صغري بأنها تستلي على كل أموالي بغير وجه حق و كرهت ذلك بشكلٍ كبير أنا و أخوتي ، ولهذا السبب كنا دوماً ما نكذب عليها و نخفي عنها الراتب الحقيقي لنا....
و تمر السنين و ها أنا قد تخرجت من الجامعة أنا و أختي الأصغر – أما أختي الكبيرة فتزوجت هي و أخي الأكبر ، أما عن البقية فقد كانوا صغارً ولكنهم واظبوا على ذهابهم إلى المدرسة، وقد فعلت أمي كل ذلك بمفردها… وجعلت كل منا يمتلك صورة جيدة في المجتمع، فـ جميعنا أصبحنا مُتعلمين تعليماً جامعياً، و أصبحت أمي الوحيدة من بين أخواتها التي علمت جميع أبنائها رغم ظروفها الصعبة.
و بعد تخرجي عملت في إحدى الشركات و حاولت أن أثبت نفسي قدر المستطاع و لكني دائماً ما كنت أفشل، فلم يروقني يوماً أن أكون محاسبة تجلس على مكتبها طوال اليوم و تفني عمرها وسط العمليات الحسابية و جرد المخازن.
و أثناء تلك الفترة تمت خطبتي على ابن الجيران الذي لطالما لم تحبه أمي ولكنها وافقت إرضاء ٍ لي.... في تلك الفترة حدثت الكثير من المشكلات التي تعبت من عدها ، و في كل مشكلة كانت أمي تذكرني بعدم موافقتها على ارتباطي بهذا الشاب، كوني وقتها كنت فتاةً خجولة يحمر وجهُها من كلمة ولا تُحسن التصرف، لذلك خافت أمي عليا بشدة ولكنها لم تظهر خوفها عليا ولو لمرة.... ولكني أتذكر حضنها الأول حين اتخذت قرار بفسخ تلك الخطبة و حالتي النفسية السيئة و دموع أمي التي انهمرت من عينيها حينما رأتني أبكي...
و بعد تلك التجربة التي مررت بها، تغيرت أمي كثيراً، تبدلت تلك المرأة القاسية بـ أم حنونه متعلقة بـ بناتها و تشاركهم كل شيء في الحياة...
ومرت السنين مرة أخرى و تزوجنا جميعاً و في كل مرة كانت أمي تتخلى عن جزءٍ من قلبها و تتركه بعيداً عنها، و تبقى هي بين نار الاشتياق لهؤلاء الصغار الذين كبروا وأصبحوا أمهاتٍ الآن... وبين دعواتها لهم بأن يعيشوا حياة أفضل مما عاشت هي....
حتى جمعتنا في يوم ما وقالت لنا... لقد اشتريت لكم منزلاً ليكون لكم سند في المستقبل، كما منحت أخي مبلغ مالي كبير لكي يشق حياته و يبني بيت و أسرة هو الآخر...
وفي تلك اللحظة قلت في نفسي.... لقد كذبت أمي.... كذبت عندما أظهرت القسوة لتكون بمثابة أم و أب في مجتمع لا يرحم الضعيف ، و لتربي أولادها بشكل صحيح حتى لا يفلت منها اللجام و نضيع واحداً تلو الآخر....
كذبت أمي عندما لم تخبرنا أنها تفكر في مستقبلنا لسنين قادمة، خوفاً منها أن نعيش ما عانت منه ، وكانت تدبر لنا القرش مع القرش حتى تترك لنا إرثا مادياً نحتمي به في السنين العجاف التي يمكن أن نعيشها فيما بعد....
لهذا وعندما كَبرت ... أدركت أن كل ما فعلته أمي معنا كان حب، حتى قسوتها علينا كانت أكبر حب، و أصبحت تراودني تلك المشاعر السيئة و أقول.... ماذا بعد أن يفارقنا هذا الحب؟ كيف سنعيش؟ ومن سوف أتصل به يومياً و أسأله تلك الأسئلة الروتينية فقط لكي أطمئن عليه؟
مجرد التفكير بـ يوم الفراق، يجعل قلبي ينزف دموعاً.... لا أحب أن أفكر أن هذا اليوم آتٍ لا محالة... ولكني أدعو الله أن أكون قبلها ذهاباً إلى المولى عز وجل، لأني لن أتحمل فُراقها....
لذلك وددت أن أكتب بقلمي تلك الحروف التي حاولت أن أجمعها معاً، لربما تكون كلماتٍ تعبر عن ما بداخلي لـ تلك السيدة التي مرت بمواقف لم يتحملها الرجال ولكنها صَمدت، إلى صاحبة العيون الخضراء
و القلب الأبيض... إلى من علمتني القوة و اللين في آن واحد... و أخيراً إلى ضمامة قلبي و سكينة روحي... أمي الحبيبة، أدام الله في عمرك.
في بيتٍ بسيط نشأت أنا مريهان.... كنت الابنة الوسطى لا أتذكر عن طفولتي الكثير كوني كنت طفلة خجولة لحدٍ كبير، ولكن ما أتذكره جيداً هو قسوة أمي التي زادت بشكلٍ كبيراً بعد موت أبي رحمه الله..
و على الرغم أن جميع الفتيات في عمري كانوا يحبون أن يكبروا ويكونون مثل أمهاتهنّ، ولكني كنت على عكس الجميع ولا أرى في أمي إلا القسوة..
أتذكر جيداً مقوله إحدى قريباتي والتي قالت لي بالنص و بلغتنا العامية (أنتي هتطلعي شبه أمك دا حتى عينيك نفس لون عيونها!!)، وقتها شعرت بالغضب في داخلي، لأني أرى أمي امرأة قاسية و غير حنونه، ولا أريد أن أكون مثلها يوماً ما.....
ولكن تلك المرأة القاسية من وجهة نظري أصرت على تعليمي أنا و إخوتي ، رغم قلة حيلتها و ضعف مدخولها الشهري، ففي تلك الفترة قال خالي لـ أمي لماذا ستقومين بتعليمهم؟ اجعليهم يعملون ويجنون المال أفضل.... ولكن أمي أصرت على تعليمنا جميعاً... و تحملت تعليم ستة أبناء في مراحل تعليمية مختلفة.
لذلك كل تلك الضغوط جعلت من أمي أقسى ... لم أتذكر في طفولتي أنها عانقتني يوماً... و لكن عندما كان يُعنفني أبي حتى بالكلمات اتذكر دوماً ردها عليه قائله (هي هتعمل ايه يعني؟ انت كدة لا عجبك العجب ولا الصيام في رجب) فـ كان حنانها علي مخفي تحت وجه الأم القاسية ولكني لم أعلم ذلك أبداً...
مرت السنين و معها زاد الحِمل على أمي، فـ اضطررت أن أعمل وأدرس في نفس الوقت أنا و معظم أخوتي، و في نهاية كل شهر كانت أمي تأخذ الراتب و تترك لنا منه جزءٍ بسيطاً وهذا أكثر ما كان يزعجني.... حتى أنني كنت اتهمها في صغري بأنها تستلي على كل أموالي بغير وجه حق و كرهت ذلك بشكلٍ كبير أنا و أخوتي ، ولهذا السبب كنا دوماً ما نكذب عليها و نخفي عنها الراتب الحقيقي لنا....
و تمر السنين و ها أنا قد تخرجت من الجامعة أنا و أختي الأصغر – أما أختي الكبيرة فتزوجت هي و أخي الأكبر ، أما عن البقية فقد كانوا صغارً ولكنهم واظبوا على ذهابهم إلى المدرسة، وقد فعلت أمي كل ذلك بمفردها… وجعلت كل منا يمتلك صورة جيدة في المجتمع، فـ جميعنا أصبحنا مُتعلمين تعليماً جامعياً، و أصبحت أمي الوحيدة من بين أخواتها التي علمت جميع أبنائها رغم ظروفها الصعبة.
و بعد تخرجي عملت في إحدى الشركات و حاولت أن أثبت نفسي قدر المستطاع و لكني دائماً ما كنت أفشل، فلم يروقني يوماً أن أكون محاسبة تجلس على مكتبها طوال اليوم و تفني عمرها وسط العمليات الحسابية و جرد المخازن.
و أثناء تلك الفترة تمت خطبتي على ابن الجيران الذي لطالما لم تحبه أمي ولكنها وافقت إرضاء ٍ لي.... في تلك الفترة حدثت الكثير من المشكلات التي تعبت من عدها ، و في كل مشكلة كانت أمي تذكرني بعدم موافقتها على ارتباطي بهذا الشاب، كوني وقتها كنت فتاةً خجولة يحمر وجهُها من كلمة ولا تُحسن التصرف، لذلك خافت أمي عليا بشدة ولكنها لم تظهر خوفها عليا ولو لمرة.... ولكني أتذكر حضنها الأول حين اتخذت قرار بفسخ تلك الخطبة و حالتي النفسية السيئة و دموع أمي التي انهمرت من عينيها حينما رأتني أبكي...
و بعد تلك التجربة التي مررت بها، تغيرت أمي كثيراً، تبدلت تلك المرأة القاسية بـ أم حنونه متعلقة بـ بناتها و تشاركهم كل شيء في الحياة...
ومرت السنين مرة أخرى و تزوجنا جميعاً و في كل مرة كانت أمي تتخلى عن جزءٍ من قلبها و تتركه بعيداً عنها، و تبقى هي بين نار الاشتياق لهؤلاء الصغار الذين كبروا وأصبحوا أمهاتٍ الآن... وبين دعواتها لهم بأن يعيشوا حياة أفضل مما عاشت هي....
حتى جمعتنا في يوم ما وقالت لنا... لقد اشتريت لكم منزلاً ليكون لكم سند في المستقبل، كما منحت أخي مبلغ مالي كبير لكي يشق حياته و يبني بيت و أسرة هو الآخر...
وفي تلك اللحظة قلت في نفسي.... لقد كذبت أمي.... كذبت عندما أظهرت القسوة لتكون بمثابة أم و أب في مجتمع لا يرحم الضعيف ، و لتربي أولادها بشكل صحيح حتى لا يفلت منها اللجام و نضيع واحداً تلو الآخر....
كذبت أمي عندما لم تخبرنا أنها تفكر في مستقبلنا لسنين قادمة، خوفاً منها أن نعيش ما عانت منه ، وكانت تدبر لنا القرش مع القرش حتى تترك لنا إرثا مادياً نحتمي به في السنين العجاف التي يمكن أن نعيشها فيما بعد....
لهذا وعندما كَبرت ... أدركت أن كل ما فعلته أمي معنا كان حب، حتى قسوتها علينا كانت أكبر حب، و أصبحت تراودني تلك المشاعر السيئة و أقول.... ماذا بعد أن يفارقنا هذا الحب؟ كيف سنعيش؟ ومن سوف أتصل به يومياً و أسأله تلك الأسئلة الروتينية فقط لكي أطمئن عليه؟
مجرد التفكير بـ يوم الفراق، يجعل قلبي ينزف دموعاً.... لا أحب أن أفكر أن هذا اليوم آتٍ لا محالة... ولكني أدعو الله أن أكون قبلها ذهاباً إلى المولى عز وجل، لأني لن أتحمل فُراقها....
لذلك وددت أن أكتب بقلمي تلك الحروف التي حاولت أن أجمعها معاً، لربما تكون كلماتٍ تعبر عن ما بداخلي لـ تلك السيدة التي مرت بمواقف لم يتحملها الرجال ولكنها صَمدت، إلى صاحبة العيون الخضراء
و القلب الأبيض... إلى من علمتني القوة و اللين في آن واحد... و أخيراً إلى ضمامة قلبي و سكينة روحي... أمي الحبيبة، أدام الله في عمرك.