💢 حصري: الهندسة الطوباوية: حلم العيش في عالم مثالي

العيش في عالم مثالي هو انجاز حاول الحكام وحتى الطغاة الوصول له عن طريق أفكار طوباوية تحمل في طياتها تخيلات لمدن ومجتمعات مثالية ومتماسكة تعيش داخل كل متجانس ومصمم بطريقة عصرية وأنيقة تعكس الأفكار والعقائد السائدة عموما، وقد كانت أسطورة أتلانتيس واحدة من الأساطير التي عززت هذه الفكرة عند الحكام وحتى المهندسين الذين أرادوا الابداع في تصميم مجتمع يكون أكثر مثالية من أتلانتيس فجاؤوا بتصورات مختلفة ربما لم تتحقق قط لكنها بالتأكيد تستحق الدراسة والنظر بحكم جماليتها وتفردها.




جرمانيا عاصمة العالم:

كان مشروع جرمانيا عاصمة العالم بمثابة الحلقة الأخيرة في مسلسل الحرب من منظور هتلر إذ خطط في حالة انتصاره لجعل برلين مركزا للعالم أجمع عن طريق تهديمها وإعادة بناءها بالاعتماد على مخططات المهندس ألبيرت شبير الذي أراد تجسيد التفوق الآري عن طريق تصميم مدينة حديثة بشوارع واسعة تحتوي معالم أثرية ذات أحجام هائلة مثل عمود النصر وقاعة الشعب التي كانت لتكون أعجوبة من عجائب الدنيا بفضل تصميمها الحداثي وضخامتها غير العادية، لكن أفكار شبير لبناء مباني عديدة ضخمة في مدينة واحدة كانت تحديا صعبا عند النظر لوزن هذه المباني الهائل وتأثيرها على استقرار المدينة وهو أمر حاول شبير التعامل معه وحتى التفوق عليه لكن جهوده توقفت بسبب اندلاع الحرب وانتهت تماما بعد هزيمة ألمانيا.





قصر السوفييت:

ليست مدينة لكن معلم تاريخي كان ليكون واحدا أضخم وأجمل المباني في الاتحاد السوفياتي وأطول مبنى في العالم في تلك الفترة. قصر السوفييت كان مشروعا طموحا لإنشاء مركز إداري وقاعة مؤتمرات في موسكو قرب الكرملين، ولتجسيد هذا المشروع بالصورة المثالية التي رسمتها قيادة الاتحاد السوفياتي تم تنظيم مسابقة عالمية لتصميم المبنى بين عامي 1931 و1933 شارك فيها عدد من المهندسين المعماريين العالميين وتفوق فيها بعد جولات التصفيات بوريس يوفان الذي قدم تصميما حداثيا على شكل ناطحة سحاب يبلغ ارتفاعها 495 مترا وفي قمتها تمثال لستالين، وقد بدأت أعمال الإنشاء عام 1937 لكنها توقفت بسبب الغزو الألماني عام 1941 ولم تستكمل قط.



مدينة باولو ساليري:

بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت موجة جديدة من الرؤى الطوباوية وهذا بالنظر إلى أنه كانت هناك حاجة حقيقية لإعادة بناء المدن بعد الدمار الذي خلفه القصف ومع إعادة إعمار المدن كانت هناك حاجة أيضا لإعادة وضع قواعد مجتمعية جديدة خاصة في فترة الستينات والسبعينات مع انتشار موجة جديدة من الثقافة والعلم والتكنلوجيا وهو الأمر الذي لاحظه المهندس الإيطالي باولو ساليري الذي كانت له فكرة متطرفة لحد ما، فالأخير بعد استقراره في أحد الضواحي بالولايات المتحدة الأمريكية لاحظ أن أغلب السكان كانوا منعزلين على بعض لدرجة كبيرة وكانت تلك الحياة بالنسبة له تعيسة وغير صحية وسبب في التدهور الأخلاقي والاجتماعي فقرر أنه يصمم مدينة متماسكة تكون فيها مباني ضخمة ذات تعداد سكاني عالي ومتصلة ببعضها البعض بجسور ضيقة وتعتمد على طاقة قليلة ومتجددة. وكانت المدينة حسب فلسفته كائن حي يكون فيه الأفراد جزءا من عالم أكبر وحاول حتى أن يطبق فكرته على أرض الواقع في صحراء أريزونا عام 1970 لكنه لم يستطع تجسيد فكرته كما أرادها. ساليري يبقى واحدا من أشهر المعماريين في العالم حتى اليوم.




رابتور: مدينة تحت الماء:

ولنضيف الخيال إلى الخيال سنتحدث عن مدينة خيالية تماما لكنها مستوحاة من فلسفة حقيقية وهي مدينة "رابتور" الخاصة بلعبة بيوشوك Bioshock)). المدينة رغم أن اللاعب يصل لها شبه محطمة إلا أنها كانت أسطورية بكل معنى الكلمة وهذا لأن المهندس في اللعبة أندو ريان استطاع التغلب على الضغط العالي أسفل المحيط وتصميم مدينة عصرية ترتبط مبانيها بأنفاق شفافة تعطيك إطلالة على المحيط حولك. المصمم الرئيسي للعبة كيفين لافين استلهم التصميم من أفكار الفيلسوفة آين راند عن الذاتية ونبذ الأنظمة التقليدية وحتى الدين واستطاع خلق مدينة لا توجد فيها أي من الأنظمة السياسية المعروفة ولا تخضع لأي ديانة بل تعتمد على الرأسمالية في أبسط صورها مع وجود تصورات فلسفية أخرى عميقة تتطلب مقالات لشرحها كلها. اللعبة بفضل أفكارها وتصميم المدينة المميز والذي انعكس على التجربة عموما حصلت على عدة جوائز وردود فعل جد إيجابية من النقاد عند صدورها.




مدن الحدائق:

ومن الخيال إلى الواقع مع مدن الحدائق، وهو تصور جاء به المهندس المعماري إيبينزير هوارد بعد ملاحظته للانفجار السكاني الذي كانت تعاني منه المدن بعد الثورة الصناعية والهجرة الهائلة للمدن للحصول على حياة أفضل، إيبينزير أراد خلق بيئة متوازنة تجمع بين مزايا الريف والمدينة عن طريق نموذج المغناطيس الثلاثي الذي وضعه في كتابه مدن حدائق الغد والذي يظهر ثلاث أقطاب هي المدينة، الريف والبلدة. المغناطيسين الأول والثاني يسردان سلبيات وإيجابيات المدينة والريف أما الثالث فيجمع مزايا كليهما. مدن الحدائق اليوم منتشرة في العديد من دول العالم ويطلق عليها في بعض الأحيان الضواحي وعند التركيز فيها يمكنك أن ترى أنها قد تكون فعلا نتاج خيال علمي وهذا بالنظر لعدد المنازل المتراصفة ذات التصميم الواحد والشوارع الفارغة والهادئة التي قد تعكس حالة من الانعزال الذي كان الكتاب يتصورونه دوما عند الحديث عن المستقبل كما ذكرنا سلفا مع المهندس باولو ساليري.




الخاتمة:

هذه الأفكار وأخرى عديدة تعطينا لمحة عن قدرة العقل البشري على رسم أغرب التصاميم في سبيل الوصول للمثالية وتجسيد أفكاره بأحسن طريقة، ومع التطور التكنلوجي الحاصل قد نرى مستقبلا هذه الخطط الفانتازية تتحول لواقع معاش كتصاميم وحتى كتصورات فلسفية.


المصادر:

يجب تسجيل الدخول لمشاهدة الروابط

يجب تسجيل الدخول لمشاهدة الروابط

يجب تسجيل الدخول لمشاهدة الروابط

يجب تسجيل الدخول لمشاهدة الروابط