- التعديل الأخير:
- المشاهدات: 323
- الردود: 5
التعديل الأخير:
أسطورة الرجل خلف القناع الحديدي
المقال كاملا:
عربة مصفحة بشبابيك حديدية صدئة تتوقف تحت زخات المطر، صهيل الحصان يكسر الهدوء الذي جثى على المكان كوحش ميت، ينزل الحارس من خلف حصانه و يقترب من الباب الخلفي رفقة ثلاث حراس آخرين تقدموا من البوابة الضخمة خلفه، بعد فتحه للباب يصعد داخل العربة و يختفي وسطها للحظة قبل أن يخرج منها مجددا و هو يجر شخصا متوسط الطول و البنية، هادئ هدوء معبد، على وجهه قناع حديدي أخفى كل ملامحه فلا تعرف أرجل هو أم امرأة.
"ما الذي جاء به إلى سجن الباستيل؟"، يسأل أحد الرجال مخاطبا حارس العربة فيجيب الأخير:
"لا علم لدي، كل ما أعرفه هو أنه كان في سجن بينورولو، وليس ذلك أول سجن يقبع هذا الرجل المجهول بين زواياه".
ينظر الحراس للرجل ذو القناع الحديدي باستغراب ثم يقول أحدهم له:
"لا أظن أنك ستخرج من هذا المكان في أي وقت قريب، فاعتد على الصلاة".
ثم يجره للداخل ويغلق البوابة خلفه ساحبا إياه لظلمات السجن.
من هو الرجل خلف القناع الحديدي:
تاريخ ميلاده يبقى مجهولا لكن التكهنات تقول أنه صرخ صرخته الأولى كرضيع حر عام 1658، لا تذكر المصادر شيئا عن شبابه أو طفولته أو حياته المبكرة بشكل عام، و كأن قصة حياته بدأت بأسره فلم يعرف الحرية قط، حاول العديد من المؤرخين معرفة هويته و دراسة ظروف سجنه لمعرفة الدافع خلف ذلك و ربما الوصول لإجابة صريحة لكن أعمالهم كلها تبقى مجرد أطروحات لا إثبات فعلي لها.
أطروحة مارسيل بانيول:
الروائي الفرنسي مارسيل بانيول نشر أطروحة مثيرة للاهتمام عام 1965 بعنوان "سر القناع الحديدي" وفيها ذكر بانيول أن الرجل خلف القناع الحديدي هو الشقيق الأصغر للملك الفرنسي لويس الرابع عشر، وأمر الأخير بسجنه عام 1669 لتآمره ضده وضد الدولة، تم تحديث الأطروحة عام 1973 وأضيف لها بحث مستفيض عن شخصية سميت بجايمس دو لا كلوش، الذي قيل الآن أنه الأخ التوأم للملك والرجل خلف القناع الحديدي.
تكفلت الخادمة ليدي بيرونيت بتربية الصبي ونقل في سن السادسة إلى جزيرة جيرسي، وتكفلت به هناك مارغريت كارتريت، ابنة أنبل عائلة في الجزيرة، تم تعميده ككاثوليكي عام 1667، وعاد إلى لندن بعد عام وهناك تآمر ضد أخيه رفقة رجل يدعى رو دي مارسيلي، والذي أعدم عام 1669.
كان مع رو دي مارسيلي لحظة القبض عليه خادم بسيط أطلق عليه اسم مارتن، والذي قال الكاتب مارسيل بانيول أنه هو أخ لويس الرابع عشر. بعد ثبوت ضلوعه في المؤامرة نقل الأخير إلى سجن كاليه في يوليو عام 1669، ثم نقل إلى سجن بينيورول تحت رعاية الحاكم ساينت مارس وبقي هناك حتى عام 1681. أطلق عليه هناك لقب الخادم البسيط ونقل بعد ذلك لحصن المنفيين ثم إلى جزيرة سانت مارغريت وأخيرا إلى سجن الباستيل عام 1698 وتوفي هناك عام 1703 بعد 34 عاما في الأسر.
كتابات فولتير:
اهتمام فولتير بالرجل ذو القناع الحديدي بدأ عام 1738، حين كتب الأخير رسالة للأب جان بابتيست دو بوس، يخبره فيها أنه كان على علم جيد بالرجل ذو القناع الحديدي والذي توفي في الباستيل، ادعى فولتير أنه خلال فترة سجنه في الباستيل أعوام 1717 و1718 و1726 قد تحدث عن السجين مع زملاء آخرين في الداخل، لكن ادعاءه هذا يبقى صعب التصديق فالرجل ذو القناع الحديدي توفي سنوات قبل دخول فولتير للسجن وكل من عاصروا فترته من زملاء توفوا بدورهم قبل أن يلتقوا بفولتير.
لكن الأخير واصل بحثه وبحلول عام 1751 نشر كتابه المعادي للسلطة بعنوان عقد لويس الرابع عشر وخصص فصلا كاملا للحديث عن السجين. في هذا الفصل يتحدث فولتير عن حدث جلل غفل كل المؤرخين عن ذكره ألا وهو وصول سجين مجهول، طويل القامة، حسن الملامح، يقال أنه نقل في سرية تامة إلى قلعة جزيرة سانت مارغريت الواقعة في البحر الأبيض المتوسط قبالة بروفانس، و خلال الرحلة كان السجين يرتدي قناعا، تحتوي قطعة ذقنه على نوابض فولاذية يرفعها حتى يتمكن من تناول الطعام و قد أمر الحراس بقتله إذا كشف وجهه.
يضيف فولتير أن السجين بقي في سانت مارغريت حتى ذهب ضابط في المخابرات يدعى سانت مارس ذلك العام وأحضره إلى الباستيل وقناعه لم يفارق وجهه، وذكر فولتير أن السجين تحدث للماركيز دي لوفوا الذي ظل واقفا طيلة فترة تحدثه معه وكان يعامله باحترام شديد.
بعد نقله للباستيل تلقى السجين معاملة مميزة في الداخل، ولم يرفض له طلب قط. كان مولعا بالكتان وكانت تقدم له أطباق شهية وكان حاكم السجن يعامله باحترام ويقف عند حديثه معه، وتم تكليف طبيب خاص به يكشف عنه بشكل دوري دون أن يرى وجهه، وقال فولتير أن الطبيب وصف السجين بأنه رجل حسن المظهر، وذا نبرة مميزة، لم يشتكي له قط من سجنه ولم يعطه أي تلميح عن هويته، وبحسب فولتير فقد توفي السجين الغامض عام 1704 ودفن ليلا في كنيسة أبرشية سان بول.
ختاما:
الرجل ذو القناع الحديدي كان نظرية المؤامرة الأكثر شعبية في تلك الفترة وحظي باهتمام الكثير من الكتاب والمؤرخين الذين ربطوه بشكل مباشر بالملك لويس الرابع عشر رغم أن ذلك لم يتم إثباته قط إلا أن وضع قناع على وجهه وسجنه بذلك الشكل دون إعدامه ونقله بين السجون، كلها علامات قد تدل على صحة الرواية لكن الأمر يبقى غير واضح وغامض لحد كبير.
التعديل الأخير: