التعديل الأخير بواسطة المشرف:
الحروب الصليبية (2)
.............................
- وصل كربوقا إلى الرها ضاربًا الحصار عليها رغم اعتراضات قواده خوفًا من سقوط الموصل ولكنه أضاع ثلاث أسابيع في الحصار, بينما كانت الحيرة والاضطراب والتساؤلات تسود أنطاكية عن سبب تأخر جيش الموصل..............................
اليوم هو ال200 من حصار المدينة الباسلة ولكنه للأسف كان الأخير, وكما قدر ياغي سيان كان بسبب الخيانة, أحد القائمين على حراسة السور ويدعى "فيروز", كان بينه وبين ياغي سيان خلاف من قبل, تواصل مع الفرنج ووعدهم بتسهيل دخولهم واتفقوا على الموعد.
في عشاء تلك الليلة ابتعد الفرنج عن أسوار المدينة وبدا أنهم في الطريق للقاء جيش الموصل مما جعل أهل المدينة يشعرون بالراحة, وعند الفجر, كانوا يتسللون متسلقين السور من ناحية فيروز, فتحوا إحدى البوابات ثم أطلقوا أبواقهم عالية واقتحموا المدينة, أدرك ياغي أن مدينته قد سقطت في يد الفرنج, فتصرف بشكل متخاذل واصطحب بعض فرسانه وانطلق هاربًا, بيد أنه قتل في طريق هربه وجاءت رأسه للفرنج.
- سقطت المدينة الباسلة في مستنقع من النار والدم, فقد أعمل الفرنج فيها القتل والحرق والتخريب بشكل جنوني.
-عندما اقترب جيش الموصل من أنطاكية، انضم إليهم دقاق ملك دمشق وبعض الامراء, ليس رغبة في الجهاد ولكن خوفًا من سيطرة كربوقا على الشام لو انتصر على الفرنج.
والتقى الجيشان بعد تبادل الأماكن, الان أصبح الفرنج داخل المدينة المنتهكة والتي نفذت إمداداتها تقريبًا خلال ال200 يوم حصار, فعاد الجوع والقلق يلم بهم وفي الخارج جيوش المسلمين الممزقة فعليًا والمتربص امرائها ببعضهم, وظل الجيشان يتقاتلان بلا منتصر.
- كان " بيمند" قائد الفرنج يصطحب معه راهب شديد الذكاء, فكر في حيلة تدفع جنودهم لمهاجمة جيش المسلمين بشجاعة, فقد خرج عليهم ليقول إن السيد المسيح قد دفن حربته بموضع في أنطاكية فإن وجدتموها فالنصر لكم وإلا فأنتم هالكون. كان الرجل قد دفن الحربة في الموضع قبلها, طلب منهم الصيام ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع اصحبهم ليجودا الحربة.
شعر الجنود بالحماسة وهاجموا جيوش المسلمين في الخارج بعنف, فكان أن انفصل دقاق وجيشه وامراء آخرين من الجيش وتركوا كربوقا الذي ارتبك جنوده وتراجعوا وتحول الأول إلى هزيمة كاملة لجيوش المسلمين.
وكان أخطر ما في الامر الآن أنه لم يعد في الشام جيش يستطيع مواجهة الفرنج.
-وصلنا لأواخر العام 1098, أهل المعرة(موطن الشاعر الشهير أبو العلاء المعري المتوفي في عام 1057م.) الناس الطيبون المسالمون يعيشون الأن في رعب غزو الفرنج لمدينتهم, والذين لم يتأخر وصولهم بالفعل .
لم يكن للمدينة جيش وإنما حامية صغيرة.
لجأ أهل المدينة للاحتماء داخلها وقاتلوا الفرنج لمدة اسبوعين ثم أرسلوا إلى بيمند لطلب الصلح وتسليم المدينة فوافق وأمنهم على حياتهم وما أن دخل الفرنج المدينة حتى نقضوا العهد واعملوا في أهلها القتل والتنكيل وارتكبوا فظاعات يعجز العقل عن تصورها.
في الثالث عشر من يناير أضرم الفرنج النار في كل بيت من بيوت المعرة وتركوها وواصلوا التقدم نحو الجنوب.
أحدث ما فعله الفرنج بالمعرة دوي هائل جعل امراء وحكام المدن التالية يسرعون بتقديم الهدايا والإمدادات مع فروض الطاعة والولاء لأمراء الفرنج ومنهم "سلطان بن منقذ" عم المؤرخ الشهير" أسامة بن منقذ وكان حاكمًا لغمارة صغيرة تدعى "شيزر".
-كان الكل يعرف وجهة الفرنج... المدينة المقدسة في فلسطين, فكان الأثرياء من سكان المدن والقرى الواقعة في الطريق يرحلون إلى أماكن أخرى بعيدة أما الفقراء فكانوا يلجئون إلى الغابات والجبال على ما فيها من مخاطر.
-وصل الفرنج إلى مدينة "عرقة" وكانت مدينة كبيرة في إمارة طرابلس, قاموا بحصارها, كان أهل عرقة قد أخذوا درسًا قاسيًا مما حدث في أنطاكية والمعرة لذا فقد حصنوا مدينتهم بأقصى ما يمكن وقرروا أن يدافعوا عنها باستماته, انقضت ثلاثة أشهر ولم يتمكن الفرنج من اقتحام المدينة حتى قرروا في 13 مايو رفع معسكرهم ومواصلة المسير نحو الجنوب.
-كانوا الأن يمرون أمام جوهرة الشام, طرابلس الرائعة التي مثلت جنة في قلب الشام, كانت المدينة تزخر بالحدائق الغناء والبيوت التي تشبه القصور والرخاء والازدهار, كما كان ميناؤها محطة تجارية هامة, كذلك كانت حاضرة ثقافية رائعة كما كات تفخر بوجود مكتبة هي احدى اعظم مكتبات الزمان تحوي نحو مائة الف مجلد. كانت الامارة تحت حكم سلالة من المثقفين تدعى "بني عمار" على رأسها القاضي "جلال الملك" وهم من جعلوا المدينة درة الشرق العربي, كان جلال الملك قد أرسل إلى الفرنج بدوره أعظم وأروع الهدايا وعقد معه اتفاقًا لعدم اقتحام مدينته.
-في ذلك الوقت كان الفاطميون يحكمون مصر وكانت بينهم وبين السلاجقة عداوة شديدة, فقد سيطر السلاجقة علي دمشق والقدس التي كانت تحكم الحكم الفاطمي لمدة قرن من الزمان.
فور سقوط نيقيه قدم الرجل القوي الحاكم فعليًا في مصر الوزير "الأفضل شاهنشاه" التهاني الحارة للإمبراطور الكسي كومنين,
وأصبح هناك علاقة صداقة وتنسيق وتشاور بين القاهرة والقسطنطينية ,كان الفاطميون يرغبون في استرجاع أملاكهم في الشام وفلسطين حتى انهم عرضوا معاهدة علي الروم لاقتسام الشام.
استغل الأفضل الأوضاع المزرية التي أصبح فيها الحكام السلاجقة فخرج على رأس جيش أثناء حصار انطاكية وحاصر بدوره القدس أربعون يوم حتى استولى عليها.
لكن الفرنج واصلوا تقدمهم نحو القدس في يناير 1099م وعندما أرسل الوزير الأفضل إلى كومنين رسالة كان رد القسطنطينية صادمًا:
إن الإمبراطور لا يمارس أي سيطرة على الفرنج الذين جاءوا من الأساس من أجل الاستيلاء عل القدس.
ورغم ذلك فقد حاول كومنين تأخيرهم لوقت بناءًا على رجاء حار من الأفضل الذي أرسل اليهم بدوره رسائل ترجوهم احترام معاهداته مع الروم لاقتسام الشام وترك القدس له فكان ردهم بجملة واحدة:
"نذهب إلى أورشليم جميعًا بإهاب الحرب رافعي الرماح"
- سارعت المدن بالاعتراف بسلطة الفرنج مع الخضوع لها مثل بيروت وصور وعكا أما صيدا فرفضت وقام رجالها بهجمات متفرقة على الفرنج فانتقم الفرنج بتدمير القرى المجاورة لها, وواصلوا المسير وفي فلسطين خلت القرى والمدن من ساكنيها.
وفي السابع من يونيو 1099م كان الفرنج تحت أسوار المدينة المقدسة.
- كان قائد حامية القدس الفاطمي "افتخار الدولة" قد جمع المؤن وحصن السور وسمم الآبار والعيون خارج السور وأعد كل شيء للمقاومة حتى يصل دعم القاهرة له.
مضى أسبوعين على الحصار وبدأ الفرنج في بناء برجين خشبيين ضخمين لنصبهما مقابل السور لنقل المقاتلين أعلاه, وكانت الحامية تنتظرهم بالسهام والنيران اليونانية, فأحرقت أحد البرجين والذي حاول منه الفرنج الاقتحام بينما كان الآخر في الجانب الآخر من المدينة وجاءت الأخبار بنجاح الفرنج في اقتحام المدينة من هناك في يوليو 1099.
امتلأت الطرق بجثث المقدسيين.
لجأ افتخار ومن معه إلى برج داوود وهو محصن بقوة ومنه صدوا ودفعوا الفرنج فلم يستطيعوا اقتحامه. توقفت المعارك فجأة وأرسل "صنجيل" القائد الصليبي لافتخار عارضًا عليه الخروج وتسليم البرج.
أصبحت المدينة المقدسة في يد الصليبيين كاملة, استمروا فيها أسبوعاً قتل وتدمير وتخريب, امتلأت الشوارع بالجثث, تم جمع الكثير من اليهود في الكنيسة وأحرقت بهم.
هُدِم مسجد عمر رضي الله عنه وقبر الخليل, طردوا جميع كهنة كنيسة القيامة الشرقيين, قبضوا على بعض الكهنة وعذبوهم للإعتراف بمكان صليب المسيح وانتزعوه منهم.
وأصبحت مدينة السلام مدينة للدم والخراب.
في الأثناء كان الوزير الفاطمي يتقدم ببطء بجيشه نحو القدس، وصل فلسطين بعد 20 يوم من سقوط القدس,
أقام معسكره في عسقلان, وأرسل رسل إلى الفرنج في القدس قابلهم حاكم القدس الجديد "جوندفري" للتفاوض, وكان رده على الرسالة بجمع جيش الفرنج والاندفاع بأقصى سرعة نحو عسقلان وقبل أن يستوعب الأفضل ما يحدث كان الفرنج يدخلون في معارك دموية مع الفاطميين تنتهي بهزيمتهم وانتهاك المدينة وخرابها فتراجع الفاطميين بسرعة إلى مصر.
-وصل لاجئي القدس إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية التي كانت ذات يوم أعظم وأقوى مدينة في الارغض كلها, طالبين الغوث والعون من الخليفة العباسي, لكن الخلفية الآن لم يعد إلا دمية في يد الترك السلاجقة, كان الخليفة هو الشاب المستظهر بالله الذي يهتم بالفن والأدب والشعر ولكنه لا يمثل أي قوة حقيقية بينما كان الرجل القوي والحاكم الفعلي هو السلطان " بركيارق" السلجوقي،ابن عم قلج أرسلان. وبينما كان الصليبيين الفرنج قد استولوا على جزء كبير من العالم الإسلامي, كان بركيارق في فارس يقاتل اخيه السلطان محمد.
وقد لخص المؤرخ ابن الاثير الواقع في جملة:
"واختلف السلاطين فتمكن الفرنج من البلاد"
يتبع....
------------------------------أحمدعبدالرحيم
التعديل الأخير بواسطة المشرف: