تعتبر الحرب الأهلية النيجيرية بين الحكومة الشرعية لنيجيريا و دولة بيافرا التي أعلنت إنفصالها صفحة من صفحات التاريخ المنسي، هذه الحرب التي تركت أثرا على دولة نيجيريا خصوصا و قارة إفريقيا عموما دفنت تحت طائلة حروب و نزاعات نالت حقها من التغطية الإعلامية و السياسية على غرار حرب فيتنام و نزاعات أخرى تميزت بها تلك الفترة المعقدة من التاريخ، و قد ينسى كتاب الملاحم قصدا أو عن غير قصد ذكر تورط الحكومة البريطانية في هذه الحرب بل و تأجيجها لخدمة مصالح مختلفة دون مراعاة أضرار دعم كذلك على كل الأطراف، فكيف بدأت حرب بيافرا و فيم تمثل التدخل البريطاني فيها؟.
دولة نيجيريا:
قبل الخوض في غمار الحرب و تبعاتها لا بد لنا أولا أن نعرف بالدولة المستضيفة لها. نِيْجِيْرْيَا، أو جُمْهُوْرِيّةُ نِيْجِيْرْيَا الإتِحَادِيّةُ (بالإنجليزية: Federal Republic of Nigeria)، هي دولة مستقلة تقع في غرب أفريقيا، تحدّها النيجر شمالًا، وتشاد في الشمال الشرقي، والكاميرون في الشرق، وبنين في الغرب. يقع ساحلها الجنوبي على خليج غينيا على المحيط الأطلسي. نيجيريا جمهورية إتحادية تضم 36 ولاية وإقليم العاصمة الإتحادية، حيث تقع العاصمة أبوجا. تُعتبر لاغوس أكثر مدن نيجيريا كثافة بالسكان بل وفي القارة السمراء بأكملها، ومِن أضخم المدن الكبرى في العالم بأسره. يرتكز الإقتصاد النيجيري على الثروات الباطنية و على رأسها البترول الخام حيث تملك نيجيريا إحتياطا يقدر ب 37.1 بليون برميل.
الإحتلال البريطاني لدولة نيجيريا:
تعود جذور الإحتلال البريطاني لنيجيريا لفترة 1700م، حيث عرفت قارة إفريقيا وجود مستعمرات أوروبية لم تثبت تواجدها بشكل رسمي و دائم، و يرجع هذا التذبذب حسب أدام سميث لصلابة و إستقرار المجتمعات الإفريقية مقارنة بنظيراتها في أمريكا اللاتينية ما شكل عائقا حقيقيا أمام التوسع الأوروبي بيد أن ذلك الإستقرار الذي أعجب به آدم سميث لم يمنع الأوروبيين من تشكيل مستعمرة سيراليون بشكل رسمي عام 1787 و التي إعتبرت كمخيم للعبيد الأحرار. إضافة لتأسيس الحركة التبشيرية المستقلة التي كانت تهدف إلى جلب المسيحية إلى مملكة إيدو (البنين حاليا) إضافة لبرامج الإستكشاف التي ترعاها الجمعيات والمجموعات العلمية، مثل الرابطة الأفريقية ومقرها لندن.
قادة القبائل في نيجيريا كانوا يدرون أن هذه الخطوات التي إنتهجتها الدول الأوروبية عموما و بريطانيا خصوصا كانت بمثابة مغازلة خطيرة تحمل خلفها رسالة مفادها: " بريطانيا قادمة لنيجيريا". و لم تتوقف المغازلة عند ذلك الحد إذ إزدادت حدة تجارة الرقيق في تلك الفترة خاصة في منطقة غرب إفريقيا و عرفت موانئ إيدو و لاغوس حركة كثيفة فيما يخص تجارة العبيد حيث تم أخذ ما معدله 76000 شخص كل عام في الفترة ما بين 1783-1792.
عام 1807، أصدر برلمان المملكة المتحدة قانون تجارة الرقيق، الذي يحظر على الرعايا البريطانيين المشاركة في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي. وبعد ذلك، ضغطت بريطانيا على القوى الأوروبية الأخرى لوقف تجارة الرقيق أيضًا. أبرمت بريطانيا أيضا معاهدات لمكافحة العبودية مع قوى غرب إفريقيا، والتي فرضتها عسكريًا من خلال الحصار. إحتوت بعض المعاهدات وجوب فرض حظر على الدبلوماسية التي تتم دون إذن بريطاني، أو وعود أخرى بالإلتزام بالحكم البريطاني. أتاح هذا السيناريو فرصة للتاج البريطاني للقيام بالبعثات البحرية والإستطلاع في جميع أنحاء المنطقة بحجة فرض القانون. كما ضمت بريطانيا فريتاون في سيراليون، وأعلنتها مستعمرة تابعة للتاج في عام 1808.
أدى انخفاض التجارة بشكل غير مباشر إلى إنهيار دول مثل إمبراطورية إيدو. إنسحبت بريطانيا من تجارة الرقيق بعدما كانت الناقل الرئيسي للعبيد إلى الأمريكتين و ألغى الفرنسيون العبودية في أعقاب الثورة الفرنسية، على الرغم من أنهم أعادوا فرضها لفترة وجيزة في مستعمراتهم في منطقة البحر الكاريبي تحت حكم نابليون. باعت فرنسا لويزيانا إلى الولايات المتحدة في عام 1803، وهو نفس العام الذي تخلت فيه عن محاولة استعادة سان دومينغ من الثورة الهايتية. وبحلول نهاية الحروب النابليونية، أنهت العبودية في ممتلكاتها. فيما بينهم، إشترى الفرنسيون والبريطانيون غالبية العبيد الذين تم بيعهم من موانئ إيدو. عانى الإقتصاد من تراجع تجارة الرقيق، على الرغم من إستمرار تهريب العبيد إلى الأمريكتين لسنوات بعد ذلك.
أصبحت لاغوس ميناءً رئيسيًا للعبيد في أواخر القرن الثامن عشر وحتى خمسينيات القرن التاسع عشر. الكثير من عمليات الإتجار بالبشر التي حدثت هناك كانت غير قانونية من الناحية الإسمية، والسجلات من ذلك الزمان والمكان ليست شاملة. وفقًا لقاعدة بيانات رحلات العبيد عبر المحيط الأطلسي، تم بيع 308.800 عبد عبر المحيط الأطلسي من لاغوس في الفترة ما بين 1776-1850. قام التجار البريطانيون والفرنسيون بنصيب كبير من هذه الأعمال حتى عام 1807 عندما تم استبدالهم بالبرتغاليين والإسبان. في الفترة الممتدة من 1826 حتى 1850، كانت البحرية الملكية البريطانية تتدخل بشكل كبير في صادرات لاغوس للعبيد و وجدت في هذا التدخل ثغرة لدخول نيجيريا بحجة فرض القانون ثم إحتلالها بشكل رسمي و إعتبارها مستعمرة تابعة للتاج عام 1884 بعد توقيع إتفاقية برلين التي تقسم المستعمرات بين الدول الأوروبية.
ذريعة العبيد ربما كانت مقنعة للبريطانيين أنفسهم لكن صناع القرار كانوا يعلمون بثروات نيجيريا الهائلة رغم أن ذلك لم يكن السبب الوحيد لإحتلال الدولة، فالتبشير المسيحي كان أيضا أحد أهم العوامل التي دفعت معظم القوى الأوروبية لإحتلال الدول ذات الغالبية الإسلامية و في هذا الشأن يقول المبشر لورنس براون: "إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية، أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً، أو أمكن أن يصبحوا نقمة له، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير".
بعد إحتلال بريطانيا لكامل أجزاء نيجيريا و خوضها لمعارك ضروس ضد قادة الشمال المسلمين تدفقت الإرساليات التبشيرية صوب المدن الشمالية مثل برنو و كانو و كاتشنة و إستطاعوا بعد ردح من الزمن ثني المسلمين عن طريق الرشوة و الوعود بإرسال أبناء المسلمين لأوروبا لإكمال دراستهم و علومهم لنيل مناصب مرموقة.( محمد خامس الإدريس، أثر الإستعمار البريطاني على القيادة السياسية في شمال نيجيريا، نظرية شرعية, مجلة أكاديميا للدراسات السياسية، المجلد 6، العدد 5، 2021، ص 18-21).
إستقلال نيجيريا:
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عرفت حركات التحرر تصاعدا غير مسبوق و سعت الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق هيئة الأمم المتحدة لتكريس مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، في عام 1953، أصبح إيناهورو أول من حرك اقتراح إستقلال نيجيريا الذي تم منحه في نهاية المطاف في عام 1960 بعد عدة إنتكاسات سياسية وهزائم في البرلمان. يعتبر الأكاديميون والعديد من النيجيريين إناهورو "أبو دولة نيجيريا". ومع ذلك، فإن إقتراحه من أجل استقلال نيجيريا تعرض لانتكاسات في البرلمان في عدة مناسبات حيث قام أعضاء البرلمان الشماليون بالإنسحاب نتيجة لهذا الاقتراح. على الرغم من الهزيمة في البرلمان، بدأت حركة شعبية بسبب هذا الإقتراح وتزايد الضغط ضد الإستعمار وكانت هناك تحريضات من أجل إستقلال نيجيريا، أو على الأقل الحكم الذاتي و قد تحقق ذلك في نهاية المطاف لكن القوى الأوروبية حتى إن هزمت على الورق بقوة القانون فإنها كانت تترك بصمتها حتى بعد الخروج و هذا ما حدث تماما بعد إستقلال نيجيريا إذ دخلت الدولة في حرب أهلية مولتها بريطانيا بطريقة غير مباشرة.
حرب بيافرا (الحرب الاهلية النيجيرية):
ترك الإستعمار البريطاني خلفه إنقساما دينيا و ثقافيا بين ثلاث طوائف هي الإيغبو، الذين شكّلوا نحو 60-70% من السكان في الجنوب الشرقي، والهوسا فولاني الذين شكلوا نحو 67% من السكان في الجزء الشمالي من الإقليم، وشعب يوروبا الذي شكل 75% من السكان في الجزء الجنوبي الغربي. رغم أن لهذه الجماعات موطنها الخاص، فقد تشتت الشعب بحلول الستينيات في جميع أنحاء نيجيريا مع تمثيل المجموعات الإثنية الثلاثة تمثيلًا كبيرًا في المدن الكبرى.
خضعت جماعة هوسا فولاني شبه الإقطاعية والمسلمة في الشمال تقليديًا لحكم تسلسل هرمي إسلامي محافظ يتألف من أمراء يدينون بدورهم بالولاء لسلطان أعلى. واعتُبر هذا السلطان مصدرًا لكل السلطة السياسية والسلطة الدينية.
تألف أيضًا نظام يوروبا السياسي في الجنوب الغربي، كنظام هوسا-فولاني، من سلسلة من الملوك أو الأوبا. بيد أن ملوك يوروبا كانوا أقل أوتوقراطية* من نظرائهم في الشمال. سمح نظام يوروبا السياسي والإجتماعي بقدر أكبر من الحراك التصاعدي على أساس الثروة المكتسبة بدلا من الملكية الموروثة.
وعلى النقيض من المجموعتين الأخريين، عاش الإيغبو والمجموعات الإثنية في دلتا النيجر في الجنوب الشرقي في معظم الأحيان ضمن مجتمعات مستقلة ذاتيًا ومنظمة ديمقراطيًا رغم وجود إزي أو ملك في العديد من المدن القديمة كمملكة نري. سيطرت المملكة في أوجها على أغلب أراضي الإيغبو، بما في ذلك النفوذ على أراضي شعب أنيوما، ومدينة أروتشوكو (التي تحكمت بعبودية الإيغبو) ومدينة أونيتشا. خلافًا للمنطقتين الأخريين، إتُخذت القرارات داخل مجتمعات الإيغبو من قِبل جمعية عامة يشارك فيها الرجال والنساء على حد سواء.
بدأت الحرب الأهلية عام 1967 حين أعلن الكولونيل أوجوكوو التابع لجماعة الإيغبو عن قيام دولة بيافرا المستقلة بحجة أن الحكم في نيجيريا كان متحيزا و ظالما لمجموعته العرقية و هذا بعد أن إستولى الجيش على الحكم عن طريق إنقلاب عسكري و بدأ في الهجوم على سكان منطقة بيافرا و محاولة تصفيتهم عرقيا، حاولت الهيئات الدولية التدخل و عقد محادثات سلام لكن الحرب بدأت عقب إنهيار المحادثات بعد هجوم شنته القوات الإتحادية على الإقليم المنشق من الشمال والشرق باتجاه مدينة انيوجو. وقام الأسطول الفيدرالي بحصار الجنوب. ردت حركة بيافرا على الهجوم بتوسيع القتال إلى خارج حدود الإقليم من اجل تحقيق هدفها «التحرير الكامل لكل نيجريا». فقامت بحركة معاكسة فعبرت نهر النيجر وإستولت على إقليم الغرب الأوسط وسيطرت على عاصمته وأهم مدنه في الفترة من 8 أغسطس حتى 20 سبتمبر 1967 وغزت باقى مناطق الغرب الأوسط حتى تمنع الحكومة الإتحادية من استغلال أراضيه من أجل الهجوم عليها ومن أجل محاولة كسب تعاطف قبائل الإيبو وبناء علاقة تحالف مع قبائل الإقليم الغربي ضد الإقليم الشمالي المسيطر على الحكومة. ولكن تطورات الحرب كانت في صالح الحكومة الإتحادية فقد سيطر الجيش على مدينة انيوجو العاصمة في أكتوبر 1967. وتقدمت إلى الجبهات الجنوبية وإستولت على دلتا نهر النيجر. ونقلت العاصمة إلى أومياها التي استولى عليها الجيش لاحقا في مايو 1968 هي ومجموعة من المدن الهامة بعد أن حصر الجيش الإنفصاليون في دوائر عسكرية متتالية وإستمر القتال حتى حصر الإنفصاليون في مناطق ضيقة إلى أن تم الإستيلاء على العاصمة الثالثة أوبري ومطار أولي في يناير 1970 وتم تصفية التمرد.
جنود من إقليم بيافرا في إستعراض عسكري.
واحدة من الصور التي إنتشرت لتوضيح الحالة الكارثية في البلاد.
قافلة مساعدات إنسانية قادمة لنيجيريا.
دور بريطانيا في الحرب الأهلية:
تدخلت بريطانيا بعد بداية الحرب كوسيط لحل الأزمة و حاولت تهدئة الأوضاع بين الطرفين لكن الغريب في الأمر هو أن بريطانيا و بعد هجوم الحكومة الإتحادية على إقليم بيافرا دعمت الحكومة بدلا من إيقافها عن طريق دعمها بالأسلحة و الذخيرة بطريقة سرية، في 1 يوليو 1967، طلبت الحكومة الإتحادية النيجيرية من بريطانيا طائرات مقاتلة وقاذفات قنابل وستة زوارق سريعة و24 مدفعًا مضادًا للطائرات. رفضت بريطانيا الطائرات والزوارق لكنها وافقت على توريد المدافع المضادة للطائرات.
في الشهر التالي، إقترح وزير الكومنولث جورج طومسون أن توافق المملكة المتحدة على كل طلبات الحكومة الإتحادية النيجيرية و كتب: "إن أي شيء نقوم به الآن لمساعدة الحكومة الإتحادية يجب أن يساعد شركاتنا النفطية على إعادة تأسيس وتوسيع أنشطتها في نيجيريا بعد الحرب، وبشكل أكثر عمومية، يجب أن يساعد علاقتنا التجارية والسياسية مع نيجيريا ما بعد الحرب".
ونتيجة لذلك، قدمت بريطانيا 36 ناقلة جند مدرعة، إلى جانب 2000 مدفع رشاش ومدافع مضادة للدبابات وتسعة ملايين طلقة ذخيرة. وكتب دينيس هيلي، وزير الدفاع، أنه يأمل أن تشجع هذه الإمدادات النيجيريين على "التطلع إلى المملكة المتحدة لمشترياتهم المستقبلية من المعدات الدفاعية".
بحلول منتصف عام 1968، كانت بريطانيا قد زودت الحكومة الإتحادية بـ 15 مليون طلقة ذخيرة، و21000 قذيفة هاون، و42500 قذيفة هاوتزر، و1950 بندقية مع قاذفات قنابل يدوية، و15000 رطل من المتفجرات، و500 مدفع رشاش، و4000 بندقية وأربع طائرات هليكوبتر.
إستطاعت الحكومة النيجيرية بهذه المعدات دحر قوات بيافرا و تحولت الحرب لعملية إبادة جماعية معظم ضحاياها كانوا أطفالا و أشخاصا عزل لا ذنب لهم، و إنتشرت في الصحف أخبار الحرب و الإبادات الجماعية، رغم أن بريطانيا حاولت التملص إلا أنها وجدت متهمة و لقيت إستنكارا دوليا و محليا دفع مجلس العموم البريطاني لفتح تحقيق.
ختاما:
إخفاء الحقيقة و طمسها ليس أمرا جديدا على القوى الكبرى، بل يمكن القول أنه عادة، حرب بيافرا تعد مثالا يجب الرجوع له في مسألة دراسة السياسات المختلفة خاصة سياسات القوى الرأسمالية و كيف يؤي جشع هذه الدول إلى إتخاذ قرارات مدمرة دون النظر للعواقب و لا للضحايا.
*الأوتوقراطية: هي شكل من أشكال الحكم، تكون فيه السلطة السياسية بيد شخص واحد بالتعيين لا بالانتخاب. كلمة «أوتوقراطي» أصلها يوناني وتعني (الحاكم الفرد، أو من يحكم بنفسه).
المصادر:
دولة نيجيريا:
قبل الخوض في غمار الحرب و تبعاتها لا بد لنا أولا أن نعرف بالدولة المستضيفة لها. نِيْجِيْرْيَا، أو جُمْهُوْرِيّةُ نِيْجِيْرْيَا الإتِحَادِيّةُ (بالإنجليزية: Federal Republic of Nigeria)، هي دولة مستقلة تقع في غرب أفريقيا، تحدّها النيجر شمالًا، وتشاد في الشمال الشرقي، والكاميرون في الشرق، وبنين في الغرب. يقع ساحلها الجنوبي على خليج غينيا على المحيط الأطلسي. نيجيريا جمهورية إتحادية تضم 36 ولاية وإقليم العاصمة الإتحادية، حيث تقع العاصمة أبوجا. تُعتبر لاغوس أكثر مدن نيجيريا كثافة بالسكان بل وفي القارة السمراء بأكملها، ومِن أضخم المدن الكبرى في العالم بأسره. يرتكز الإقتصاد النيجيري على الثروات الباطنية و على رأسها البترول الخام حيث تملك نيجيريا إحتياطا يقدر ب 37.1 بليون برميل.
الإحتلال البريطاني لدولة نيجيريا:
تعود جذور الإحتلال البريطاني لنيجيريا لفترة 1700م، حيث عرفت قارة إفريقيا وجود مستعمرات أوروبية لم تثبت تواجدها بشكل رسمي و دائم، و يرجع هذا التذبذب حسب أدام سميث لصلابة و إستقرار المجتمعات الإفريقية مقارنة بنظيراتها في أمريكا اللاتينية ما شكل عائقا حقيقيا أمام التوسع الأوروبي بيد أن ذلك الإستقرار الذي أعجب به آدم سميث لم يمنع الأوروبيين من تشكيل مستعمرة سيراليون بشكل رسمي عام 1787 و التي إعتبرت كمخيم للعبيد الأحرار. إضافة لتأسيس الحركة التبشيرية المستقلة التي كانت تهدف إلى جلب المسيحية إلى مملكة إيدو (البنين حاليا) إضافة لبرامج الإستكشاف التي ترعاها الجمعيات والمجموعات العلمية، مثل الرابطة الأفريقية ومقرها لندن.
قادة القبائل في نيجيريا كانوا يدرون أن هذه الخطوات التي إنتهجتها الدول الأوروبية عموما و بريطانيا خصوصا كانت بمثابة مغازلة خطيرة تحمل خلفها رسالة مفادها: " بريطانيا قادمة لنيجيريا". و لم تتوقف المغازلة عند ذلك الحد إذ إزدادت حدة تجارة الرقيق في تلك الفترة خاصة في منطقة غرب إفريقيا و عرفت موانئ إيدو و لاغوس حركة كثيفة فيما يخص تجارة العبيد حيث تم أخذ ما معدله 76000 شخص كل عام في الفترة ما بين 1783-1792.
عام 1807، أصدر برلمان المملكة المتحدة قانون تجارة الرقيق، الذي يحظر على الرعايا البريطانيين المشاركة في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي. وبعد ذلك، ضغطت بريطانيا على القوى الأوروبية الأخرى لوقف تجارة الرقيق أيضًا. أبرمت بريطانيا أيضا معاهدات لمكافحة العبودية مع قوى غرب إفريقيا، والتي فرضتها عسكريًا من خلال الحصار. إحتوت بعض المعاهدات وجوب فرض حظر على الدبلوماسية التي تتم دون إذن بريطاني، أو وعود أخرى بالإلتزام بالحكم البريطاني. أتاح هذا السيناريو فرصة للتاج البريطاني للقيام بالبعثات البحرية والإستطلاع في جميع أنحاء المنطقة بحجة فرض القانون. كما ضمت بريطانيا فريتاون في سيراليون، وأعلنتها مستعمرة تابعة للتاج في عام 1808.
أدى انخفاض التجارة بشكل غير مباشر إلى إنهيار دول مثل إمبراطورية إيدو. إنسحبت بريطانيا من تجارة الرقيق بعدما كانت الناقل الرئيسي للعبيد إلى الأمريكتين و ألغى الفرنسيون العبودية في أعقاب الثورة الفرنسية، على الرغم من أنهم أعادوا فرضها لفترة وجيزة في مستعمراتهم في منطقة البحر الكاريبي تحت حكم نابليون. باعت فرنسا لويزيانا إلى الولايات المتحدة في عام 1803، وهو نفس العام الذي تخلت فيه عن محاولة استعادة سان دومينغ من الثورة الهايتية. وبحلول نهاية الحروب النابليونية، أنهت العبودية في ممتلكاتها. فيما بينهم، إشترى الفرنسيون والبريطانيون غالبية العبيد الذين تم بيعهم من موانئ إيدو. عانى الإقتصاد من تراجع تجارة الرقيق، على الرغم من إستمرار تهريب العبيد إلى الأمريكتين لسنوات بعد ذلك.
أصبحت لاغوس ميناءً رئيسيًا للعبيد في أواخر القرن الثامن عشر وحتى خمسينيات القرن التاسع عشر. الكثير من عمليات الإتجار بالبشر التي حدثت هناك كانت غير قانونية من الناحية الإسمية، والسجلات من ذلك الزمان والمكان ليست شاملة. وفقًا لقاعدة بيانات رحلات العبيد عبر المحيط الأطلسي، تم بيع 308.800 عبد عبر المحيط الأطلسي من لاغوس في الفترة ما بين 1776-1850. قام التجار البريطانيون والفرنسيون بنصيب كبير من هذه الأعمال حتى عام 1807 عندما تم استبدالهم بالبرتغاليين والإسبان. في الفترة الممتدة من 1826 حتى 1850، كانت البحرية الملكية البريطانية تتدخل بشكل كبير في صادرات لاغوس للعبيد و وجدت في هذا التدخل ثغرة لدخول نيجيريا بحجة فرض القانون ثم إحتلالها بشكل رسمي و إعتبارها مستعمرة تابعة للتاج عام 1884 بعد توقيع إتفاقية برلين التي تقسم المستعمرات بين الدول الأوروبية.
ذريعة العبيد ربما كانت مقنعة للبريطانيين أنفسهم لكن صناع القرار كانوا يعلمون بثروات نيجيريا الهائلة رغم أن ذلك لم يكن السبب الوحيد لإحتلال الدولة، فالتبشير المسيحي كان أيضا أحد أهم العوامل التي دفعت معظم القوى الأوروبية لإحتلال الدول ذات الغالبية الإسلامية و في هذا الشأن يقول المبشر لورنس براون: "إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية، أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً، أو أمكن أن يصبحوا نقمة له، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير".
بعد إحتلال بريطانيا لكامل أجزاء نيجيريا و خوضها لمعارك ضروس ضد قادة الشمال المسلمين تدفقت الإرساليات التبشيرية صوب المدن الشمالية مثل برنو و كانو و كاتشنة و إستطاعوا بعد ردح من الزمن ثني المسلمين عن طريق الرشوة و الوعود بإرسال أبناء المسلمين لأوروبا لإكمال دراستهم و علومهم لنيل مناصب مرموقة.( محمد خامس الإدريس، أثر الإستعمار البريطاني على القيادة السياسية في شمال نيجيريا، نظرية شرعية, مجلة أكاديميا للدراسات السياسية، المجلد 6، العدد 5، 2021، ص 18-21).
إستقلال نيجيريا:
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عرفت حركات التحرر تصاعدا غير مسبوق و سعت الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق هيئة الأمم المتحدة لتكريس مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، في عام 1953، أصبح إيناهورو أول من حرك اقتراح إستقلال نيجيريا الذي تم منحه في نهاية المطاف في عام 1960 بعد عدة إنتكاسات سياسية وهزائم في البرلمان. يعتبر الأكاديميون والعديد من النيجيريين إناهورو "أبو دولة نيجيريا". ومع ذلك، فإن إقتراحه من أجل استقلال نيجيريا تعرض لانتكاسات في البرلمان في عدة مناسبات حيث قام أعضاء البرلمان الشماليون بالإنسحاب نتيجة لهذا الاقتراح. على الرغم من الهزيمة في البرلمان، بدأت حركة شعبية بسبب هذا الإقتراح وتزايد الضغط ضد الإستعمار وكانت هناك تحريضات من أجل إستقلال نيجيريا، أو على الأقل الحكم الذاتي و قد تحقق ذلك في نهاية المطاف لكن القوى الأوروبية حتى إن هزمت على الورق بقوة القانون فإنها كانت تترك بصمتها حتى بعد الخروج و هذا ما حدث تماما بعد إستقلال نيجيريا إذ دخلت الدولة في حرب أهلية مولتها بريطانيا بطريقة غير مباشرة.
حرب بيافرا (الحرب الاهلية النيجيرية):
ترك الإستعمار البريطاني خلفه إنقساما دينيا و ثقافيا بين ثلاث طوائف هي الإيغبو، الذين شكّلوا نحو 60-70% من السكان في الجنوب الشرقي، والهوسا فولاني الذين شكلوا نحو 67% من السكان في الجزء الشمالي من الإقليم، وشعب يوروبا الذي شكل 75% من السكان في الجزء الجنوبي الغربي. رغم أن لهذه الجماعات موطنها الخاص، فقد تشتت الشعب بحلول الستينيات في جميع أنحاء نيجيريا مع تمثيل المجموعات الإثنية الثلاثة تمثيلًا كبيرًا في المدن الكبرى.
خضعت جماعة هوسا فولاني شبه الإقطاعية والمسلمة في الشمال تقليديًا لحكم تسلسل هرمي إسلامي محافظ يتألف من أمراء يدينون بدورهم بالولاء لسلطان أعلى. واعتُبر هذا السلطان مصدرًا لكل السلطة السياسية والسلطة الدينية.
تألف أيضًا نظام يوروبا السياسي في الجنوب الغربي، كنظام هوسا-فولاني، من سلسلة من الملوك أو الأوبا. بيد أن ملوك يوروبا كانوا أقل أوتوقراطية* من نظرائهم في الشمال. سمح نظام يوروبا السياسي والإجتماعي بقدر أكبر من الحراك التصاعدي على أساس الثروة المكتسبة بدلا من الملكية الموروثة.
وعلى النقيض من المجموعتين الأخريين، عاش الإيغبو والمجموعات الإثنية في دلتا النيجر في الجنوب الشرقي في معظم الأحيان ضمن مجتمعات مستقلة ذاتيًا ومنظمة ديمقراطيًا رغم وجود إزي أو ملك في العديد من المدن القديمة كمملكة نري. سيطرت المملكة في أوجها على أغلب أراضي الإيغبو، بما في ذلك النفوذ على أراضي شعب أنيوما، ومدينة أروتشوكو (التي تحكمت بعبودية الإيغبو) ومدينة أونيتشا. خلافًا للمنطقتين الأخريين، إتُخذت القرارات داخل مجتمعات الإيغبو من قِبل جمعية عامة يشارك فيها الرجال والنساء على حد سواء.
بدأت الحرب الأهلية عام 1967 حين أعلن الكولونيل أوجوكوو التابع لجماعة الإيغبو عن قيام دولة بيافرا المستقلة بحجة أن الحكم في نيجيريا كان متحيزا و ظالما لمجموعته العرقية و هذا بعد أن إستولى الجيش على الحكم عن طريق إنقلاب عسكري و بدأ في الهجوم على سكان منطقة بيافرا و محاولة تصفيتهم عرقيا، حاولت الهيئات الدولية التدخل و عقد محادثات سلام لكن الحرب بدأت عقب إنهيار المحادثات بعد هجوم شنته القوات الإتحادية على الإقليم المنشق من الشمال والشرق باتجاه مدينة انيوجو. وقام الأسطول الفيدرالي بحصار الجنوب. ردت حركة بيافرا على الهجوم بتوسيع القتال إلى خارج حدود الإقليم من اجل تحقيق هدفها «التحرير الكامل لكل نيجريا». فقامت بحركة معاكسة فعبرت نهر النيجر وإستولت على إقليم الغرب الأوسط وسيطرت على عاصمته وأهم مدنه في الفترة من 8 أغسطس حتى 20 سبتمبر 1967 وغزت باقى مناطق الغرب الأوسط حتى تمنع الحكومة الإتحادية من استغلال أراضيه من أجل الهجوم عليها ومن أجل محاولة كسب تعاطف قبائل الإيبو وبناء علاقة تحالف مع قبائل الإقليم الغربي ضد الإقليم الشمالي المسيطر على الحكومة. ولكن تطورات الحرب كانت في صالح الحكومة الإتحادية فقد سيطر الجيش على مدينة انيوجو العاصمة في أكتوبر 1967. وتقدمت إلى الجبهات الجنوبية وإستولت على دلتا نهر النيجر. ونقلت العاصمة إلى أومياها التي استولى عليها الجيش لاحقا في مايو 1968 هي ومجموعة من المدن الهامة بعد أن حصر الجيش الإنفصاليون في دوائر عسكرية متتالية وإستمر القتال حتى حصر الإنفصاليون في مناطق ضيقة إلى أن تم الإستيلاء على العاصمة الثالثة أوبري ومطار أولي في يناير 1970 وتم تصفية التمرد.
جنود من إقليم بيافرا في إستعراض عسكري.
واحدة من الصور التي إنتشرت لتوضيح الحالة الكارثية في البلاد.
قافلة مساعدات إنسانية قادمة لنيجيريا.
دور بريطانيا في الحرب الأهلية:
تدخلت بريطانيا بعد بداية الحرب كوسيط لحل الأزمة و حاولت تهدئة الأوضاع بين الطرفين لكن الغريب في الأمر هو أن بريطانيا و بعد هجوم الحكومة الإتحادية على إقليم بيافرا دعمت الحكومة بدلا من إيقافها عن طريق دعمها بالأسلحة و الذخيرة بطريقة سرية، في 1 يوليو 1967، طلبت الحكومة الإتحادية النيجيرية من بريطانيا طائرات مقاتلة وقاذفات قنابل وستة زوارق سريعة و24 مدفعًا مضادًا للطائرات. رفضت بريطانيا الطائرات والزوارق لكنها وافقت على توريد المدافع المضادة للطائرات.
في الشهر التالي، إقترح وزير الكومنولث جورج طومسون أن توافق المملكة المتحدة على كل طلبات الحكومة الإتحادية النيجيرية و كتب: "إن أي شيء نقوم به الآن لمساعدة الحكومة الإتحادية يجب أن يساعد شركاتنا النفطية على إعادة تأسيس وتوسيع أنشطتها في نيجيريا بعد الحرب، وبشكل أكثر عمومية، يجب أن يساعد علاقتنا التجارية والسياسية مع نيجيريا ما بعد الحرب".
ونتيجة لذلك، قدمت بريطانيا 36 ناقلة جند مدرعة، إلى جانب 2000 مدفع رشاش ومدافع مضادة للدبابات وتسعة ملايين طلقة ذخيرة. وكتب دينيس هيلي، وزير الدفاع، أنه يأمل أن تشجع هذه الإمدادات النيجيريين على "التطلع إلى المملكة المتحدة لمشترياتهم المستقبلية من المعدات الدفاعية".
بحلول منتصف عام 1968، كانت بريطانيا قد زودت الحكومة الإتحادية بـ 15 مليون طلقة ذخيرة، و21000 قذيفة هاون، و42500 قذيفة هاوتزر، و1950 بندقية مع قاذفات قنابل يدوية، و15000 رطل من المتفجرات، و500 مدفع رشاش، و4000 بندقية وأربع طائرات هليكوبتر.
إستطاعت الحكومة النيجيرية بهذه المعدات دحر قوات بيافرا و تحولت الحرب لعملية إبادة جماعية معظم ضحاياها كانوا أطفالا و أشخاصا عزل لا ذنب لهم، و إنتشرت في الصحف أخبار الحرب و الإبادات الجماعية، رغم أن بريطانيا حاولت التملص إلا أنها وجدت متهمة و لقيت إستنكارا دوليا و محليا دفع مجلس العموم البريطاني لفتح تحقيق.
ختاما:
إخفاء الحقيقة و طمسها ليس أمرا جديدا على القوى الكبرى، بل يمكن القول أنه عادة، حرب بيافرا تعد مثالا يجب الرجوع له في مسألة دراسة السياسات المختلفة خاصة سياسات القوى الرأسمالية و كيف يؤي جشع هذه الدول إلى إتخاذ قرارات مدمرة دون النظر للعواقب و لا للضحايا.
*الأوتوقراطية: هي شكل من أشكال الحكم، تكون فيه السلطة السياسية بيد شخص واحد بالتعيين لا بالانتخاب. كلمة «أوتوقراطي» أصلها يوناني وتعني (الحاكم الفرد، أو من يحكم بنفسه).
المصادر:
يجب تسجيل الدخول لمشاهدة الروابط
يجب تسجيل الدخول لمشاهدة الروابط
يجب تسجيل الدخول لمشاهدة الروابط