- التعديل الأخير بواسطة المشرف:
- المشاهدات: 566
- الردود: 2
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
العالم الآخر.
(الحكاية الثانية
- الذين رأيت- 4)
(الحكاية الثانية
- الذين رأيت- 4)
أصدقكم القول ... بعض هذه الحلقات مؤلم أكثر منه مثير أو غريب ، تلك المعاناة وذلك الألم الذي عايشه الخامس ، شيء مثير للشفقة والحزن بالفعل ، الليلة مع فاصل جديد من معاناته مع العالم الآخر الذي وجد نفسه فجأة منغمس حتي النخاع بداخله ، الآن هو يراهم بوضوح أكثر ، من هم ؟ ظننت هذا واضحاً .
------------------------------------
ثلاثة ... نعم ، فبعد أن طعنت الكيان المهول الذي رأيته هناك بذلك الخنجر الناب ، أصبح من أراهم يلاحقونني... ثلاثة فقط ،ولكنهم غاضبون يا صديقي ، غاضبون غضب جهنمي ، وبدا أن أياما عصيبة بالفعل تنتظرني ...
- من بعد هذا الموقف ، أصبحت أراهم وأسمعهم بشكل أوضح ، أصبحت أستطيع وأنا جالس في مكاني أن أغمض عيني وأنفصل عن العالم حولي،حواسي كلها تنعزل وأجد نفسي أستمع وأري أشياء من العالم الآخر ، ثم بدأت أعداد الثلاثة تتزايد شيئا فشيئا، كنت وأنا داخل إلي عمارتي أراهم مزدحمين في طريقي ، ينتظرونني حتي أدخل.
ذات ليلة وجدت نفسي أنام علي السرير الأسود ثم انزلق في الممر المظلم حتي أصل إلي القبر الذي تعرفون ، ولكن هناك أمر جد هذه المرة . ..
-------------------------------------
وجدت عمتي علي آخر وضع رأيتها فيه ، نفس الحزن والألم والخوف السائد في القبر ،نفس البثور التي تملأ وجهها ، هذه المرة تحدثت معي ,للمرة الأولي تفعل ، اشتكت لي من وحدتها ثم قالت حرفيا بلهجة كلها حزن وألم ورجاء : أتمني أن يوسع الله لي في قبري حتي تجد ابنتي مكاناً لتدفن بجواري . علما بأن ابنتها كانت عند وفاتها في سن الثانية ونصف تقريباً وكانت حية .
نظرت إليها وأنا في ذهول ،لا أعرف كيف أرد عليها ولا ماذا أفعل لها ، ظللت وقتا ثم انسحب جسدي .
أما الذئب الذي بداخلي فقد كنت أشعر به غاضب جدا ،كنت أشعر بالرعب كلما فكرت فيه وهو داخلي .---------------------------------- -
وكنت علي موعد مع مزيد من الشيوخ ... هذه المرة جاء الشيخ ليقرأ ما ظن أنه سوف يخرج الجن من داخلي وقد ظنني ملبوس ، قرأ قليلا ثم رجح كوني مسحور .
أحضر كوبا من اللبن وأذاب فيه كمية كبيرة من الملح وطلب مني أن اشربه ، ثم طلب مني أن اشرب كمية كبيرة من المياه ،كل هذا علي أمل أن اتقيأ ما في معدتي ، لكن ذلك لم يحدث ، اقترب مني وبدأ يقرأ قرآن وأدعية ووضع يده بقوة علي بطني ثم قال لي :
- أغمض عينيك ولو رأيت شيئاً أشر إلي !
بالفعل وكأني أري كائنا هناك فأشير إليه ،ولكن هذا الكائن يختفي خلف الجدار ، ظل يقرأ القرآن والتعاويذ ثم سألني : هل تسمعه ،أجبته بنعم فسألني : هل تستطيع أن تحدثه ،فأجبته بنعم أيضا فسألني: ماذا يقول لك ؟ أخبرته أنه يسألني بعصبية وغضب لماذا أفعل به هذا؟!!
ثم هددني بالإنتقام.
اخرج أصابعه من عيني بسرعة وبعنف
،فانتفضت ورفعت رأسي لأعلي قليلاً .
سألني هل تعرف كيف كان يبدو شكلك منذ قليل ؟ لقد كنت تبدو مثل النمر الغاضب أو القط الضخم الشرس .
وقتها فكرت أن الذئب الغاضب داخلي هو ربما من أورثه هذا الانطباع .
قبل أن يرحل طلب مني أن أشرب وأغتسل بمياه قرأ عليها قرآن كريم وقد فعلت ولكن... لا نتيجة كالعادة .
بعد هذا الموقف بعدة أيام ، خرجت نحو التاسعة مساءاً ، كنت ذاهب لأشتري شيء للبيت ، وللعلم أمام عمارتي هناك منطقة صحراوية كبيرة ، بمجرد نزولي من البيت ، في الصحراء المواجهة ، نظرت أمامي واتسعت عيناي ذهولا لما أري.
-----------------------------------
سوف أطلق ما علي ما رأيت (نور ) لأنه لا يوجد مصطلح آخر، لا أعرف كيف أصفه لك ، نور شفاف رائق شيء تراه بقلبك وروحك قبل أن تراه بنظرك ،نور كأنه ينزل علي قلبك ، شعرت بشيء سحري يجذبني نحو هذا النور ،وبشكل لا إرادي وجدتني أتوجه نحوه ولكن .....
...............
غريب هذا الضوء يا خامس ، ذكرت أن الوقت كان مساءا ؟
- نعم ،كانت التاسعة مساءًا ، بالفعل كان الضوء غريب ، لا أعرف ماذا أقول وكأن له كيان مادي ، وكأنني أنتمي إليه ،شعرت نحوه بألفة ، انجذبت إليه بكل كياني ، كان ضوء أبيض ذو صفار بسيط ، شيء هو مزيج من ضوء القمر مع ضوء الشمس .
بقوي مغناطيسية انجذبت نحو الضوء السماوي الشفاف المذهل ، تحركت قدامي ببطء ،مسلوب الإرادة تجاوزت الشارع عرضيا ، ووضعت قدمي علي أول الصحراء نحو الضوء ،فجأة طرق سمعي صوت عنيف مزج استار الليل وانتزعني من الذهول الذي كنت فيه ,نظرت بخوف إلي مصدر الصوت لأجده ... -------------------------------------
ماذا تقول يا خامس ؟! كان هذا تساؤل أحد الشيوخ الذين قابلتهم عندما حكيت له موضوع الضوء ، ذهل الرجل برهة ، اتسعت عيناه رعبا وهرب الدم من وجهه ، ظل يحدق في قليلاً وكأنني مجنون ،ثم طرح السؤال السابق .
رددت بتأكيد : أقول ما وصفت لك بالضبط . - إذا لتحمد الله كثيرا أنك سمعت صوت الكلب الشرس الذي جاءك في تلك اللحظة ، فقد انقذك من مصير لا يعلمه إلا الله . أنا حقا كنت أتقدم مسلوب الإرادة حتي انتزعني صوت الكلب القريب في الصحراء ، جاوبه صوت كلاب أخري قادم من بعيد ،وقتها انتبهت لنفسي وأفقت من ذهولي ، تذكرت أن المكان خطير ، أحياناً يتواجد به لصوص يهاجمون من يمر مصادفة من تلك الصحراء ، ترددت ثم قررت ألا أغامر رغم قوة النداء ، لكن هل تعرف ما هو هذا الضوء أو ماذا كان سوف يحدث لي لو ذهبت إليه؟ - قال باقتضاب وكأنه لا يريد أن يفصح عما يعرف : - هذا يتجاوز حدود علمي ولكن لا استبعد أنك لو ذهبت لسحبت بجسدك المادي إلي هناك وربما بلا عودة . سرت قشعريرة في جسدي عند سماع الجملة الأخيرة وشردت قليلاً أتخيل لو كان حدث ذلك ..
----------------------------------
- حمدا لله أنه لم يحدث .
- أريد أن أحدثك عن قصة الذئب معي . - مهتم بشدة . - منذ أن كنت في الثالثة أو الرابعة من عمري كنت دائماً ما أشعر بخوف ، عكس كل الأطفال خوفي ينبع من شيء بداخلي ، شيء أشعر به ، ينظر إلي ،يخيفني ، في الواقع كنت أشعر بالبرد والخوف معا ،ظل الشعور ملازما لي وبعد أن كبرت وحدثت لي تلك الأحداث بدأ يتكشف ، ثم جاء موقف موت عمتي وقبرها الذي زرت ،وانكشف تماماً ما كان بداخلي ...
وصفته من قبل ..ذئب أبيض ،ضخم ،غاضب جدا ،لا أعرف لذلك سبب ،عيناه حمراوان ، تشعان نارا من الغضب ، أشعر به محبوس داخل قلبي ،واقف عند سور السجن ينظر بغضب هادر ..ظللت شهور اتعذب منه ومعه ...
أحيانا تكون طاقته قويه وأشعر به يدمر في جسدي ، يحاول الخروج وأحيانا أشعر به ضعيف . عرفت فيما بعد ما يقويه . انها مشاعري السلبية،خاصة الغضب .
ظلت الأمور تسير علي ذلك المنوال حتي جاء يوم ، حدث فيه شيء غير كل الأمور...
----------------------------
كنت مع زملائي في محاضرة ، وحدث تلاسن مع أحدهم، أنا بطبعي هاديء جدا واتجنب المشاكل ،لا اعرف ماذا حدث ولكن الآخر كان مستفزا ، تحكمت في أعصابي بقدر المستطاع ولكن ...
الغبي واصل استفزازي ،فجأة انفجر كل شيء بغتة فقدت السيطرة علي نفسي ،شعرت بالذئب بداخلي يتحرر ، تراجع كياني البشري وانسحب من المشاجرة ، أصبحت وكأنني في عالم آخر أشاهد ما يحدث فقط ما يحدث والذئب بداخل جاثم فوق خصمي يكيل له الضربات بكل عنف وأنا غير متحكم في شيء ، إمارات الرعب كانت واضحة بقوة علي وجه الآخر ،ليس خوفا من الإصابة ولا مني أنا ولكنه خوف غير طبيعي ، وكأنه رأي الذئب بداخلي هو من يضربه .
بعد أن خلصه زملاءنا من بين يدي قال لي بعضهم : من كنت أنت ؟ أنت لم تر نفسك في المشاجرة ،لقد كنت مثل الذئب الذي انقض علي فريسته وقد كشر عن أنيابه ،ملامحك وغضبك ونظراتك لم تكن طبيعية أبداً . وقتها أدركت أنني في مشكلة كبيرة ليس مع نفسي ولكن مع الآخرين أيضاً. وقتها عرفت أني خطر .. خطر علي نفسي وعلي من حولي ، ووقتها قررت أن أعزل نفسي عن الآخرين ، بالفعل قلصت بشدة علاقتي بكل من حولي ، أصبحت لا تتجاوز السلام ، لو اضطررت الجلوس معهم أضع سماعة في أذني أسمع أي شيء حتي لا أحتك بالآخرين ، وذقت ألم ومعاناة الوحدة التي فرضتها علي نفسي مجبرا .. ألم أقل لك ... لقد عشت أياما عصيبة يا صديقي .
قطع .
يتبع ...
أحمدعبدالرحيم.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: