- المشاهدات: 270
- الردود: 2
تقف المذبحة الهندية عام 1622 بمثابة فصل مؤثر ومأساوي في تاريخ أمريكا الاستعمارية، وتحديداً في مستوطنة جيمس تاون الإنجليزية بولاية فيرجينيا. إذ سلط هذا الحدث العنيف الضوء على العلاقات المعقدة بين قبائل الأمريكيين الأصليين والمستوطنين الأوروبيين خلال فترة اشتباكات ثقافية شديدة ، وضغوط اقتصادية ونزاعات إقليمية.
البداية:
أوائل القرن السابع عشر، تأسست جايمس تاون كأول مستعمرة أوروبية على أراضي العالم الجديد (أمريكا) لكنها و رغم التخطيط المسبق لم تخلو من المشاكل إذ واجه المستعمرون نقصا في الموارد و إنتشار الأمراض إضافة لتوتر العلاقات مع السكان الأصليين من قبائل بوهاتان و التي كان يقودها القائد أوبشهاكانوه.
قبائل البوهاتان كانت متمسكة بأرضها.
بقاء المستعمرين على قيد الحياة كان مرتبطا بنجاح العلاقات مع قبائل البوهاتان و في حالة فشل التواصل فإن الحل الوحيد كان الصراع المباشر و هذا ما تجسد في الحرب الإنجليزية-البوهاتانية الأولى و التي قامت بعد شكوك من قبائل البوهاتان حول نوايا المعمرين الذين قالوا أنهم جاؤو من أجل التجارة فقط، لكن القائد كان له رأي مخالف، و حسب الوثائق التاريخية فإن أوبشهاكانوه قال للمستوطنين في حوار معهم:
" قدومكم هنا ليس من أجل التجارة، بل لتسعبدوا شعبي و تستعمروا أرضي ..."
خلفية الحرب:
عام 1610، أرسلت شركة لندن الحاكم المعين حديثا جيتس صوب مستعمرة جايمستاون بهدف "تبشير" قبائل البوهاتان و دعوتهم للمسيحية، كما أوصت شركة لندن الحاكم بإخضاع قائد قبائل البوهاتان و إقناعه بأن ملك إنجلترا هو الحاكم الوحيد لأرضهم، لكن جيتس كانت له خطط أخرى إذ قرر فور نزوله على أرض المستعمرة إخلائها خوفا من غضب قبائل البوهاتان و أبحر رفقة المعمرين على طول نهر جيمس صوب المياه المفتوحة لكنه قوبل في منتصف رحلته بفيلق توماس ويست التابع للبارون دو لاوار، هذا الأخير كان مأمورا بتولي زمام الأمور و خطط مباشرة بعد إعادته المعمرين للمستعمرة للتوسع و إبادة القبائل المجاورة.
في شهر جويلية من نفس العام أمر دو لاوار الحاكم السابق جيتس بقتل قبيلة كيكوجاتان المجاورة. و إمتثالا لأوامره أغوى غيتس سكان القبيلة بوقت ممتع و رقص في أحد الحقول المفتوحة ثم ذبحهم رفقة رجاله عن بكرة أبيهم و بدأت الحرب الإنجليزية- البوهاتانية الأولى التي كانت فيها الغلبة للإنجليز بقيادة سامويل آرجال الذي قبض خلال المعركة على إبنة قائد البوهاتان "بوكاهانتيس" و أخذها رهينة حتى يتم الإتفاق على عدد من الشروط مع الهنود أهمها إطلاق سراح كل المحتجزين الإنجليز و إعادة الأسلحة و غنائم الحرب إضافة لإيجاد حل ليعم السلام الدائم.
دور بوكاهانتيس في تحسين العلاقات:
خلال فترة إحتجازها إلتقت بوكاهانتيس بجون رالف و تزوجا لاحقا، تعلمت هذه الأخيرة اللغة الإنجليزية و تأثرت بالثقافة الإنجليزية خاصة في الملابس و إعتنقت المسيحية كما غيرت إسمها بعد تعميدها إلى ريبيكا، رالف قال أن زواجه من بوكاهانتيس كان بهدف تحقيق السلام بين قبائل البوهاتان و الإنجليز و قد إستطاع بزواجه تجسيد ذلك لفترة لم تكن بالطويلة.
لوحة لبوكاهانتيس رسمت عام 1616.
بحلول العام 1618 إرتقى أوبيتشابام ليكون القائد خلفا لأخيه بوهاتان الذي تنازل عن منصبه بعد وفاة إبنته بوكاهانتيس التي إستطاعت إقناع عدد معتبر من الهنود الحمر بإعتناق المسيحية كما سهلت عملية بناء جامعة مختلطة و مشفى في المستعمرة. عرف عن أوبيتشابام أنه لم يكن متسامحا مثل أخيه و غرس في أخيه الأصغر منه أوبيشانكانوه فكرة كره المستعمرين التي حاولت بوكاهانتيس محاربتها و لم يتوقف عن تلقينه الدروس حتى تنازل له عن منصب القائد عام 1621.
الهجوم الهندي على الإنجليز:
بدأ أوبيشانكانوه التخطيط لحرب لا مفر منها و إستطاع جمع و تدريب عدد لا بأس به من المحاربين بعد أن فقد معظم الرجال في الحرب الأولى، كانت الخطة تعتمد بشكل كبير على أسلوب حرب العصابات، هجوم سريع و مباغت لا يترك للإنجليز مجالا للدفاع و كل ما بقي هو الدافع الذي قدم إليه على طبق من ذهب بعدما قتل أحد المستوطنين الإنجليز مرافقه من قبيلة بوهاتان مدعيا أنه كان مجرما و سارقا.
صبيحة 22 من مارس عام 1622 كانت طبيعية و روتينية بالنسبة للإنجليز الذين غادروا منازلهم للعمل في الحقول و المكاتب لكنهم فوجئوا بهجوم سريع و خاطف من قبائل البوهاتان إمتد على طول نهر جيمس و أودى بحياة 347 شخصا موزعين على 31 مجمع سكني من رجال و نساء و شيوخ و حتى أطفال.
هجوم الهنود على المستوطنين كان مباغتا و عنيفا.
كان الهجوم بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير فيما يخص العلاقات بين الإنجليز و السكان الأصليين و يعتبر من قبل الكثيرين نقطة تحول في طريقة التعامل التي تغيرت جذريا إذ تعززت فكرة التوسع عن طريق العنف لدى الإنجليز و أدت لصراعات أخرى أكثر دموية بين المستعمرين و المدافعين عن أرضهم.
ختاما:
مذبحة الهنود عام 1622 هي شهادة قاتمة على التحديات والصراعات و المجازر التي حدثت خلال السنوات الأولى من الاستعمار الأوروبي في أمريكا. يعطينا هذا الحدث فكرة واضحة عن العواقب المأساوية التي تنشب بسبب التوسع غير المنضبط و الذي أحدث في غالب الأحيان توترات عميقة بين القبائل الأمريكية الأصلية والمستوطنين الأوروبيين الذين إستطاعوا رغم وحشية المشهد إنهاء وجود الهنود بشكل شبه تام في القارة و إنشاء حضارة على أنقاضهم.
المصادر:
البداية:
أوائل القرن السابع عشر، تأسست جايمس تاون كأول مستعمرة أوروبية على أراضي العالم الجديد (أمريكا) لكنها و رغم التخطيط المسبق لم تخلو من المشاكل إذ واجه المستعمرون نقصا في الموارد و إنتشار الأمراض إضافة لتوتر العلاقات مع السكان الأصليين من قبائل بوهاتان و التي كان يقودها القائد أوبشهاكانوه.
قبائل البوهاتان كانت متمسكة بأرضها.
بقاء المستعمرين على قيد الحياة كان مرتبطا بنجاح العلاقات مع قبائل البوهاتان و في حالة فشل التواصل فإن الحل الوحيد كان الصراع المباشر و هذا ما تجسد في الحرب الإنجليزية-البوهاتانية الأولى و التي قامت بعد شكوك من قبائل البوهاتان حول نوايا المعمرين الذين قالوا أنهم جاؤو من أجل التجارة فقط، لكن القائد كان له رأي مخالف، و حسب الوثائق التاريخية فإن أوبشهاكانوه قال للمستوطنين في حوار معهم:
" قدومكم هنا ليس من أجل التجارة، بل لتسعبدوا شعبي و تستعمروا أرضي ..."
خلفية الحرب:
عام 1610، أرسلت شركة لندن الحاكم المعين حديثا جيتس صوب مستعمرة جايمستاون بهدف "تبشير" قبائل البوهاتان و دعوتهم للمسيحية، كما أوصت شركة لندن الحاكم بإخضاع قائد قبائل البوهاتان و إقناعه بأن ملك إنجلترا هو الحاكم الوحيد لأرضهم، لكن جيتس كانت له خطط أخرى إذ قرر فور نزوله على أرض المستعمرة إخلائها خوفا من غضب قبائل البوهاتان و أبحر رفقة المعمرين على طول نهر جيمس صوب المياه المفتوحة لكنه قوبل في منتصف رحلته بفيلق توماس ويست التابع للبارون دو لاوار، هذا الأخير كان مأمورا بتولي زمام الأمور و خطط مباشرة بعد إعادته المعمرين للمستعمرة للتوسع و إبادة القبائل المجاورة.
في شهر جويلية من نفس العام أمر دو لاوار الحاكم السابق جيتس بقتل قبيلة كيكوجاتان المجاورة. و إمتثالا لأوامره أغوى غيتس سكان القبيلة بوقت ممتع و رقص في أحد الحقول المفتوحة ثم ذبحهم رفقة رجاله عن بكرة أبيهم و بدأت الحرب الإنجليزية- البوهاتانية الأولى التي كانت فيها الغلبة للإنجليز بقيادة سامويل آرجال الذي قبض خلال المعركة على إبنة قائد البوهاتان "بوكاهانتيس" و أخذها رهينة حتى يتم الإتفاق على عدد من الشروط مع الهنود أهمها إطلاق سراح كل المحتجزين الإنجليز و إعادة الأسلحة و غنائم الحرب إضافة لإيجاد حل ليعم السلام الدائم.
دور بوكاهانتيس في تحسين العلاقات:
خلال فترة إحتجازها إلتقت بوكاهانتيس بجون رالف و تزوجا لاحقا، تعلمت هذه الأخيرة اللغة الإنجليزية و تأثرت بالثقافة الإنجليزية خاصة في الملابس و إعتنقت المسيحية كما غيرت إسمها بعد تعميدها إلى ريبيكا، رالف قال أن زواجه من بوكاهانتيس كان بهدف تحقيق السلام بين قبائل البوهاتان و الإنجليز و قد إستطاع بزواجه تجسيد ذلك لفترة لم تكن بالطويلة.
لوحة لبوكاهانتيس رسمت عام 1616.
بحلول العام 1618 إرتقى أوبيتشابام ليكون القائد خلفا لأخيه بوهاتان الذي تنازل عن منصبه بعد وفاة إبنته بوكاهانتيس التي إستطاعت إقناع عدد معتبر من الهنود الحمر بإعتناق المسيحية كما سهلت عملية بناء جامعة مختلطة و مشفى في المستعمرة. عرف عن أوبيتشابام أنه لم يكن متسامحا مثل أخيه و غرس في أخيه الأصغر منه أوبيشانكانوه فكرة كره المستعمرين التي حاولت بوكاهانتيس محاربتها و لم يتوقف عن تلقينه الدروس حتى تنازل له عن منصب القائد عام 1621.
الهجوم الهندي على الإنجليز:
بدأ أوبيشانكانوه التخطيط لحرب لا مفر منها و إستطاع جمع و تدريب عدد لا بأس به من المحاربين بعد أن فقد معظم الرجال في الحرب الأولى، كانت الخطة تعتمد بشكل كبير على أسلوب حرب العصابات، هجوم سريع و مباغت لا يترك للإنجليز مجالا للدفاع و كل ما بقي هو الدافع الذي قدم إليه على طبق من ذهب بعدما قتل أحد المستوطنين الإنجليز مرافقه من قبيلة بوهاتان مدعيا أنه كان مجرما و سارقا.
صبيحة 22 من مارس عام 1622 كانت طبيعية و روتينية بالنسبة للإنجليز الذين غادروا منازلهم للعمل في الحقول و المكاتب لكنهم فوجئوا بهجوم سريع و خاطف من قبائل البوهاتان إمتد على طول نهر جيمس و أودى بحياة 347 شخصا موزعين على 31 مجمع سكني من رجال و نساء و شيوخ و حتى أطفال.
هجوم الهنود على المستوطنين كان مباغتا و عنيفا.
كان الهجوم بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير فيما يخص العلاقات بين الإنجليز و السكان الأصليين و يعتبر من قبل الكثيرين نقطة تحول في طريقة التعامل التي تغيرت جذريا إذ تعززت فكرة التوسع عن طريق العنف لدى الإنجليز و أدت لصراعات أخرى أكثر دموية بين المستعمرين و المدافعين عن أرضهم.
ختاما:
مذبحة الهنود عام 1622 هي شهادة قاتمة على التحديات والصراعات و المجازر التي حدثت خلال السنوات الأولى من الاستعمار الأوروبي في أمريكا. يعطينا هذا الحدث فكرة واضحة عن العواقب المأساوية التي تنشب بسبب التوسع غير المنضبط و الذي أحدث في غالب الأحيان توترات عميقة بين القبائل الأمريكية الأصلية والمستوطنين الأوروبيين الذين إستطاعوا رغم وحشية المشهد إنهاء وجود الهنود بشكل شبه تام في القارة و إنشاء حضارة على أنقاضهم.
المصادر:
يجب تسجيل الدخول لمشاهدة الروابط