• المشاركة مفتوحة للجميع .. لا تتردد في نشر مقالك في القسم المناسب في منتدى الديوان.

  • اللّٰهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ وَأَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَنِّكَ، وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ.
  • ناشر الموضوع تقي الدين
  • تاريخ البدء
  • الردود 0
  • المشاهدات 455
💢 الموضوع يحتوي على محتوى حصري.

مرحبا ً بك في الــديــوان الإلكتروني

أهلا وسهلا بك زائرنا العزيز في الــديــوان الإلكتروني.

انظم إلينا و تمتع بتجربة رائعة, ستجد كل ما تبحث عنه.

التسجيل مجاني بالكامل

تصنيف الجاسوسية
جاسوسية عالمية
يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 1907 صرخت ليتيسيا نوريسات صرختها الأولى و قد تردد صداها في جبال منطقة فال داكوستي الخلابة في إيطاليا، ترعرعت الفتاة في جو مريح و طبيعي حتى سن المراهقة الذي تزامن مع وصول موسوليني للسلطة في البلد، اتخذت ليتيسيا ووالدتها وإخوتها الأربعة الآخرين قرارًا بمغادرة إيطاليا لمنطقة أخرى على غرار عديد العائلات في تلك الفترة و إستقر الستة بعد فترة في باريس و تحديدا في منطقة تشتهر بأنها منطقة مهاجرين إيطاليين، بينما قرر والدهم البقاء في البلاد.



حياة ليتيسيا إتخذت بعد فترة و تحديدا عام 1926 منعطفًا غير متوقع إذ بدأت في عمر الستة عشر العمل في مصنع فخار قريب و هناك إلتقت بجول توريو _الرجل الذي أصبح بعد ثلاث سنوات زوجها، حيث أقام الإثنان حفل زفاف سري في عام 1929، كانت الطبقة الاجتماعية ذات أهمية كبيرة في ذلك الوقت، ولم تكن عائلة جول من النوع الذي يوافق على زواج ابنهم المعتدل الثراء من شخص أقل مكانة. لكن قيل أن الزوجين كانا مكرسان تمامًا لبعضهما البعض ، وعاشوا في وئام .


صورة قديمة من حفل الزفاف.

بعد خمس سنوات من الزواج و في شهر مارس من العام 1934، توفي جول توريو بعدوى مرض السل. تاركا حزنا عميقا في قلب أرملته التي لم تنتهي مشاكلها عند ذلك الحد. عائلة زوجها إكتشفت يوم جنازته زواج إبنهم السري، وكما هو متوقع، فإنهم رفضوا أي صلة بليتيسيا و قطعت الأسرة جميع العلاقات معها ورفضت تزويدها بأي شيء كان قد تركه جول لها في وصيته، لاتيسيا التي ما زالت حزينة من خسارتها ، أصبحت الآن فقيرة مالياً. بعد إنقاذ عدد قليل من قطع الأثاث من منزل الزوجية، إنتقلت المرأة سريعا إلى شقة صغيرة في شارع بيير بايل مدركة أنها كانت بحاجة إلى العثور على عمل لدعم نفسها، وتحتاج إلى العثور عليه بسرعة.

في نوفمبر 1936 ، بدأت العمل في شركة Laboratoires Maxi-a الخاصة بإنتاج شمع الأحذية والشعر. كانت تعمل بجد و قيل حتى أنها عملت في نوبات مدتها 12 ساعة، ستة أيام في الأسبوع، وكانت تقضي فقط عطلات نهاية الأسبوع لنفسها. أصبحت مشهورة بين زملائها في العمل ورؤسائها ، وبعد مرور بعض الوقت ، انتقلت من وضع العلامات على عبوات الشمع إلى عرض منتجات الشركة في صالة العرض - كل ذلك أثناء العمل في نفس النوبات الطويلة والمضنية.

كان عبء العمل على ليتيتسيا ثقيلا، لكنها لم تتوقف عند هذا الحد. كانت تعمل أيضًا في ملهى ليلي يدعى L'As de Cur في ثلاث ليالٍ من الأسبوع، حيث كانت تقف في مرحاض النادي وترقص أحيانًا مع العملاء الذين يدفعون رسومًا، كان يمكن في ذلك الوقت للرجال شراء رموز خاصة تسمح لهم بالرقص مع احد الموظفين و قيل أن ليتيسيا إستمتعت بالعمل في الملهى.

لاتيسيا واضبت على عملها دون نسيان عائلتها حيث كانت تزورهم بين الفينة و الأخرى و تتناول معهم العشاء و الغداء. في ماي من عام 1937 ركبت لاتيسيا القطار مثل كل يوم للعودة للمنزل بعد نهار شاق لكنها للأسف لم تصل وجهتها قط.

وفاة لاتيسيا:
أمسية السادس عشر من مايو عام 1937 وقفت لاتيسيا وسط الحشود عند رصيف محطة القطار منتظرة وصوله، كانت المحطة مزدحمة على غير العادة بسبب العطلة الوطنية مما دفع بلاتيسيا للركوب في مقطورة الدرجة الأولى الفاخرة تفاديا للإزدحام، كانت وحيدة في العربة و قد إستمتعت بجلوسها هناك رغم أن رحلتها للمنزل تستغرق في العادة حوالي دقائق معدودة.

وصل القطار على الفور إلى محطة Porte Dorée التي تنزل فيها لاتيسيا عادة في حوالي الساعة 6.28 مساءً بعد دقائق فقط من مغادرته المحطة الأولى، كان طبيب أسنان محلي يُدعى الرائد دوبروي وعائلته ينتظرون عند المنصة عندما وصل القطار. فتحت الأبواب ولكن لم يخرج أحد من عربة الدرجة الأولى، لم يكن هناك سوى بابين للعربة أحدهما استخدم من قبل مجموعة أخرى من النساء على المنصة، بينما استخدم الرائد دوبروي وعائلته الآخر، بحماس صعدوا للعربة لكنهم تجمدوا في أماكنهم دون حراك، مصدومين من منظر ليزا و هي تصارع الموت محاولة سحب سكين ضخم إخترق عنقها بعمق لدرجة أن مقبضه فقط بقي ظاهرا.

ثار الذعر داخل العربة و حاولت السيدة دوبروي التي تتمتع بخبرة طبية مساعدة ليتيسيا وهي مستلقية على الأرض بعد أن سقطت بسبب زخم القطار المتحرك. كانت لا تزال على قيد الحياة وتكافح من أجل الكلام لكنها بعد صراع مرير توفيت على أرضية القطار الباردة.


صورة من داخل العربة.

التحقيق و حياة لاتيسيا السرية :
بعد الجريمة بدأت الشرطة عملية التحقيق بإستجواب المقربين من لاتيسيا لكنهم لم يقدموا بدورهم أي إضافة فلاتيسيا كانت فتاة عادية محبوبة من الجميع و تعيش حياة طبيعية.

الشرطة قامت أيضا بإجراء تشريح و قد خلصت نتيجته لأن لاتيسيا قد قتلت بجرح واحد خلف أذنها، حيث كانت الضربة قوية جدا لدرجة إختراق النخاع الشوكي، بسبب القوة الهائلة إفترض المحققون أن القاتل قد يكون ذكرا، لم يتم العثور على أي دليل على السطو أو الاعتداء الجنسي، وبدا أن الطعن نفسه كان فعالاً وغير فوضوي على الإطلاق وبالتالي كان الاستنتاج هو أن لاتيسيا قد تم استهدافها عن عمد ، وأن قاتلها كان سريعًا وفعالًا ومحترفًا على الأرجح.

بعد ذلك، فحص الضباط السكين المستخدم لقتل ليتيسيا. كان السلاح المستخدم من طراز Laguiole الشائع ويبلغ طوله حوالي 20 سم، بمقبض 9 سم مصنوع من العظم. لم يقم القاتل بأي محاولة لنزع السكين و الهرب به مما يعني أنه لم يكن قلقا على الإطلاق من إمكانية إقتفاء أثره، إستمرت المحاولات لتحديد مكان الشراء، لكنها باءت بالفشل. لم يتم العثور على بصمات أصابع على النصل أو في أي مكان آخر على العربة و رجح المحققون أن القاتل كان يرتدي قفازات، مع الأخذ في الاعتبار درجة الحرارة في ذلك المساء كانت غير عادية وقادت المصداقية إلى النظرية القائلة بأن قاتل ليتيسيا كان يخطط لإعدامها في ذلك المساء.

الأدلة كانت تقل شيئا فشيئا و لم يجد المحققون سبيلا آخر لمواصلة التحقيق سوى بالتعمق أكثر في حياة لاتيسيا و هناك كانت الصدمة إذ إكتشفت الشرطة أن المرأة كانت تعيش حياة موازية مختلفة تماما عن حياتها الطبيعية التي ظهرت للمجتمع.

لم يستغرق مقتل لاتيسيا الغريب وقتًا طويلاً للتسرب إلى الصحافة الوطنية وإثارة فضول الجمهور الفرنسي. بعد وقت قصير من خروج التحقيق للعلن تقدم رجل يدعى جورج روفينياك و هو محقق خاص إلى الشرطة مع بعض المعلومات المثيرة للإهتمام. وفقا له، فقد عملت لاتيسيا في وكالة التحقيق الخاصة به من أكتوبر 1935 إلى نوفمبر 1936 و هناك، كانت مسؤولة عن التحقيق مع الأزواج الذين يُزعم أنهم يخونون أزواجهم من خلال العثور على العناوين والمهام الإدارية الأخرى. لكن هذا لم يكن المدى الكامل لدورها. أصبح معروفًا فيما بعد أن لاتيسيا كانت متورطة أيضًا في تجسس لصالح الشركات. في صيف عام 1936، شلت المصانع بسبب إضراب العمال على نطاق واسع. و قد إستخدمت إدارات هته المصانع فكرة تتمثل في إرسال موظفين زائفين يتغلغلون بين العمال لمعرفة إن كانت هناك تعبئة جديدة محتلمة. و قد كانت لاتيسيا واحدة من الموظفين.


قضية لاتيسيا تصدرت الصحف.

ذهب تورط ليتيسيا مع وكالة المباحث إلى أبعد من ذلك إذ حصل لها روفينياك على وظيفة في الملهى الذي عملت فيه سابقا حيث غالبًا ما كانت مراحيض الملهى الليلي تستخدم كنقاط إنزال للرسائل الحساسة التي يجب إرسالها دون إمكانية اعتراضها. ومن ثم، فإن وظيفتها كمساعدة في غرفة الملابس أعطتها - وروفينياك - فرصة ممتازة لتأمين الأصول القيمة، كانت لاتيتسيا على حد قول روفيناك موظفة ممتازة.

ذهبت الحياة السرية لـلاتيسيا إلى بعد أعمق، إذ اكتشف المحققون أيضا أنها كانت أيضًا عضوًا في منظمة ليبرالية مناهضة للفاشية تُعرف باسم La Ligue Républicaine. كانت المشاعر السياسية اليمينية المتطرفة في تصاعد في جميع أنحاء أوروبا، ويبدو أن هذا أثار قلقًا كبيرًا للاتيسيا التي قررت القيام بتحرك. كجزء من عضويتها في المجموعة، إرتدت ميدالية حمراء وسوداء على طية صدر سترتها و قد ذكر سائق الحافلة الذي ركبت معه لاتيسا يوم وفاتها لمحطة القطار أنها كانت ترتدي تلك الميدالية. كما بدى أنها انضمت إلى المجموعة بعد حوالي شهر من بدء العمل في المصنع. ولكن بخلاف إهتمامها بصعود اليمين المتطرف، لم يكن معروفًا أن لاتيتسيا لها مصالح سياسية. فلماذا إذن انضمت إلى منظمة نشطة سياسياً للغاية؟ الإجابة أنها إنضمت للعمل كجاسوس، كما إتضح.

لم يمكن لـلاتيسيا الانضمام إلى المجموعة إلا من خلال توصية من شخص آخر. قام جورج روفينياك، صاحب عملها في وكالة المباحث، بدور الراعي لها. كان لديها أيضًا كفيل ثان: رجل يدعى المفتش قطور، بدا أنه يعمل لصالح الشرطة. وزود ضباط التحقيق ببعض المعلومات الإضافية عن لاتيتسيا إذ وفقا له، كانت ليتيسيا تعمل كمخبرة للشرطة منذ أن كانت مراهقة. مع تصاعد التوترات السياسية، إستخدمت قوات الشرطة أحيانًا المواطنين العاديين كمخبرين يمكنهم تقديم معلومات عن المحرضين المحتملين في المجتمع. عملت والدتها أيضًا كمخبر للشرطة بعد وصول العائلة إلى باريس في عشرينيات القرن الماضي و بدى أن أن التجسس كان متأصلا في عائلة نوريسات.

مفاجآت لاتيسيا لم تنتهي هنا إذ كشفت الشرطة الغطاء عن منظمة أخرى كانت منخرطة فيها، la cagoule كان إسم المنظمة، و قد كانت جماعة فاشية عدوانية هدفها الرئيسي الإطاحة بالحكومة الفرنسية في تلك الفترة و تقديم أسلوب عيش فاشي، قامت المنظمة بعدة عمليات عنيفة بين سرقات و تفجيرات، و قد بدى من كل هذا أن لاتيسيا كانت تعمل لصالح الجهتين كعميلة مندسة تنقل الأخبار بين الطرفين.

في نوفمبر من العام 1937 قامت الشرطة بسلسلة إقتحامات لمناطق تجمع منظمة la cagoule و قد نجم عن حملة الإعتقالات الجماعية هذه القبض على رجل يدعى بيير لوكوتي و قد كان متهما بالتخطيط لسلسلة تفجيرات إستهدفت عدة مناطق في باريس، هذا الأخير إعترف أن قتل لاتيسيا كان مخططا له من طرف المنظمة بعد إكتشاف أنها كانت تعمل لصالح المخابرات الفرنسية، بيير قال أنه قد تم تعيين شخص يدعى أندري تانيل لمراقبتها لمدة أسبوعين قبل قتلها لمعرفة روتينها اليومي و قد كلف هذا الأخير رجلا ثالثا يدعى جون فيلول لقتلها بحكم أنه كان جلاد المنظمة.

فيلول فر من فرنسا عام 1937 ليأجج الحرب الأهلية التي كانت واقعة في إسبانيا في تلك الفترة، كان جون متهما بعدة جرائم أخرى لكن لم يثبت قط أنه قد قتل لاتيسيا، الشرطة الفرنسية حاولت الوصول له لكن إسبانيا رفضت تسليمه و توفي هناك حوالي عام 1950.

في الواقع لا يوجد دليل يثبت أن فيلول قد قتل لاتيسيا فعلا لكن ذلك لا ينفي أيضا أنه لم يقتلها، السيناريو الأرجح هو أن فيلول كان مختبأ داخل المقصورة و إنتظر لاتيسيا حتى إرتاحت في مقعدها ثم قام بطعنها و فر لكن ذلك يبقى صعبا خاصة و أن سائق القطار أكد أنه لم يرى أحدا يدخل المقصورة لكن يبقى هذا هو الإحتمال الأقرب خاصة و أن لاتيسيا كانت قد شبكت الخيوط على نفسها بإنخراطها في أكثر من مجموعة.

ختاما:
حياة لاتيسيا تبدو أقرب لفيلم من الواقع، و تطرح أسئلة أكثر مما تجيب، هل قتلت جماعة la cagoule فعلا لاتيسيا أم أن رواية المقبوض عليه مجرد ترهات؟ و إن لم تفعل فمن قتلها و لماذا؟ و كيف بقيت حياة لاتيسيا سرية كل هذا الوقت؟ و كيف إنخرطت أساسا في كل هذه المنظمات؟. الإجابة ربما لن تظهر أبدا.
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد…