- التعديل الأخير بواسطة المشرف:
- المشاهدات: 1,141
- الردود: 3
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
- تصنيف الجاسوسية
- جاسوسية عربية إسرائيلية
من أجل امرأة. (فؤاد حمودة - جاسوس الإسكندرية )
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
السلام عليكم.
أريد منكم أن تعتبروا أنفسكم تتصفحون رواية اجتماعية مثيرة ،
الوصف والتفاصيل والتوضيح فيها مهم بنفس أهمية الأحداث،
دعونا لا نستعجل مرور الأحداث أو نحاول القفز للنتيجة بسرعة ،
فقط لنتابع ونقرأ ونستنتج ونقول رأينا فيما نقرأ ...
هيا نبدأ القصة الملحمية،
هي قصة الفقر والحاجة والرغبة والحرمان.
قصة الخيانة بكل أنواعها ،
قصة المال الحرام والعلاقات الحرام والثمرات المحرمة،
قصة الحب والهجر والخداع،
قصة من باع كل شيء
من أجل امرأة.
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
▪︎ الحق أن الرجل كان يمتلك حس أدبي عال حتى أن مذكراته تصلح للنشر كعمل أدبي متقن ولذلك سوف ننشر القصة من خلال ما كتبه بنفسه من مذكرات مع اقتباسات نصية من كلامه...
مع التنويه أن ما تم نشره من مذكراته كان بعلم المخابرات العامة المصرية بالطبع بعد حذف ما يشكل أسرار هامة .
▪︎ اسمه فؤاد حمودة،
اسكندراني،
جاسوس لإسرائيل ،
وجدوا في زنزانته قصة حياته التي كتبها بعناية أثناء فترة سجنه في رزمة ضخمة من الأوراق .
دعونا نقتبس مما كتبه ونحكي قصته...
صورة يعتقد أنها للجاسوس
▪︎والده كان موظف حكومي ووالدته بلا عمل،
نشأ في أسرة كبيرة العدد شحيحة الدخل ،
ترتيبه كان الرابع بين إخوته وبعده ثلاثة آخرون.
حصل على مؤهل متوسط وانتظر الوظيفة الحكومية،
كنا في أواخر ستينات القرن الماضي، والأمور صعبة في مصر كلها.
حياته المستقبلية تكاد أن تكون واضحة أمام عينيه،
لا غموض فيها..
موظف ثم رب أسرة مثل والده تمامًا.
لم يكن يحب ولا يتمنى ذلك ولكنه كان عاجز عن التحرر من واقعه...
لكن ذات ليلة حدث ما غير مسار حياته بشكل حاد لم يتوقعه هو حتى في أكثر تخيلاته جموحًا.
▪︎مكالمة هاتفية جاءته منها ...
لا يعرف هل كانت تعرفه؟ وقصدت أن تحدثه أم أنها كانت مجرد صدفة؟ لكن النتيجة واحدة
سقط في هواها من أول كلمة " ألووو"
كان صوتها ناعمًا،
دافئًا،
مثيرًا،
فجر داخله بركانًا من العواطف والرغبات.
لو كانت المكالمة الأولى خطأ فإن الثانية والمائة والألف كانت مقصودة،
اسمها نوسة..
طالبة في السنة الأخيرة من الدبلوم أي أصغر منه بسنة أو سنتين لكنه ييدو بالنسبة لها كطفل صغير.
تسكن في سبورتنج ليس بعيد عنه في الإسكندرية.
بين ليلة وضحاها أصبحت نوسة كأسه وخمره وادمانه اليومي لا يستطيع أن يمرر يوم دون أن يتحدث معها في الهاتف لساعات.
وحيدة والديها هي،
مدللة، مرفهة، مثيرة رقيقة بلا تصنع.
باختصار خلبت لبه.
تقابلا مرات في أماكن عامة في الإسكندرية.
رغم سنها الصغيرة إلا أنها كانت تمتلك جرأة غريية في الكلام وفي والتصرفات.
أثناء مكالماتهم الليلة فاجأته هي بالكلام في الجنس.
شعر بدهشة وصدمة من جرأتها لكنها جاءت على هواه فانجرف معها في التيار حتى جاء الوقت الذي عرضت فيه ما لم يفكر فيه أو يجرؤ على تخيله.
¤ نوسة عرضت عليه أن يزورها في بيتها بعد منتصف الليل .
أذهله العرض ورغم رغبته الجامحة في القبول إلا أنه تردد وخشي العواقب لكن نوسة الفتاة صغيرة السن قليلة الخبرة كانت تتصرف كعاهرة خبيرة.
أبدت له ضيقها من تردده وصدمتها في جبنه،
خشي أن يفتر حماسها له وتبحث عن غيره فقبل طلبها.
دبرت نوسة كل شيء بمهارة مدهشة،
انتظرت نوم والدها ووالدتها ثم استقبلته في غرفتها .
فؤاد كتب في مذكراته أن تسلله تلك الليلة إلى غرفة نوسة وخروجه منها كان أول تدريب له على الجاسوسية.
تلك الليلة هزت ثقته فيها وبدأ يفكر أنها مومس وقد فعلت ذلك مع أشخاص من قبله.
فؤاد كان له صديق حميم اسمه حاتم،
لم يكن يخفي عليه شيء..
عندما فاتحه فيما حدث مع نوسة أكد له حاتم أن الفتاة يمكن أن تفعل أي شيء من أجل من تحب لدرجة أن تسلم نفسها.
¤ فتحت المقابلة أمام فؤاد أبواب ظنها موصدة في علاقته مع نوسة ولذلك وبعد أيام من تلك المقابلة دعاها لزيارته سرًا في شقة أخته المسافرة إلى دولة عربية لعمل زوجها هناك.
لم تتردد نوسة في قبول الدعوة وجاءت بالفعل.
كما لم تتردد في فعل أى شيء يطلبه منها فؤاد وعلى العكس كانت هي المبادرة
إلا أنه شعر بصدمة عنيفة عندما وجد أنها ليست بكر ...
قام بزيارة معها لطبيب شهير في الإسكندرية لم يصارحه الطبيب بوضوح بشيء ،
هاجمته نوسة بعنف واتهمته إنه ضيعها ويمكن أن يتسبب في قتلها من أسرتها.
ورغم كل شيء كان من المستحيل على فؤاد أن يتركها مهما فعلت،
بالنسبة له أن تفارقه روحه أرحم عليه من أن تفارقه نوسة .
سلمته الفتاة نفسها تمامًا وعاملته كزوجها حتى غاص في بحور من المتعة معها.
لكن ذات يوم وصله الخبر الذي كاد أن ينتحر بسببه.
▪︎حتى الأمس القريب كانت بصحبته في فراش واحد في شقة خالته، تعطيه ما تعطي المرأة لزوجها.
لماذا تتهرب منه الآن؟!
لما لا ترد على مكالماته ولو ردت يكون ردها فاترًا ؟
لماذا رفضت أن تحضر إلى شقة خالته لتقابله رغم أنها من كانت تطلب ذلك ؟
بعد إلحاح عرف انها تمت خطبتها !!
كاد يفقد عقله حرفيًا ،
فكر في الإنتحار ،ضرب رأسه في الجدار حتى يستفيق، كانت نوسة هي جرعة الهيروين اليومية التي لابد منها حتى تستمر الحياة،
فؤاد كتب في مذاكرته عن تلك الذكرى :
" أيتها المومس الحقيرة .. أحبك . . أحبك بوجهك الطفولي البريء وصوتك الساحر . . أحبك وأنت تصعدين ورائي إلى الطابق الخامس في شارع "الجلاء" ترتدين زي المدرسة وتحملين حقيبتك .. وتنشدين ما يكفيك من النشوة لعدة أيام قادمة .. أحبك يا ********** كاذبة . . ولن أنسى يوم خطبتك لهذا المغفل الذي نزف عليك مئات الجنيهات كما نزفت أنا معك رجولتي".
مر الوقت على فؤاد بطيء ثقيل قاتل له ببطء،
لا يدري هل مرت ثلاثة أيام
أم ثلاثة أشهر
أم ثلاث سنوات على خبر خطبة نوسة عندما جاءه صوت نوسة حزينًا...خاضعًا...مكسورًا.
فسخت خطوبتها..
عند أول كلمة خرجت من فمها نسي كل الغضب والحنق عليها وعاد أسيرًا لغرامها.
في أول لقاء بينهما طلبت منه أن يتقدم لها.
أخبرها أنه أصبح موظف في شركة مضارب الإسكندرية براتب 17 جنيه،
كان هذا محبطًا بالنسبة لها ..
هذا يعني أن ينتظروا سنوات طويلة حتى يستطيع إتمام الزواج منها وحتى لو حدث فلن يستطيع أبدًا أن يعيشها كما ترغب.
البلد كلها كانت تعيش ظروف صعبة ،
حرب الاستنزاف على أشدها والأمور ليست على ما يرام .
طلبت منه أن يسافر مثل زوج أخته
ويعمل بجد حتى يجمع ثروة ويعود وسوف يجدها في انتظاره.
كان مستعد أن يذهب إلى أي مكان حتى لو الجحيم نفسه من أجلها..
وبالفعل بدأ يفكر في السفر ولكنه لم يكن يملك تكاليف تذكرة السفر ومصروفاته.
فكر في الإقتراض .
كانت أخته المسافرة قد عادت تلك الأيام ،ذهب إليها ليقترض منها لكن زوجها سخر منه بشدة ورفض اقراضه.
عندما علم والده تشاجر معه وعنفه على الموقف بينما كانت الوحيدة التي تعاطفت معه هي والدته التي أعطته اخر قطعة حلي تملكها وعندما لم يكتمل المبلغ عاد ليرجو أخته ويقبل يدها لتقبل اقراضه،
عندها أعطته 27 جنيه ومعها جملة من السم .
سم لفظي عندما قالت أمام الأسرة إنها أعطته المال ليسافر ربما علمته الغربة كيف يكون رجلًا .
وبالفعل سافر فؤاد إلى ألمانيا ..
وهناك وصل إلى مدينة دوسلدروف شمال بون .
كان معه خطاب لشخص من معارف أسرته يعمل هناك وبالفعل وصل إليه،
لكن يبدو أن خيبات أمل فؤاد لم ولن تنتهي ...
قابله الرجل بلامبالاة وعامله باحتقار حتى أنه كان يتحدث مع صديقته الألمانية وينظرا إليها وينفجرا بالضحك.
لم يكن فؤاد يعرف شيئًا من الألمانية لذا لم يفهم ما يقال لكنه فهم الموقف.
وبكل ألم وحزن انسحب بهدوء وسافر من دوسلدروف إلى مدينة في الجنوب على نهر الراين اسمها كولون رآها أثناء سفره، كانت مدينة ساحرة .
في المدينة وبخطوات متعثرة يزيد منها عدم معرفته باللغة الألمانية ولا امتلاكه لمبلغ كبير،
وصل فؤاد إلى بنسيون رخيص اسمه " فارسبورجر " أقام فيه
وبانجليزية ركيكة شرح فؤاد لمديرة البنسوين العجوز اللطيفة ظروفه.
تعاطفت السيدة معه وأرسلته للعمل في مصنع للبويات على أطراف المدينة يمتلكه زوج ابنتها .
بمجرد استلام العمل كان أول ما فعله فؤاد أن كتب خطابًا لنوسة يطمئنها على أحواله.
عاش فؤاد حياة متقشفة للغاية، كان هدفه الوحيد في الحياة هو العودة إلى مصر وهو ثري لكي يتمكن من الزواج بنوسة .
بعد أشهر قليلة وجد أنه جمع 5 آلاف مارك، كان المبلغ كبير وقتها ، فرح به فأرسل لنوسة خطابًا آخر أو ثالث أو عاشر لكنها لم ترد على اي خطاب له .
شعر بقلق شديد ، لم يتمكن من الإتصال بها هاتفيًا ، أرسل لصديقه حاتم يسأله عنها.
وجاءه الرد بعد أيام من حاتم..
" نوسة تزوجت من شهرين وانتقلت للعيش في كينج ماريوت "
فبراير 1970،
شتاء شديد البرودة في ألمانيا،
الثلج يتساقط في كل مكان،
فؤاد يسير بين شوراع المدينة لا يلوي على شيء، تائه هو ، لا يعرف إلى أين يذهب ولا ماذا يريد،
يرى في كل وجوه النساء وجه نوسة
كان في شارع فينشا الشهير بالملاهي الليلية التي تتلألأ الأضواء على لافتاتها راقصة مغرية،
على جانبي الشارع تقف فتيات الليل ينتظرن أي رجل يمر ، تخلص من كل الدعوات بلامبالاة، وصل إلى ملهى " جوتن نخت " وهناك حاول النسيان وترك كل شيء خلف ظهره.
رقص ، شرب الخمور ،سكر حتى الثمالة وأثناء عودته إلى البنسيون كانت هي في يده ...
كريستينا..
ألمانية شقراء فاتنة،
وحيدة ، هاربة من ماض قاس وذكرى حبيب غادر ،
تساوت الظروف بينهما ووجد كل منهما في الآخر ضالته.
خلال الأيام التالية أصبح فؤاد ملاصق لكريستينا،
يقضي أول الليل معها في الكباريه الذي عرفه جيدا العاملين فيه وآخره معها .
انتقل فؤاد للعيش معها في غرفتها ،
هجر البنسيون وترك عمله في المصنع.
لكن بعد مرور أيام نفذت نقوده وعندها تنبه لوضعه،
لم تتحمله كريستينا وطردته من غرفتها.
حذرته مديرة البنسيون بسبب كثرة ديونه،
وعندما عاد إلى المصنع وجد أبوابه مغلقة في وجهه.
لم يعد أمامه إلا الملهى الليلي عاد إليه هذه المرة يطلب عملًا أي عمل يوفر له قوت يومه ومكان لقضاء الليل.
في الطابق العلوي من الملهي قابله مديره، في البداية عامله بلطف وسأله عما يرغب وعندما ذكر له فؤاد أنه مصري وأنه يطلب عمل،
تحولت لهجة الرجل إلى حفاوة شديدة وأخبر فؤاد أنه عاش سنوات فى مصر .
وكانت تلك أول خطوة له في الطريق .
.
▪︎ فؤاد حكى لجوتل لهاوزن مدير الكباريه قصته كلها حتى وصوله إليه الآن،
صمت هاوزن قليلًا ثم قال له :
"بإمكانك أن تصبح مليونير،
فقط لو تعاونت وأصبحت أكثر مرونة."
نظر له فؤاد بدهشة وسأله كيف يصبح مليونير وهو لا يمتلك إلا بضعة ماركات ولا يتحدث الألمانية وانجليزيته ركيكة جدًا .
ركز جوتل نظره عليه وهو يتحدث، كان يختبر وقع كلماته عليه عندما قال:
أريدك أن تكون مغامر ، لا تخشى شيء ،
لا تكن رجل عاطفي مثل الشرقيين،
انس أنك مصري،
انس أنك مسلم.
تذكر فقط أنك هنا في أوروبا ولتتعامل كأنك أوربي.
بحسم وبلهجة تملؤها المرارة رد فؤاد بأنه نسي كل ذلك بالفعل ولا يريد أن يتذكر منه أي شيء.
عندها شعر جوتل هاوزن بارتياح، وفي لحظات كان يستدعي فاتنة ألمانية قدمها لفؤاد باسم "سلفيا " وأخبره
أنه سوف يسافر معها إلى ألمانيا الشرقية لبعض الأعمال التجارية.
( في ذلك الوقت كان جدار برلين يفصل بين ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية التابعة للمعسكر السوفيتي الشيوعي)
وبالفعل قامت سلفيا بدفع حساب البنسيون وأصطحبت فؤاد ليقيم في شقتها كما دفع له جوتل مبلغ آخر ليكون معه.
في شقة سلفيا التي تطل على نهر الراين سألها عن طبيعة عمله فأخبرته أن العمل سيكون تهريب السلع من ألمانيا الغربية إلى الشرقية.
تهريب خمور وساعات وسجائر.
يبدو أن الرد صدم فؤاد ،
كان يتوقع ما هو أكبر وأخطر من ذلك،
لذا عاد إلى الملهى وهناك قال لجوتل أنه لا يريد ان يقوم بهذا العمل التافه بل يريد ما هو أكبر .
حاول جوتل أن يفهمه أن موضوع التهريب ما هو إلا تدريب له لاكسابه الجرأة وروح المغامرة لكن فؤاد رد بأنه يمتلك كل ذلك بالفعل...
نظر إليه جوتل مطولا ثم أخبره أنه سوف يكلفه بمهمة لو انجزها فسوف يكسب نصف مليون مارك وهو مبلغ ضخم جدًا بتوقيت هذا الزمن.
ولذلك دار عقل فؤاد من الجملة ،
كان مستعد لفعل أي شيء في العالم للحصول على المال ..الكثير منه .
•كتب الرجل عنوان في ورقة وأعطاها
لفؤاد وطلب منه أن يذهب إليه غدًا..
كان عنوان السفارة الإسرائيلية في بون.
رغم كل شيء شعر فؤاد بدهشة كبيرة وتردد عندما قرأ العنوان، نظر إلى هاوزن وسأله:
أنت إسرائيلي إذا؟
تصنع هاوزن الحكمة وهو يرد عليه :
بل ألماني يهودي ،
أحب إسرائيل والعرب وأرغب أن يعم السلام بينهما.
ساد صمت بينهما قطعه دخول سلفيا فجأة.
عاد فؤاد معها إلى شقتها،
شعرت بما يدور بداخله فحاولت أن تهون عليه الأمور وتبرر أن تعامله مع الإسرائيليين شيء عادي ولمصلحة المصريين والعرب كذلك .
▪︎في تلك الليلة حاول أن يدفن فؤاد توتره واضطرابه ومشاعره المختلطة التى تعصف به في الرقص والخمر وجسد سلفيا.
عندما ذكر لها على استحياء أهله وبلده،
شجعته بأنه بعد ذلك سوف يعود إلى بلده وهو مليونير ،
يملك مئات الآلاف من الماركات تحل كل مشاكل عائلته الفقيرة ويفعل ما يرغب فيه في مصر.
ذكرته بسخرية زوج أخته منه ،
وتعنيف والده،
وتجريح أخته،
وحبيبته التي فقدها بسبب المال ،
كانت سليفا عميلة مخابرات محترفة تعرف كيف تضرب على الوتر الصحيح عند فؤاد.
▪︎في اليوم التالي كان هناك موعد في السفارة الإسرائيلية لكنه كان في المساء.
قبل الموعد بساعات ركب فؤاد الباص وبجواره سلفيا متوجهين إلى بون.
كان الباص يمر على الريف الألماني بمناظره الخلابة. في عقله قارن فؤاد تلك المناظر البديعة والزراعة الحديثة بالريف المصري وقتها وشعر بحزن في قلبه رغم كل شيء.
لا يعرف لماذا صور له خياله أنه يمكن أن يساهم بتواصله مع الإسرائيليين في خلق سلام يؤدي لتحسين معيشة المواطن المصري في كل مكان في مصر. لكن نقطة ما في عقله كان ترفض ذلك
.
▪︎في بون نزل فؤاد في فندق ماجستيك استعدادا لمقابلة الإسرائيليين ، قبل الموعد بدقائق كانت سيارة حديثة تنتظرهم أمام الفندق وخلال دقائق كان فؤاد داخل مبنى السفارة الإسرائيلية.
لم تتركه سلفيا لحظة واحدة ولم تترك له فرصة الإختيار أو التراجع بل ظلت تقوده خطوة بخطوة حتى وجد نفسه في صالة إنتظار داخل مبنى السفارة .
لحظات ودخلت فتاة تقول له :
تفضل معي مستر فؤاد .
في الغرفة وقف رجل شرقي الملامح يستقبله بحفاوة قائلًا بالعربية المصرية :
أهلا أهلا يا فؤاد..كيف حالك ؟
اندهش فؤاد من مقابلة الرجل وكأنه يعرفه من قبل،
بادره الرجل بالقول:
أنا مصري مثلك واسنكدراني أيضًا واسمي إبراهيم يعقوب ، اعتبر نفسك في بيتك.
أخبره إبراهيم أن هاوزن وسلفيا حكيا له قصة فؤاد وأن تثق فيه بشدة وفي قدراته.
▪︎إبراهيم تحدث باستفاضة وبوضوح مع فؤاد قال له :
" عليك أن تعلم جيداً أنه برغم التوتر في الشرق الأوسط والصراع المرير ما بين إسرائيل والدول العربية. . فليس معنى وجودك هنا أننا نريدك جاسوساً. . لا . . نحن لا نريدك أن تخون بلدك .. فأن شخصياً لا أريد أن أتعامل مع الخونة. . ويبدو أن هاوزن كذب عليك كثيراً عندما أكد على أنك قد تكسب نصف مليون مارك بتعاملك معنا . . نعم . . كذب هاوزن فهذا مبلغ تافه . . ولأنك مغامر تبحث عن المال والمجد .. فقد تكسب مليون مارك في لحظة خاطفة. . إن النقود ليست بذات قيمة عندنا . . نحن فقط نحب المجتهدين. . ونعطي بسخاء وبدون حساب إذا ما تأكد لدينا أنك مخلص في تعاونك معنا."
صمت إبراهيم وهو يتأمل وجه فؤاد الذي شعر بحيرة هائلة واضطراب من كلام إبراهيم.
آلاف المشاعر كانت تضطرب بداخله في تلك اللحظة .
العبارة الأخيرة
وما العمل الذي يرغبون في تكليفه به يدر عليه ملايين الماركات في لحظة واحدة غير الجاسوسية ؟
▪︎أنا مستعد للتعاون معكم بشرط ألا أصاب بضرر.
- طبعًا لن تصاب بأي ضرر نحن حريصون عل أصدقائنا لأقصى درجة وسوف ترى ذلك بنفسك.
▪︎كان ذلك جزء من الحوار الذي دار بين إبراهيم يعقوب مسؤول السفارة الإسرائيلية في بون وفؤاد حمودة.
بعدها طلب منه إبراهيم أن يكتب كل شيء عن حياته بكل التفاصيل ودون أن ينسى اي شيء.
جاء له بخريطة الإسكندرية ووضعها أمامه وطلب منه أن يوضح مكان بيته وعدة أماكن أخرى.
عاد إبراهيم إلى الفندق الفخم وقد طلبوا منه أن ينتظر هناك حتى يتواصلون معه.
اختفت سلفيا فلم تعود معه وفي الفندق مضى خمسة أيام دون أن يتواصل معه أحد .
بدأ القلق يدب في قلبه وخاصة عندما طالبته إدارة الفندق بدفع 1600 مارك مستحقات الفندق لهم .
ذهب بسرعة إلى السفارة الإسرائيلية ولكنهم اعتذروا له بأن إبراهيم غير موجود ولا سلفيا ولم يخرج منهم بنتيجة.
▪︎كانوا يلعبون معه لعبة الأعصاب التي يجيدونها مع كل الخونة المتعاملين معهم.
تركوه أيام حتى انهارت أعصابه تمامًا وأصبح عاجز عن أي تصرف ، لا يخرج من غرفته وهاجسه الأكبر هو حساب الفندق والشرطة التي يمكن أن تقبض عليه.
في اللحظة الأخيرة جاءته مكالمة من السفارة وعندما وصل إلى هناك قابله شخص اسمه أبو علمون.
بدأ تدريب فؤاد على التفرقة بين أنواع الأسلحة وأخبروه أن عمله سوف يكون في ميناء الإسكندرية.
أثناء التدريب قال له أبو علمون إنهم يعملون لمنع اندلاع الحرب مرة أخرى في الشرق الأوسط بين إسرائيل والعرب وأنه اذا عرفهم بخبر قيام مصر بالحرب معهم فله مكافأة
مليون مارك.
▪︎تراوحت لهجة أبو علمون بين الإغراءات المادية الكبيرة جدًا وبين التهديد المبطن لمن يجرؤ على خيانتهم .
في النهاية أصبح فؤاد خاضع لهم بشكل مطلق وعلى استعداد لتنفيذ كل ما يطلبون منه.
عندما عاد إلى الفندق هذه المرة كانت معه كاتيا..
فتاة أخرى من فتيات الموساد،
فاتنة سمراء ،يهودية مغربية من كازا بلانكا كما أخبرته.
انتقل فؤاد للسكن في شقة على أطراف المدينة ليستكمل تدريبه هناك وفي تلك الشقة أقامت معه كاتيا إقامة دائمة.
▪︎خلال أسبوعين كان قد تم تدريبه على الكتابة بالحبر السري واستخدام الشفرة ومعرفة أنواع وأسماء الدبابات والمدرعات والأسلحة المختلفة.
كان الوقت أواخر سبتمبر 1970،
وذات يوم، بينما كان فؤاد يشاهد التلفزيون ،
فجأة اتسعت عيناه ذهولًا ودقق ليتأكد مما يرى...
كان التلفزيون ينقل مشاهد جنازة عبد الناصر.
( أذكركم أن القصة من خلال مذكرات فؤاد حمودة نفسه مع ما تم إعلانه من جهاز المخابرات المصرية عن القضية )
شعر فؤاد بصدمة عنيفة حتى أنه انفجر صارخًا وعندما جاءت كاتيا مندهشة تسأله عما حدث ضربها بعنف حتى سال الدم من وجهها.
▪︎فجأة وجد في وجهه اثنين من الحراس يحملان أسلحة موجهة إليه والغضب يتطاير من عيونهم ،
شعر بضربة عنيفة على رأسه وسقط في غيبوبة.
عندما أفاق فؤاد وجد إبراهيم أمامه،
ظل يتأمله لحظات ثم قال :
نحن نقدر حزنك وصدمتك،
لقد كان عبد الناصر زعيمًا عظيمً،
هناك اتصالات دولية لإرسال وفد إسرائيلي إلى مصر للعزاء فيه .
الرجل مات وهو يحاول احتواء أزمة الفلسطينين في الأردن.
▪︎تركوه ليهدأ ويستريح بعض الوقت ،
هذه المرة استيقظ على لمسات أنثويه ناعمة تداعب جسده وفتح عينيه ليجدها بجواره في الفراش.
كانت سلفيا ..
أخبرته أنها جاءت خصيصًا من إسرائيل من أجله.
جاء أبو علمون ليخبره أنهم الآن في حاجة أكبر لجهوده في مصر
وخاصة مع غموض الموقف هناك وعدم معرفة نوايا القادم بعد عبد الناصر.
لم تتركه سلفيا هذه المرة ظلت بجواره بينما أكملوا تدريبه على إرسال واستقبال رسائل بالشفرة من خلال الراديو.
كما دربوه على إستخدام الميكروفليم في إرسال المعلومات.
في تلك الأثناء كانت سلفيا تردد على مسامعه طول الوقت قصص مذهلة عن بطولات المخابرات الإسرائيلية وعملياتها في الدول العربية كلها.
▪︎عاد إبراهيم يكرر موضوع المليون مارك على مسامع فؤاد ثم أضاف أنه سوف يحصل على مكافأة 50 ألف دولار اذا كشف سر عميل للمخابرات المصرية داخل إسرائيل.
اندهش فؤاد من كلام إبراهيم عن موضوع معرفة عملاء مصر في إسرائيل وعندما سأله كيف يمكن أن يعرف ذلك قال له إبراهيم أن المصريين يحبون التفاخر بالأسرار التي يعرفونها وخاصة لو تم تحديهم.
إبراهيم ذكر له طرق لمعرفة الأسرار العسكرية ومنها جلسات اللهو والمرح التي تنفك فيها الألسنة وتتدفق منها المعلومات .
وكذلك استفزاز الأشخاص من العسكريين بتذكريهم بهزيمة 67 مما يدفع من أمامه للدفاع عن الجيش بذكر معلومات سرية عن عملاء أو عمليات للتباهي بها.
في النهاية طمأنه الإسرائيليين بأنه أصبح جاهز تمامًا للقيام بمهمته فى مصر .
حددوا له راتب شهري قدره 300 دولار شهريًا ( 20 جنيه تقريبًا كان هو مرتب الموظف خريج الجامعة في هذا الوقت) بخلاف ما سوف يحصل عليه من مكافآت قد تصل إلى ألف دولار شهريًا بعد كل معلومة يرسلها لهم.
طلبوا منه أن يرسل لأهله خطابات يخبرهم أنه يعمل في تجارة السيارات في ألمانيا وأنه كون ثروة وعائد إلى مصر قريبًا .
قبل العودة اعطوه مبلغ كبير وأصطحبته سلفيا في رحلة إلى جنوب ألمانيا حيث قضى أيام ممتعة بصحبتها ، أخيرًا اشترى لأهله هدايا ثمينة وركب الطائرة إلى روما ومن روما إلى القاهرة.
▪︎فؤاد وصل الإسكندرية وفي انتظاره كان أهله كلهم.
تبدلت السخرية واللوم إلى فخر واعتذارات له بعد أن شاهدوا علامات الثراء والهدايا التي يحملها لهم.
كان أول ما فعله فؤاد في الإسكندرية هو البحث عن نوسة ..
لكنه لم يتمكن في البداية من معرفة مكانها فبدأ مهمته على الفور بتكوين صداقات والتعرف على شخصيات جديدة تعمل في ميناء الإسكندرية ،
بدأت المعلومات تتجمع عنده فيرسلها إلى عنوان في لندن باسم مستر طومبسون.
خلال وقت قصير كان فؤاد قد تمكن من تكوين شبكة أصدقاء ومعارف من خلالهم كانت تتسرب أسرار كل ما يحدث في الميناء إلى الموساد.
ليست فقط معلومات عسكرية ولكن أيضًا معلومات اقتصادية عن الحاويات والسفن الضخمة التي ترسو في الميناء حاملة شحنات من الحبوب والمنتجات الغذائية الواردة إلى مصر.
كانت نظرة الموساد في محلها ،
خلال وقت قصير أصبح فؤاد حمودة من أهم وأخطر جواسيسهم في مصر.
لكن الأمور لم تسر كما يريد ففي أحد أيام شهر نوفمبر 1971 جاءته رسالة عبر الراديو تحمل تحذيرًا عاجلًا ومخيفًا جدًا .
▪︎"لا تقرأ في الصحف المصرية – مطلقاً – أية أخبار تتعلق بإلقاء القبض على جواسيس لإسرائيل. هذا أمر وعليك تنفيذه "
دفع التحذير شديد اللهجة فؤاد لقراءة الصحف، عندها وجد الخبر الذي زلزل كيانه.
"إلقاء القبض على جاسوس مصري يعمل في الإسكندرية."
ظلت التحذيرات تتكرر في الراديو وكان فؤاد كلما سمعها وقع قلبه بين قديمه.
ظل أيام في بيته لا يغادره أبدًا والقلق ينهشه نهشًا وفي تلك الظروف فجأة جاءته مكالمة هاتفية منها ...
من المؤكد أنكم خمنتم من .
خلال وقت قصير كان جالس معها في فندق فلسطين.
ظل يتأمل ملامحها الصغيرة الدقيقة،
في لحظة واحدة امتلأ عقله وقلبه بوجهها ونسي كريستينا وسلفيا وكاتيا.
نوسة كان لها طعم آخر،
أنثى مختلفة لا مثيل لها على الإطلاق.
▪︎في يناير 1972 طلبوا منه السفر إلى لندن وهناك قابله إبراهيم يعقوب ومعه ضابط آخر من الموساد اسمه "بوب "
حاول إبراهيم طمأنة فؤاد فأخبره أن أخبار إلقاء القبض على جاسوس مصري ما هي إلا شائعات ليست صحيحة تطلقها المخابرات كل فترة كنوع من الحروب النفسية.
لكن يبدو أن فؤاد كان خائف بالفعل فقرر الموساد تكليفه بمهمة في لندن لبعض الوقت.
كانت المهمة هي محاولة تجنيد جواسيس مصريين في لندن للعمل مع الموساد.
تم تدريب فؤاد على مهمته الجديدة وتعريفه بأماكن تواجد المصريين هناك.
لكن الغريب أن فؤاد فشل فشلًا ذريعٍا في عمله هناك لأسباب منها كون أغلب المصريين المسافرين إلى لندن من نوعية الشباب الواعي المثقف.
وقتها قرروا إعادته إلى مصر .
قبل عودته أعطوه 19 ألف دولار مكافآت له وحتى يتمكن من استئجار شقة تكون وكر له يدير منه أعماله التجسسية.
▪︎عاد فؤاد إلى الإسكندرية وهناك قام باستئجار شقة في منطقة ميامي في شارع خالد بن الوليد .
كان أول من فكر فيه هو نوسة ...
بمجرد أن اتصل بها جاءته على الفور وقد أدركت أنه أصبح رجل ثري ،
كان فؤاد محمل بالهدايا لها منها نصيب كبير .
بعد ساعات كانت نوسة تقف في غرفة نومه عارية تمامًا..
من ملابسها وأخلاقها وحيائها وكل ما يجعلها إنسانة.
قرر فؤاد أن يفتتح بها خياناته التي أصبح ينفذها بأريحية تامة ودون أي وخذ من ضمير.
▪︎أصبحت الشقة وكر لكل الأعمال المشينة فقد قام فؤاد بدعوة أصدقائه الجدد من مختلف الوظائف والمراكز الإجتماعية إلى سهرات وليالي حمراء وقد أصبحت شقته مقصد لفتيات الليل والنساء الساقطات يحضرهم فؤاد لمرافقة أصدقائه الذين تنفك عقد ألسنتهم تحت تأثير الخمور والنساء والهدايا.
وتدفقت المعلومات كنهر جار على مكتب الموساد في لندن لكن ...
▪︎وسط انشغاله بتجميع المعلومات وإدارة أعماله الحقيرة بدأت رائحة شقته تفوح وكان أول من التقطها رجال المخابرات العامة وبدأ التخطيط لاستغلال الخائن بأفضل طريقة قبل وقوعه في المصيدة.
اختار العميد حسن واصف مسؤول المخابرات العامة في الإسكندرية - وقتها - أحد رجاله وكلفه بمهمة التسلل إلى وكر الخيانة في ميامي .
وبالفعل تعرف ممدوح - رجل المخابرات- على فؤاد ،وقد قدم نفسه على أنه موظف هام في شركة الملاحة البحرية.
وفي شقة ميامي تمكن ممدوح من رصد وتصوير وتسجيل كل شيء رآه.
وفي نفس التوقيت كانت المخابرات تراقب هاتف فؤاد ورسائله وكل ما يتصل به.
▪︎جاءته رسالة تطلب منه السفر إلى روما لمقابلة ضابط مخابرات إسرائيلي هناك وبالفعل سافر إلى هناك.
استقبلوه بكل حفاوة وأغدقوا عليه الأموال وأظهروا له أنهم راضين تمامًا عما يقوم به.
▪︎عاد إلى مصر وقد زادت ثقته في نفسه، بعد عودته بحوالي اسبوع وذات ليلة نام مرهقًا بعد سهرة حمراء كالعادة وبالصدفة كانت رفيقته في ذلك اليوم هي نوسة أيضًا
لكنها بالطبع عادت مبكرة إلى بيتها فهي امرأة متزوجة .
عند الفجر استيقظ فؤاد بصعوبة على يد تهزه بقسوة.
فتح عينيه ليرى أشباح أشخاص تطوق فراشه،
أغلق عينيه وفتحهما مرة أخرى ليتأكد مما يرى،
لم يكن حلم يا فؤاد ولكنه كان واقع أشد وطأة من أسوأ كوابيسك.
▪︎حين طلع الصباح كان الخائن فؤاد حمودة في مبنى المخابرات العامة في القاهرة.
لم يتركوا أمامه أي فرصة للكذب أو الإنكار ...
اكتشف أنه كان يعيش وهم كبير، وهم اسمه السرية والتخفي وحماية الموساد له .
واجهه رجال المخابرات بصور لرسائله التي كان يرسلها ويستقلبها وصوره في روما وفي ميناء الإسكندرية،
صور ووثائق وأفلام ومكالمات أُخِذت له في كل مكان ذهب إليه.
كانت جريمة الخيانة مكتملة الأركان،
صدر حكم بالإعدام شنقًا على الخائن.
يوم 17 يناير 1973 وبينما كانوا يقتادوا فؤاد لتنفيذ حكم الإعدام فيه كان يصرخ بهيستريا :
لست أنا الخائن بل هي ،
أعدموها معي !
اعدموا نوسة!
وفي نفس اليوم تم تنفيذ حكم الإعدام في الجاسوس فؤاد حمودة الذي باع وطنه ودينه ..
من أجل امرأة.
تمت.
أحمد عبد الرحيم.
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
المصدر:
مقال للأستاذ سمير محمود قديح.
كاتب الجاسوسية الشهير.
للتنويه الصورة هي بوستر الفيلم الشهير لا علاقة بها بالقصة إلا الإسم فقط
التعديل الأخير بواسطة المشرف: