- التعديل الأخير بواسطة المشرف:
- المشاهدات: 1,130
- الردود: 6
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
- تصنيف الجاسوسية
- جاسوسية عربية إسرائيلية
في قصر الرئاسة. (علي خليل العطفي - جاسوس في قصر الرئاسة )
------------------------------------------------------------
* في بداية الثمانينات من القرن الماضي ظهر كتاب غريب من مصدر مجهول في بيروت يتحدث عن وفاة الرئيس عبد الناصر ..
كاتب الكتاب ادعى إنه هو الذي قتل الرئيس عبد الناصر بالسم من خلال كريم مسموم استخدمه في تدليك أقدام الرئيس الذي كان مصاباً بمرض السكري فتغلل الكريم المشبع بالسم في جسده وفي النهاية أدى إلى قتله.
على الفور خرج الكثير من المقربين من الرئيس الأسبق ينفون ما جاء في الكتاب على الإطلاق بأدلة دامغة على كذب الإدعاء ، ولكن البعض ظل مصدقا للإشاعة لوقت طويل حتى أن السيد سامي شرف مدير مكتب عبد الناصر ووزير شؤون رئاسة الجمهورية قد خرج عن صمته وتحدث لجريدة الوفد يوم 9 ديسمبر 2004 نافياً أن يكون هذا الشخص قد تعامل مع عبد الناصر بشكل مباشر أو غير مباشر .
لكن من هو الشخص الذي نُسِب إليه الكتاب وتسبب في كل هذه البلبة؟
وما حقيقة قصته؟
وما مصدر هذا الكتاب؟
ولأن الموضوع طويل وهام، دعونا نبدأ من بدايته، من إسمه..
--------------------------------------
علي خليل العطفي
من مواليد القاهرة بالتحديد حي السيدة زينب عام 1922، حاصل على الشهادة الإعدادية فقط .
تنقل للعمل في مهن حرفية بسيطة في بداية حياته كعامل في بقالة ثم في صيدلية وانتهى به الأمر بالعمل كمساعد مدلك .
لم تكن المهنة منتشرة في مصر ولم يكن يهتم بها إلا أبناء الطبقة الأرستقراطية فقط وكان الأجانب هم من يعملون بها .
لكن بعد قيام ثورة 1952 رحل معظم الأجانب عن مصر فخلت الساحة تماماً لعلي العطفي الذي أطلق على نفسه لقب " خبير علاج طبيعي " وبدأ يتنقل بين قصور كبار القوم وذاع صيته بشدة.
ومع الوقت بدأت تنتشر مهنة العلاج الطبيعي في مصر وأقيمت لها معاهد وأصبحت تدرس بطريقة علمية.
أصبح على العطفى من رواد تلك المعاهد وأصبح ينظر له على أنه خبير هام في المهنة الحديثة .
بدأت الدولة ترسل خريجي تلك المعاهد للحصول على درجة الدكتوراه من أوروبا والإتحاد السوفيتي.
وبالفعل بعد سنوات دراسة عاد المبعوثون من الخارج وشجع ذلك الدولة على إنشاء المعهد العالي للعلاج الطبيعي عام 1969 وكان على العطفي وقتها شخصية شهيرة في المجتمع المصري وكان ينتظر أن يكون هو عميد هذا المعهد ولكن مؤهلاته العلمية المتواضعة بشدة في مقابل حملة الدكتوراه حالت دون ذلك.
وبالفعل تولت أول عمادة للمعهد الدكتورة " فوقية عزب سليم والتي بقيت في منصبها حتى العام 1972 ثم سافرت إلى الكويت.
شعر علي العطفي بصدمة رهيبة بعد تجاوزه في عمادة المعهد كما شعر أن البساط سوف ينسحب من تحت قدميه فقرر أن يحصل على الدكتوراه بأي طريقة ممكنة وكانت تلك بداية السقوط في قاع الخيانة.
وصلنا للعام 1972 كان علي العطفي كثير السفريات إلى أوروبا،هذه المرة كان في هولندا
وهناك قرر شيء ما ..
ذهب بنفسه إلى السفارة الإسرائيلية في أمستردام وقدم نفسه وطلب منهم أن يتعاون معهم في مقابل الحصول على شهادة دكتوراه من هولندا.
وبعد العديد من اللقاءات والإختبارات القاسية التي تعرض لها هناك على يد ضباط الموساد تيقنوا من صدقه وكان بالنسبة لهم فرصة ذهبية نادرة التكرار.
فالرجل ذو شهرة كبيرة جداً وعلاقات واسعة مع مسؤولين من المستوى الرفيع في مصر.
ويمكن إعداده للوصول إلى أقصى هدف يمكن تصوره في مصر.
وهذا ما جرى بالفعل ...
تم تدريبه على أجهزة إرسال استقبال وعلى الكتابة بالحبر السري واستخدام الشفرة وغيرها من وسائل التجسس ثم عاد إلى مصر دون أن يعرف بشكل محدد مهمته.
خلال الفترة التالية تعددت سفريات علي العطفي إلى هولندا ولكنها لم تكن بغرض التجسس ولكن بغرض خضوعه لتدريبات في كبرى المستشفيات هناك على أساليب العلاج الطبيعي حتى أصبح في النهاية خبيرا في الأمر ثم بدأ تلميعه وتصخيمه إعلاميًا حتى أن صحف عالمية تحدثت عنه وانهالت عليه الدعوات من جامعات ومعاهد من شتى أنحاء العالم لإلقاء محاضرات وحضور ندوات فيها.
كان كل هذا يتم من خلال خطة "برجمان" والتي كانت تهدف في النهاية إلى شيء واحد من كل هذا...
---------------
كان علي العطفي قد عاش فترة في هولندا وتزوج منها وحصل على الجنسية الهولندية، وهناك حصل على شهادة الدكتوراه المزورة وتم تدريبه في أشهر مستشفيات هولندا.
كانت الأمور تسير وفق خطة أعدها ضابط الموساد المسؤول عنه ويدعى "إيلي بريجمان".
في البداية كان بريجمان يطمع في زرع علي العطيفي في الوسط الطبي المصري لاختراقه وتكوين شبكة جاسوسية ولكن بعد دراسة كل ظروف العطيفي أصبح طموحه أكبر بكثير.
إختراق مؤسسة الرئاسة نفسها
وأن يصل إلى الرئيس السادات بنفسه ويكون مدلكه الخاص.
كانت الخطة جنونية ولذا احتاج الأمر لاجتماع عاجل لرئيس الموساد مع كبار قادة الجهاز وفي النهاية نجح بريجمان في إقناعهم بهدفه.
وعندما عاد العطيفي إلى مصر تلك المرة كانت تسبقه حملة هائلة من الدعاية المكثفة مهدت الطريق أمامه لعدة مناصب هامة فقد أصبح عميد المعهد العالي للعلاج الطبيعي كما تم انتخابه كرئيس للإتحاد المصري للعلاج الطبيعي.
وأصبح المشرف على الفريق الطبي للنادي الأهلي من خلال صديقه الحميم الكابتن عبده صالح الوحش ومن خلاله تعرف على شخصيات هامة في الدولة مثل عثمان أحمد عثمان صهر الرئيس وكمال حسن على الذي أصبح فيما بعد رئيسًا للمخابرات العامة ثم رئيسا للوزراء، ووزراء ومسؤولين كبار في الدولة.
واصل الموساد حملته الدعائية داخل وخارج مصر من ناحية كما تواصل إنهيال الدعوات على العطيفي من جامعات ومستشفيات عالمية حتى أصبح اسمه علما عالمياً في عالم العلاج الطبيعي.
سارت خطة بريجمان بنجاح كبير حتى جاء الوقت الذي تلقى فيه العطيفي مكالمة من رئاسة الجمهورية تخبره أن الرئيس السادات يطلبه شخصيًا لينضم لفريق أطباءه، كان ذلك في العام 1972 وهكذا وصل بريجمان لهدفه النهائي وأصبحت حياة رئيس الدولة في يد الجاسوس العطيفي.
امتد عمل العطيفي لجميع أفراد أسرة السادات وأصبح صديقًا شخصياً له وزاد نفوذه بشدة حتى أن قاعة كبار الزوار كانت تفتح له عند عودته من أي سفرية وبذلك لا يتم تفتيش حقائبه.
اطمئن العطيفي تماماً لاستحالة كشفه وبدأ يتصرف بثقة كبيرة ويرسل المعلومات التي تقع تحت يده إلى الموساد بكل بساطة ودون حذر حتى في الإرسال.
استمر العمل من عام 1972 حتى عام 1979، في الفترة الأخيرة كان لدى المخابرات العامة شك كبير يصل لدرجة اليقين من وجود جاسوس في قصر الرئاسة أو مقرب من الرئيس شخصياً, وذلك بسبب تسرب معلومات شخصية جداً عن الرئيس السادات وتحركاته واجتماعاته وكذلك أسرته إلى إسرائيل.
أصبح هناك ملف في المخابرات العامة باسم " الجاسوس المجهول" يحاول فيه ضباط المخابرات جمع اي معلومات عنه، تولى هذا الملف أشهر وأكفيء ضباط المخابرات المصرية والذي كان الرئيس السادات يثق به ثقة مطلقة،
قلب الأسد ،
العميد محمد نسيم .
وبينما كان نسيم لا ينام الليل وهو يجمع كل معلومة ولو تافهه ويربط الأمور ببعضها لكي يصل إلى شخصية الجاسوس الخطير.
ارتكب العطيفي خطأ جسيم وهو في هولندا..
كان الخطأ ناتج عن ثقته العمياء في نفسه وشعوره أنه فوق مستوى أي شبهات كما كانت مصر في الأثناء تجري مفاوضات سلام مع إسرائيل.
لقد قام العطيفي بزيارة السفارة الإسرائيلية في امستردام بشخصه دون أي تنكر هكذا وكان يسير على قدميه حتى يدخلها بكل ثقة، وهناك لمحه أحد ضباط المخابرات المصرية.
ذهل الضابط الذي كان يعرفه عندما رآه ، فقام بإبلاغ العميد محمد نسيم على الفور والذي درس الموقف سريعاً وبدأ يتأكد من كون على العطيفي هو الجاسوس المجهول وعلى الفور وصل الأمر للرئيس السادات عن طريق رئيس جهاز المخابرات المصرية.
ذهل السادات أيضاً من المعلومة حتى أنه شك في صحتها ولما علم أن نسيم قلب الأسد هو المسؤل عن ملف الجاسوس العطيفي زال من عنده كل شك وطلب ضباط المخابرات بالتصرف وإحضاره إلى مصر.
على الفور صدرت الأوامر للضابط في هولندا بمراقبة العطيفي كظله في امستردام دون أن يشعر وهذا ما حدث بالفعل ومن خلال تلك المراقبة استطاع الضابط التقاط صور للعطيفي مع ضباط من الموساد معروفين لدى المخابرات المصرية.
صدرت الأوامر للضابط بحجز تذكرة على نفس الطائرة التي سوف يعود من خلالها العطيفي إلى القاهرة وهذا ما حدث بالفعل يوم 22 مارس 1979 حجز وركب الضابط الطائرة المتجهة إلى مطار القاهرة وتأكد من وجود إسم العطيفي على قوائم الركاب لكنه ابعتد بقدر الإمكان حتى لا يشك الأخير في شيء.
كانت الأوامر أن يتم إعتقال العطيفي في مطار القاهرة فور هبوط الطائرة.
وبالفعل فور هبوط الطائرة استعد الضابط لاعتقاله ولكن...
كانت في انتظاره مفاجأة مذهلة.
مفاجأة كفيلة بإفشال العملية كلها..
فلم يكن العطيفي على متن الطائرة.
-----------------
أسقط في يد ضابط المخابرات عندما لم يجد على العطفي على متن الطائرة، بسرعة توجه إلى زملاؤه في مكتب المطار وتم إبلاغ العميد محمد نسيم والذي تمكن بعد وقت قصير بمعرفة ما حدث ..
لقد كان على العطفي في منزله منذ يومين وإن لم يظهر من وقتها، وكانت تلك من أساليب التضليل التي يستخدمها في التحرك .
تم وضع خطة أخرى للقبض على الجاسوس.
في صباح اليوم التالي تلقى العطفي اتصالاً من صحفي في مجلة "آخر ساعة" يطلب إجراء حوار صحفي معه فحدد له موعدا في التاسعة مساء.
عند الثامنة ونصف من يوم 23 مارس عام 1979, كان حي الزمالك كله محاط بسياج أمني على أعلى مستوى.
وفي الموعد بالضبط كان العميد نسيم بنفسه ومعه قوة من رجاله، داخل منزل علي العطفي الذي فوجئ مفاجأة صاعقة بهم،
لكنه تماسك بسرعة وتظاهر بالدهشة والغضب وهددهم بعلاقته بالسادات فأخبره محمد نسيم أن الرئيس السادات على علم بما يجري.
لم يمض إلا دقائق حتى انهار الجاسوس واعترف بكل شيء وتم تسجيل اعترافاته ومن ضمن ما جاء فيها محاولته التحايل على رجال المخابرات عندما قال:
"أنا هقول على كل حاجة، بس قبل ما أتكلم أريد أن أقول لكم على شئ مهم، كنت أنوي أن أتوب تماما الأسبوع القادم سافرت أمستردام الأسبوع الماضي مخصوص عشان أبلغهم قراري، وكنت أنوى الحج هذه السنة ، وضابط المخابرات الإسرائيلي أبلغني أني أستطيع آخذ أسرتي وأسافر بهم إلى تل أبيب، وأنا اقترح عليكم الآن إن الأمور تسير على طبيعتها، أسافر هناك... ومن هناك أقدر أخدم مصر.. وأكفر عن ما مضى"
عندما شعرت زوجته - غير المصرية - وابنيه بما يجري في البيت دخلوا غرفة المكتب ليفاجؤا بما يجري .
عرض الأمر عليهم رجال المخابرات تهم العطفي فذهلت الزوجة وابنيه وظلت تسبه وتلعنه وتوبخه بعنف (وقد ثبت فيما بعد بالفعل عدم معرفتها ولا أبناءها بحقيقة زوجها الجاسوس)
ظل رجال المخابرات يستجوبون العطفي حتى الصباح وبتفتيش مكتبه عثروا على كتاب شفرة وأدوات تجسس ولكن جهاز اللاسلكي المتطور جدا لم يكن في مكتبه في البيت ولكن في مكان آخر .
عند التاسعة صباحاً اصطحبوه إلى مكتبه في المعهد الذي كان عميدا له وهناك أحضر لهم جهاز اللاسلكي وخرج مع رجال المخابرات وسط دهشة وذهول أساتذة وطلاب المعهد .
على مدار 20 يوم توالت اعترافات الجاسوس بكل ما ارتكب.
أثناء التحقيق معه أصدر القضاء قراراً بمنع زوجته وأولاده من التصرف في ممتلكاتهم وتم مصادرتها لمصلحة الدولة .
أما العطفي فقد حُكِم عليه بالإعدام شنقاً، لكن الغريب هو تدخل الرئيس السادات لتخفيف الحكم عليه إلى 15 سنة, لكنه رفض الرضوخ لمطالبات وضغوط سياسية من مناحم بيجن الذي كان يلتقي به كثيراً من أجل إتفاقية السلام، للإفراج عنه أو مبادلته.
بعد صدور الحكم على العطفي، قام ابنه الأكبر بنشر إعلان مدفوع الأجر في عدة صحف يعلن فيه لشعب مصر أنه يتبرأ من والده ويستنكر خيانته.
بعد وفاة الرئيس السادات تقدم العطفي بإلتماسات للرئيس مبارك
للإفراج عنه لأسباب صحية لكن مبارك رفض.
في أواخر أيامه أصيب بالعمى في السجن وتدهورت حالته حتى مات يوم 1 أبريل عام 1990 ورفضت أسرته استلام جثته فتم دفنه في مقابر الصدقة وكانت تلك نهاية الجاسوس الخائن.
-----------
ويتضح من سياق وتاريخ الأحداث أن العطفى ليس له أي علاقة بموت الرئيس عبد الناصر كما أن الكتاب الذي صدر في لبنان يروج لتلك القصة صدر في أوائل الثمانينات بينما كان العطفي في السجن. وفي أغلب الظن كان ورائه الموساد.
تمت.
المصادر:
المجموعة 73 مؤرخين
جريدة الجريدة.
جريدة الموجز.
أحمد عبد الرحيم
التعديل الأخير بواسطة المشرف: