- المشاهدات: 660
- الردود: 9
كنا قد تحدثنا في مقال سابق بعنوان نظرية تعدد العوالم أو الأكوان عن الكون و مدى ضخامته و تعقده، و قد أشدنا في سطور مقالنا ذلك بميزة من ميزات العقل البشري ألا و هي تعمد صرف النظر عن الأشياء المعقدة حد الإخافة إراحة للمرء من شر التفكير المفرط، و لا يسعنا و نحن نتأمل تلك السطور إلا أن نتعجب و نسبح لقدرة الخالق الذي كرم الإنسان بآلية لا يستطيع فهمها حتى اليوم، فكما وصفنا الكون بأنه فسيح لا متناه يصعب وضعه في حدود واضحة فإن العقل البشري لا يختلف عن ذلك كثيرا، فالعلماء و حتى لحظة كتابة هذه السطور لازالوا يكتشفون أمورا جديدة تخص العقل البشري و العقل الباطن و قدرة العقل البشري على التأثير في الأشياء بطرق قد تبدو ميتافيزيقية للكثير، و بما أن الإنسان بطبيعته يلجأ لتبسيط الأشياء الصعب فهمها فإنه لربما قد وقع في الخطأ في بعض المواضع التي تحتمل أكثر من تفسير، و من بين تلك المواضع تفسيره للسحر و ما يحيط به من غموض جعل أنصار المذهب العلمي أو أنصار العقل يختلفون مع أنصار المذهب الديني أو النقل، و نحن هنا لسنا بصدد تفضيل جماعة عن الأخرى بأي شكل من الأشكال، بل إننا سنضع السحر تحت مظلة العلم بطريقة بسيطة لنفهم أنصار المذهب العلمي و حججهم فقط.
تعريف السحر:
لم يقم " الجصاص " بالتفريق بين تعريف السحر لغويا وإصطلاحا فالسحر عنده " إسم لكل أمر خفي وتخيل على غير حقيقته وجرى مجرى التمويه والخداع ".
وقال " فخر الرازي " في تفسيره: " أعلم أن لفظ السحر في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفى سببه ويتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع ".
وعرفه " الألوسي البغدادي " بقوله: السحر في الأصل مصدره سحر يسحر وهو من المصادر الشاذة ويستعمل لما خفي سببه والمراد به أمر غريب يشبه الخارق ويستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان بإرتكاب القبائح " .
ويعرفه " سيد قطب " فيقول: أن السحر خداع الحواس وخداع الأعصاب والإيحاء الى النفوس والمشاعر وهو لا يغير من طبيعة الأشياء ولا ينشئ حقيقة جديدة لها ولكنه يخيل للحواس والمشاعر بما يريده الساحر " .
ويعرفه " إبن خلدون " فيقول: السحر علم بكيفية إستعدادات تقتدر بها النفوس البشرية على التأثير في
عالم العناصر، إما بغير معين من الأمور السماوية والأول هو السحر والثاني الطلسمات ".
ويقول" إبن قدامة المقدسي": هو عقد ورقي وكلام يتكلم به أو يكتب أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له حقيقة فمنه ما يقتل، وما يمرض وما يأخذ الرجل عن إمرأته فيمنعه وطأها ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه وما يبغض أحدهما إلى الأخر أو يجب بين اثنين "¹
فالسحر عموما هو خداع للحواس و المشاعر و تخريب للنفسية و هذا ما حدث في قصة سيدنا موسى مع سحرة فرعون الذين كانوا يخدعون حواس الناس فقط.
تاريخ السحر عند غير المسلمين:
يتبع غير المسلمون في غالب الأحيان قول المفكر الروماني المناصر لمذهب الطبيعة بلينيوس الأكبر (٢٣–٧٩م) الذي كان صاحب أول محاولة مدروسة لتصور تاريخ السحر؛ فقد ورد في كتابه «التاريخ الطبيعي» أنه كان هناك «إجماع عالمي على أن السحر بدأ في بلاد فارس بظهور زرادشت.» وبناءً على حسابات القرن الرابع قبل الميلاد التي أجراها عالم الرياضيات الإغريقي يودوكسوس والفيلسوف أرسطو، قدَّر بلينيوس أن زرادشت قد عاش قبل ستة آلاف عام من زمن أفلاطون الذي وُلد في القرن الخامس قبل الميلاد. لكن السحر لم يجد طريقه إلى الغرب إلا خلال الحملة الحربية الفاشلة التي شنها الملك الفارسي خشایارشا على الإغريق، وقد كان هذا عام ٤٨٠ قبل الميلاد. وكان هناك ساحر يُدعى أوستانا — والذي إعتقد بلينيوس أنه أول من دوَّن السحر — يرافق خشايارشا «ونشر الوباء في العالم أينما حل خلال رحلتهما». وهكذا أصيب الإغريق — كما يذهب بلينيوس متحسرًا — بإشتهاء السحر والجنون به. وذكر أن فيثاغورس وأفلاطون وإيمبيدوكليس وديموقريطوس إرتحلوا جميعًا إلى الشرق ليعرفوا المزيد عن السحر الذي نشره أوستانا ورفيقه المجوسي، اللذان اعتبرهما بلينيوس محتالَين وأحمقَين.²
تاريخ السحر عند المسلمين:
أما المسلمون فلم يجعلوا لبداية السحر تاريخا محددا فقالوا أنه قديم، وقد ذكره الله تعالى في قصة موسى مع فرعون، فقال سبحانه: ﴿قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ﴾ [يونس:77].
وكذا في زمن سليمان -عليه السلام- فقال: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ...﴾ [البقرة:102].
ولم يذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته -فيما نعلم- تحديد زمن معين ظهر فيه السحر على يد شخصٍ معين، ولكن تبين من الآية السابقة أن الجن هم مصدر السحر، بل ورد في القرآن ما يدل على أن كل رسول بعثه الله إلى قومه إتهموه بالسحر، ما يدل على قِدمه، قال تعالى بعد أن ذكر قصة إبراهيم ولوط، وعاد وثمود، ونوح، وقوم محمد صلى الله عليه وسلم -وهم قريش- قال لهم: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذريات:50 - 52].
أي أوصى بعضهم بعضًا بهذه المقالة وهي إتهام الرسول بالسحر أو الجنون أو هما معًا.³
السحر تحت مظلة العلم:
قد تبدو أول مدرسة للسحر في أوروبا المقامة في مدينة كلاجينفورت جنوبي النمسا مجرد شعوذة، لكن الذين يتطلعون لتجربة مثل التي عاشتها شخصية هاري بوتر الخيالية في مدرسة السحرة سيصابون بخيبة أمل كبيرة إذ إن المناهج التعليمية علمية تماما. وقال أندرياس ستارتشيل ناظر المدرسة إنه أقام المدرسة لإزالة الغموض عن المهارات السحرية بتفسير الظواهر بإستخدام الأساليب العلمية المستمدة من علوم الطبيعة والكيمياء والأحياء وأضاف ان "مهارات السحر لا علاقة لها على الإطلاق بالصورة الفلكلورية عن الساحرات الشريرات ذوات الوجوه الخضراء والأنوف المكسوة بالبثور، بل تتعلق بأن تصبح شخصا متوازنا متناغما مع الطبيعة".⁴
إن نموذج مدرسة كلاجينفورت يعد واحدا من نماذج عديدة أرادت أن تحصر السحر في منظور علمي بحت رغم إختلاف الوسائل و الإستخدامات، فالخداع البصري أو السحر الذي يكون الهدف منه الإستعراض لتحقيق المال و الشهرة يخضع للقوانين العلمية و الفيزيائية المعمول بها عند عامة الناس و هذا أمر بديهي اليوم، فهاري هوديني مثلا لم يستعن بالجن و لا بالشياطين إنما ألم بالعلوم التي تساعده في عمله حتى أصبح واحدا من أعظم السحرة على مر التاريخ، لكن معضلتنا نحن لا تكمن في السحر الإستعراضي بل في السحر الأسود القاتم الذي يسلب العقول و يدفع الناس للجنون و يدفع الأسر للتشتت و يدفع البعض حتى للموت و هنا نجد أن أنصار المذهب العقلي قد وضعوا تفسيرات خاصة بهم نوجزها في ما يلي:
أولا: أن الساحر أو المشعوذ أو "الطالب" كما يطلق عليه في دول شمال إفريقيا قد إستطاع فك كل شيفرات عقله: و يرى أنصار هذه الفرضية أن المشعوذ لا يستعين بالجن إنما وصل لدرجة عالية من العلم جعلته يتخاطر مع الشخص المسحور عن طريق موجات كهرومغناطيسية محددة تستهدفه هو شخصيا دون سواه فيتحكم فيه و يهمس في أذنه و يقنعه بالإنفصال عن زوجه و غيرها من الأمور، و يتحجج أنصار هذا المذهب بقولهم أن الجن له عقل مثله مثل البشر فكيف يمكن للجن أن يتحكم في البشر و لا يمكن للبشر أن يتحكموا في الجن؟ و هو أمر حسبهم غير منطقي.
ثانيا: أن الساحر إذا تحكم في الجن فإن له قدرة عظيمة لم يمنحها الله لأي شخص إلا الأنبياء: أنصار هذه الفرضية لم يقدموا تفسيرا واضحا لطريقة عمل السحر لكنهم قالوا أن الساحر إذا إستطاع أن يأتي بمعجزة كهذه فإنه لا يمكن التفريق بينه و بين الأنبياء و هو أمر لا يجوز و لا يصح في ميزان الدين.⁵
العين و علاقتها بالسحر علميا:
يلجأ الكثير من مفسري السحر تفسيرا علميا إلى مسألة العين و الحسد فيقولون أن العين هي قدرة الدماغ على التأثير في الشخص المحسود لدرجة تجعل نعمته تزول. لنفترض مثلا أن صديقك محمد إشترى سيارة و قد باركت له و سعدت معه ظاهريا لكنك حسدته على شراءه، فالحسد هنا هو قوة عقلية لا يمكنك أن تتحكم فيها، قوة تدفع بالأشياء المادية حولك للتأثير على سيارة محمد حتى تتلف فيها قطعة غيار أو تتحطم في حادث مرور. و قد تبدو الفكرة للوهلة الأولى ضربا من الجنون إلا أن الطبيب النفسي الشهير كولين روس أثبت أنه بإمكانه تشغيل نغمة على الكمبيوتر عن طريق الإشعاع المنبعث من عينه و تقدم عام 2008 للحصول على براءة إختراع لإكتشافه جهاز يمكنه رصد أشعة إلكترومغاطيسية طفيفة تخرج من العين وتم إثبات أن موجات هذه الأشعة من النوع الضعيف الذى لايستطيع أن يثقب الجدران أو يقطع المسافات. ومع التقدم العلمي فى أبحاث المخ وُجد أن هناك مناطق يطلق عليها العلماء المناطق الصامتة والتي لانعرف عنها الكثير وهذه المناطق هي المسؤولة عن الطاقة الخارقة التي نجدها عند بعض البشر و التي تظهر في الكثير من الأحيان عند تدفق الأدرينالين، و قد تبرز أيضا عند النظر لشخص ما مثلا فسيقط أو يتعثر فيقال لمن نظر أن عينه حريفة أو حارة بمعنى أنها أثرت في الشخص من بعيد.
هل كان التأثير عكسيا طوال الوقت؟:
لطالما إعتقدنا أن المشعوذ كان هو المتحكم في الجن فيأمره و ينهاه كما يشاء لكن ماذا لو كان الأمر مختلفا، ماذا لو كان الجن هو من يتحكم في المشعوذ عن طريق إستغلال عقله بطريقه لا يستطيع المشعوذ إستغلالها، فالجن و الشياطين هي مخلوقات غير مرئيه لنا ولا يعنى ذلك أنها غير موجودة بدليل أن الكهرباء والجاذبية لا نراهما ومع ذلك تعتمد معظم التقنيات والتطبيقات الحديثة على تأكيد فرضية وجودهم ولايمكن لإنسان عاقل أن ينكر وجودهم .. خلق الله تعالى الجن والشياطين من الموجات الفوق صوتية ( ultrasonic) لأن الموجات فوق الصوتية هي طاقة ميكانيكية وتعتمد في مرورها وسرعتها على وجود وسط تصطدم به لتنتقل فيه وبالتالي أ- تتولد حرارة شديدة جراء هذا التصادم مع جزيئات الوسط. ب- وتمتلك أطوالًا موجية صغيرة، ونتيجة لذلك، فإن قدرتها على الإختراق تكون عالية.
إذن محصلة "أ + ب" = نار السموم = النارالتى تخترق المسامات.
قال تعالى: ﴿والجان خلقناه من قبل من نار السموم﴾ [الحجر- 27].
والثابت علميا حتى الآن أن الموجات فوق الصوتية هي الموجات التقليدية الوحيدة التي تنتج حرارة عالية بهذا الشكل وحديثا سمعنا عن السلاح الحراري الروسي المعروف بأبو القنابل والذى تنجم أضراره عن صدمة موجات فوق صوتية ودرجات حرارة عالية تصل 3000 درجة حتى أنه أحيانا يطلق عليه قنبلة الشيطان، وحديثا طور باحثون فى جامعة شمال كارولينا تقنية تسمح للموجات فوق الصوتية باختراق العظام والمعادن.
و الأصل الناري والإهتزازي (الموجي) للجن والشياطين يمكن إستنباطه من القران الكريم كما يلى:
﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ﴾ [الرحمن15].
وقوله تعالى: ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ [النمل: 10]، والمارج من المرج أي الإضطراب والإهتزاز = أي الذبذبات أو الموجات المرتبطة بالحرارة والنار.
و نشر المعهد القومي الأمريكي للصحة عام 2018 بحثا عن التعديل العصبي مفاده أن الموجات فوق الصوتية قادرة على تعديل مناطق الدماغ المهادية وتحت المهادية* وقشرة المخ. والتعديل هو "تنشيط أو تثبيط عصبي" حسب تردد الموجات.
وأثبت ديفيد هاتون عام 2022 أنه يمكن للصوت أن يحفز شبكية العين العمياء لنقل الإشارات إلى الدماغ من حاصل جمع "أ و ب" و بما أن الشياطين علميا هي موجات فوق صوتيه إذن يمكن للشيطان ان يؤثر في الانسان عن طريق سحر و خداع العقل والعين.⁶
قد لا يكون التأثير العكسي فكرة شائعة بل إنني في حقيقة الأمر إستنتجتها عند كتابتي لهذه السطور لكنها فكرة تستحق التأمل و النظر فيها نظرة معمقة لأنها تجمع بين الأمرين، فربما يملك الساحر القدرة على إستدعاء الجن لكن الجن يملك القدرة المعرفية و العلمية الكافية التي تجعله مسيرا لعقل المشعوذ بطريقة لم يصل لها العلم بعد و ربما لن يصل لها في وقت قريب و دليل علمهم و قدرتهم العالية ما ذكر في القرآن في قصة سليمان و رغبته في جلب عرش ملكة سبأ إذ يقول الله تعالى في كتابه:
﴿قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّى عَلَيْهِ لَقَوِى أَمِينٌ *﴾ النمل [38-39].
فنرى هنا أن الجن كان بإستطاعته أن يجلب عرش ملكة سبأ في وقت قصير رغم بعد المسافة و صعوبة المهمة.
ختاما:
لا يمكننا بأي شكل من الأشكال إنكار قوة العقل البشري و تعقده لكن العلم لا يعترف إلا بالأدلة و حتى اليوم لا يوجد دليل واضح على قدرة العقل البشري على القيام بالأعمال التي ذكرها أنصار العقل في حججهم لكن يبقى الجدل قائما و المسألة فيها أخذ و رد و هذا من عجائب هذا الكون و من دلائل قدرة الخالق سبحانه و تعالى الذي لا يعجزه شيئ.
المصادر:
1. غوالم أمينة, مصطلح السحر في ضوء اللسانيات الإجتماعية, مجلة الصوتيات, المجلد 17, العدد 02, ديسمبر 2017, ص287.
2. السحر, مقدمة قصيرة جدا, مؤسسة هنداوي, تمت الزيارة يوم: 19/01/2024, متاح على الرابط:
3. تاريخ السحر, إسلام ويب, تمت الزيارة يوم: 19/01/2024, متاح على الرابط:
4. عبد الرزاق, منصور علي, دراسه علميه حديثه عن السحر والحسد والشياطين, نوفمبر 2022, تمت الزيارة يوم: 19/01/2024, متاح على الرابط:
5. حسين, جليعب السعيدي, السحر حقيقته و حكمه, vol3, ص 352-353.
6. عبد الرزاق, منصور علي, مرجع سابق.
هوامش:
• المِهاد أو الثلاموس (باللاتينية: Thalamus)، وهي كلمة إغريقيّة تعني الخزانة. المهاد هي كتلة كبيرة في المادة الرّماديّة في الجزء الظّهريّ للدّماغ البينيّ، والذي هو جزء من الدماغ. وظائفه هي: إعادة بث الإشارات الحسّيّة، مثل: نقل الإشارات الحركيّة إلى القشرة المخّيّة، وتنظيم الوعي والنّوم واليقظة.
تعريف السحر:
لم يقم " الجصاص " بالتفريق بين تعريف السحر لغويا وإصطلاحا فالسحر عنده " إسم لكل أمر خفي وتخيل على غير حقيقته وجرى مجرى التمويه والخداع ".
وقال " فخر الرازي " في تفسيره: " أعلم أن لفظ السحر في عرف الشرع مختص بكل أمر يخفى سببه ويتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع ".
وعرفه " الألوسي البغدادي " بقوله: السحر في الأصل مصدره سحر يسحر وهو من المصادر الشاذة ويستعمل لما خفي سببه والمراد به أمر غريب يشبه الخارق ويستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان بإرتكاب القبائح " .
ويعرفه " سيد قطب " فيقول: أن السحر خداع الحواس وخداع الأعصاب والإيحاء الى النفوس والمشاعر وهو لا يغير من طبيعة الأشياء ولا ينشئ حقيقة جديدة لها ولكنه يخيل للحواس والمشاعر بما يريده الساحر " .
ويعرفه " إبن خلدون " فيقول: السحر علم بكيفية إستعدادات تقتدر بها النفوس البشرية على التأثير في
عالم العناصر، إما بغير معين من الأمور السماوية والأول هو السحر والثاني الطلسمات ".
ويقول" إبن قدامة المقدسي": هو عقد ورقي وكلام يتكلم به أو يكتب أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له حقيقة فمنه ما يقتل، وما يمرض وما يأخذ الرجل عن إمرأته فيمنعه وطأها ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه وما يبغض أحدهما إلى الأخر أو يجب بين اثنين "¹
فالسحر عموما هو خداع للحواس و المشاعر و تخريب للنفسية و هذا ما حدث في قصة سيدنا موسى مع سحرة فرعون الذين كانوا يخدعون حواس الناس فقط.
تاريخ السحر عند غير المسلمين:
يتبع غير المسلمون في غالب الأحيان قول المفكر الروماني المناصر لمذهب الطبيعة بلينيوس الأكبر (٢٣–٧٩م) الذي كان صاحب أول محاولة مدروسة لتصور تاريخ السحر؛ فقد ورد في كتابه «التاريخ الطبيعي» أنه كان هناك «إجماع عالمي على أن السحر بدأ في بلاد فارس بظهور زرادشت.» وبناءً على حسابات القرن الرابع قبل الميلاد التي أجراها عالم الرياضيات الإغريقي يودوكسوس والفيلسوف أرسطو، قدَّر بلينيوس أن زرادشت قد عاش قبل ستة آلاف عام من زمن أفلاطون الذي وُلد في القرن الخامس قبل الميلاد. لكن السحر لم يجد طريقه إلى الغرب إلا خلال الحملة الحربية الفاشلة التي شنها الملك الفارسي خشایارشا على الإغريق، وقد كان هذا عام ٤٨٠ قبل الميلاد. وكان هناك ساحر يُدعى أوستانا — والذي إعتقد بلينيوس أنه أول من دوَّن السحر — يرافق خشايارشا «ونشر الوباء في العالم أينما حل خلال رحلتهما». وهكذا أصيب الإغريق — كما يذهب بلينيوس متحسرًا — بإشتهاء السحر والجنون به. وذكر أن فيثاغورس وأفلاطون وإيمبيدوكليس وديموقريطوس إرتحلوا جميعًا إلى الشرق ليعرفوا المزيد عن السحر الذي نشره أوستانا ورفيقه المجوسي، اللذان اعتبرهما بلينيوس محتالَين وأحمقَين.²
تاريخ السحر عند المسلمين:
أما المسلمون فلم يجعلوا لبداية السحر تاريخا محددا فقالوا أنه قديم، وقد ذكره الله تعالى في قصة موسى مع فرعون، فقال سبحانه: ﴿قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ﴾ [يونس:77].
وكذا في زمن سليمان -عليه السلام- فقال: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ...﴾ [البقرة:102].
ولم يذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته -فيما نعلم- تحديد زمن معين ظهر فيه السحر على يد شخصٍ معين، ولكن تبين من الآية السابقة أن الجن هم مصدر السحر، بل ورد في القرآن ما يدل على أن كل رسول بعثه الله إلى قومه إتهموه بالسحر، ما يدل على قِدمه، قال تعالى بعد أن ذكر قصة إبراهيم ولوط، وعاد وثمود، ونوح، وقوم محمد صلى الله عليه وسلم -وهم قريش- قال لهم: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذريات:50 - 52].
أي أوصى بعضهم بعضًا بهذه المقالة وهي إتهام الرسول بالسحر أو الجنون أو هما معًا.³
السحر تحت مظلة العلم:
قد تبدو أول مدرسة للسحر في أوروبا المقامة في مدينة كلاجينفورت جنوبي النمسا مجرد شعوذة، لكن الذين يتطلعون لتجربة مثل التي عاشتها شخصية هاري بوتر الخيالية في مدرسة السحرة سيصابون بخيبة أمل كبيرة إذ إن المناهج التعليمية علمية تماما. وقال أندرياس ستارتشيل ناظر المدرسة إنه أقام المدرسة لإزالة الغموض عن المهارات السحرية بتفسير الظواهر بإستخدام الأساليب العلمية المستمدة من علوم الطبيعة والكيمياء والأحياء وأضاف ان "مهارات السحر لا علاقة لها على الإطلاق بالصورة الفلكلورية عن الساحرات الشريرات ذوات الوجوه الخضراء والأنوف المكسوة بالبثور، بل تتعلق بأن تصبح شخصا متوازنا متناغما مع الطبيعة".⁴
هل تعلم السحرة أصول السحر أم أصول العلم؟
إن نموذج مدرسة كلاجينفورت يعد واحدا من نماذج عديدة أرادت أن تحصر السحر في منظور علمي بحت رغم إختلاف الوسائل و الإستخدامات، فالخداع البصري أو السحر الذي يكون الهدف منه الإستعراض لتحقيق المال و الشهرة يخضع للقوانين العلمية و الفيزيائية المعمول بها عند عامة الناس و هذا أمر بديهي اليوم، فهاري هوديني مثلا لم يستعن بالجن و لا بالشياطين إنما ألم بالعلوم التي تساعده في عمله حتى أصبح واحدا من أعظم السحرة على مر التاريخ، لكن معضلتنا نحن لا تكمن في السحر الإستعراضي بل في السحر الأسود القاتم الذي يسلب العقول و يدفع الناس للجنون و يدفع الأسر للتشتت و يدفع البعض حتى للموت و هنا نجد أن أنصار المذهب العقلي قد وضعوا تفسيرات خاصة بهم نوجزها في ما يلي:
أولا: أن الساحر أو المشعوذ أو "الطالب" كما يطلق عليه في دول شمال إفريقيا قد إستطاع فك كل شيفرات عقله: و يرى أنصار هذه الفرضية أن المشعوذ لا يستعين بالجن إنما وصل لدرجة عالية من العلم جعلته يتخاطر مع الشخص المسحور عن طريق موجات كهرومغناطيسية محددة تستهدفه هو شخصيا دون سواه فيتحكم فيه و يهمس في أذنه و يقنعه بالإنفصال عن زوجه و غيرها من الأمور، و يتحجج أنصار هذا المذهب بقولهم أن الجن له عقل مثله مثل البشر فكيف يمكن للجن أن يتحكم في البشر و لا يمكن للبشر أن يتحكموا في الجن؟ و هو أمر حسبهم غير منطقي.
ثانيا: أن الساحر إذا تحكم في الجن فإن له قدرة عظيمة لم يمنحها الله لأي شخص إلا الأنبياء: أنصار هذه الفرضية لم يقدموا تفسيرا واضحا لطريقة عمل السحر لكنهم قالوا أن الساحر إذا إستطاع أن يأتي بمعجزة كهذه فإنه لا يمكن التفريق بينه و بين الأنبياء و هو أمر لا يجوز و لا يصح في ميزان الدين.⁵
العين و علاقتها بالسحر علميا:
يلجأ الكثير من مفسري السحر تفسيرا علميا إلى مسألة العين و الحسد فيقولون أن العين هي قدرة الدماغ على التأثير في الشخص المحسود لدرجة تجعل نعمته تزول. لنفترض مثلا أن صديقك محمد إشترى سيارة و قد باركت له و سعدت معه ظاهريا لكنك حسدته على شراءه، فالحسد هنا هو قوة عقلية لا يمكنك أن تتحكم فيها، قوة تدفع بالأشياء المادية حولك للتأثير على سيارة محمد حتى تتلف فيها قطعة غيار أو تتحطم في حادث مرور. و قد تبدو الفكرة للوهلة الأولى ضربا من الجنون إلا أن الطبيب النفسي الشهير كولين روس أثبت أنه بإمكانه تشغيل نغمة على الكمبيوتر عن طريق الإشعاع المنبعث من عينه و تقدم عام 2008 للحصول على براءة إختراع لإكتشافه جهاز يمكنه رصد أشعة إلكترومغاطيسية طفيفة تخرج من العين وتم إثبات أن موجات هذه الأشعة من النوع الضعيف الذى لايستطيع أن يثقب الجدران أو يقطع المسافات. ومع التقدم العلمي فى أبحاث المخ وُجد أن هناك مناطق يطلق عليها العلماء المناطق الصامتة والتي لانعرف عنها الكثير وهذه المناطق هي المسؤولة عن الطاقة الخارقة التي نجدها عند بعض البشر و التي تظهر في الكثير من الأحيان عند تدفق الأدرينالين، و قد تبرز أيضا عند النظر لشخص ما مثلا فسيقط أو يتعثر فيقال لمن نظر أن عينه حريفة أو حارة بمعنى أنها أثرت في الشخص من بعيد.
هل كان التأثير عكسيا طوال الوقت؟:
لطالما إعتقدنا أن المشعوذ كان هو المتحكم في الجن فيأمره و ينهاه كما يشاء لكن ماذا لو كان الأمر مختلفا، ماذا لو كان الجن هو من يتحكم في المشعوذ عن طريق إستغلال عقله بطريقه لا يستطيع المشعوذ إستغلالها، فالجن و الشياطين هي مخلوقات غير مرئيه لنا ولا يعنى ذلك أنها غير موجودة بدليل أن الكهرباء والجاذبية لا نراهما ومع ذلك تعتمد معظم التقنيات والتطبيقات الحديثة على تأكيد فرضية وجودهم ولايمكن لإنسان عاقل أن ينكر وجودهم .. خلق الله تعالى الجن والشياطين من الموجات الفوق صوتية ( ultrasonic) لأن الموجات فوق الصوتية هي طاقة ميكانيكية وتعتمد في مرورها وسرعتها على وجود وسط تصطدم به لتنتقل فيه وبالتالي أ- تتولد حرارة شديدة جراء هذا التصادم مع جزيئات الوسط. ب- وتمتلك أطوالًا موجية صغيرة، ونتيجة لذلك، فإن قدرتها على الإختراق تكون عالية.
إذن محصلة "أ + ب" = نار السموم = النارالتى تخترق المسامات.
قال تعالى: ﴿والجان خلقناه من قبل من نار السموم﴾ [الحجر- 27].
والثابت علميا حتى الآن أن الموجات فوق الصوتية هي الموجات التقليدية الوحيدة التي تنتج حرارة عالية بهذا الشكل وحديثا سمعنا عن السلاح الحراري الروسي المعروف بأبو القنابل والذى تنجم أضراره عن صدمة موجات فوق صوتية ودرجات حرارة عالية تصل 3000 درجة حتى أنه أحيانا يطلق عليه قنبلة الشيطان، وحديثا طور باحثون فى جامعة شمال كارولينا تقنية تسمح للموجات فوق الصوتية باختراق العظام والمعادن.
و الأصل الناري والإهتزازي (الموجي) للجن والشياطين يمكن إستنباطه من القران الكريم كما يلى:
﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ﴾ [الرحمن15].
وقوله تعالى: ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ [النمل: 10]، والمارج من المرج أي الإضطراب والإهتزاز = أي الذبذبات أو الموجات المرتبطة بالحرارة والنار.
و نشر المعهد القومي الأمريكي للصحة عام 2018 بحثا عن التعديل العصبي مفاده أن الموجات فوق الصوتية قادرة على تعديل مناطق الدماغ المهادية وتحت المهادية* وقشرة المخ. والتعديل هو "تنشيط أو تثبيط عصبي" حسب تردد الموجات.
وأثبت ديفيد هاتون عام 2022 أنه يمكن للصوت أن يحفز شبكية العين العمياء لنقل الإشارات إلى الدماغ من حاصل جمع "أ و ب" و بما أن الشياطين علميا هي موجات فوق صوتيه إذن يمكن للشيطان ان يؤثر في الانسان عن طريق سحر و خداع العقل والعين.⁶
قد لا يكون التأثير العكسي فكرة شائعة بل إنني في حقيقة الأمر إستنتجتها عند كتابتي لهذه السطور لكنها فكرة تستحق التأمل و النظر فيها نظرة معمقة لأنها تجمع بين الأمرين، فربما يملك الساحر القدرة على إستدعاء الجن لكن الجن يملك القدرة المعرفية و العلمية الكافية التي تجعله مسيرا لعقل المشعوذ بطريقة لم يصل لها العلم بعد و ربما لن يصل لها في وقت قريب و دليل علمهم و قدرتهم العالية ما ذكر في القرآن في قصة سليمان و رغبته في جلب عرش ملكة سبأ إذ يقول الله تعالى في كتابه:
﴿قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّى عَلَيْهِ لَقَوِى أَمِينٌ *﴾ النمل [38-39].
فنرى هنا أن الجن كان بإستطاعته أن يجلب عرش ملكة سبأ في وقت قصير رغم بعد المسافة و صعوبة المهمة.
ختاما:
لا يمكننا بأي شكل من الأشكال إنكار قوة العقل البشري و تعقده لكن العلم لا يعترف إلا بالأدلة و حتى اليوم لا يوجد دليل واضح على قدرة العقل البشري على القيام بالأعمال التي ذكرها أنصار العقل في حججهم لكن يبقى الجدل قائما و المسألة فيها أخذ و رد و هذا من عجائب هذا الكون و من دلائل قدرة الخالق سبحانه و تعالى الذي لا يعجزه شيئ.
المصادر:
1. غوالم أمينة, مصطلح السحر في ضوء اللسانيات الإجتماعية, مجلة الصوتيات, المجلد 17, العدد 02, ديسمبر 2017, ص287.
2. السحر, مقدمة قصيرة جدا, مؤسسة هنداوي, تمت الزيارة يوم: 19/01/2024, متاح على الرابط:
يجب تسجيل الدخول لمشاهدة الروابط
3. تاريخ السحر, إسلام ويب, تمت الزيارة يوم: 19/01/2024, متاح على الرابط:
يجب تسجيل الدخول لمشاهدة الروابط
4. عبد الرزاق, منصور علي, دراسه علميه حديثه عن السحر والحسد والشياطين, نوفمبر 2022, تمت الزيارة يوم: 19/01/2024, متاح على الرابط:
يجب تسجيل الدخول لمشاهدة الروابط
5. حسين, جليعب السعيدي, السحر حقيقته و حكمه, vol3, ص 352-353.
6. عبد الرزاق, منصور علي, مرجع سابق.
هوامش:
• المِهاد أو الثلاموس (باللاتينية: Thalamus)، وهي كلمة إغريقيّة تعني الخزانة. المهاد هي كتلة كبيرة في المادة الرّماديّة في الجزء الظّهريّ للدّماغ البينيّ، والذي هو جزء من الدماغ. وظائفه هي: إعادة بث الإشارات الحسّيّة، مثل: نقل الإشارات الحركيّة إلى القشرة المخّيّة، وتنظيم الوعي والنّوم واليقظة.